سيدات الأعمال العرب... نواة لتكتل اقتصادي عربي



مهدي حسانين
2008 / 6 / 26

وسط الزخم الذي تشهده الساحة الاقتصادية العربية نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات وبزوغ عصر العولمة، طفت على السطح سيدة الأعمال العربية، لتفرض نفسها كقوة تجارية واستثمارية،ساعدها في ذلك التغيرات الاجتماعية والتعليمية للفتاة العربية، ومساحة الحرية التي أتيحت لها في السنوات الأخيرة، فضًلا عن تقبل المجتمع العربي لفكرة دخول المرأة مجال العمل والاستثمار، محطمة بذلك بعض العادات والتقاليد التي كانت تحصر دورها داخل المنزل، حتى إن البنوك والمؤسسات المالية والدولية، تسعى في الوقت الراهن إلى طرح برامج خاصة لاستثمار أموال سيدات الأعمال العرب، واللائي يمتلكن حوالي 27% من المؤسسات التجارية في العالم العربي.
ففي المملكة العربية السعودية بلغ حجم ما تملكه سيدات الأعمال 1500 شركة، ‏تشكِّل ما نسبته3.4% من إجمالي المشاريع المسجَّلة في المملكة، وذلك في ‏مجالات عديدة، وهناك ‏‏5500 سجل تجاري بنسبة 20% لمشاريع تجارية نسائية في قطاعات تجارة التجزئة والمقاولات والبيع بالجملة والصناعات ‏التحويلية، كما يمتلكن أكثر من 45 مليار ريال بنسبة 75% من مدخرات المصارف السعودية، ويبلغ حجم استثماراتهن نحو 8 مليارات ريال.
أما في دولة الإمارات, فإن الظهور الفعلي لسيدات الأعمال كان خلال عامي(2000 و2001)، وقد بلغ عددهن الآن في إمارة أبوظبي 3 آلاف امرأة، وبلغت نسبة مساهمتهن في قوة العمل عام 2004 ما يوازي الـ16.5% وفي القطاع المالي والمصرفي 37.5 % وقطاع التأمين 7%، وبلغ حجم استثمارات المرأة في قطاع الصناعة 1ر2 مليار درهم.. وبشكل عام فقد وصلت النسبة الإجمالية لمشاركة المرأة في القطاع الخاص إلى 18% ووصل عدد سيدات الأعمال لحوالي تسعة آلاف و573 سيدة أعمال.
ووصل عدد سيدات الأعمال القطريات إلى ما يقرب من 500 سيدة أعمال, يسعين بدأب للبرهنة على قدرتهن على منافسة رجال الأعمال في السوق المحلية القطرية، وبلغ عدد الشركات التي تساهم فيها نحو800 شركة، أما سيدات الأعمال المنتسبات لغرفة صناعة وتجارة عمان فقد وصل عددهن إلى 4724 حتى عام 2003 من مجموع 105113 منتسبًا أي بنسبة 4%.
وهناك تطور ملحوظ لسيدات الأعمال الكويتيات، ففي عام 1965 كانت نسبة مساهمتهن لا تتعدى 2.5% من إجمالي القوى العاملة الكويتية، وتطورت إلى 3% عام 1970، ثم 9% عام 1975، إلى أن بلغت 25.7% عام 1985، ثم ارتفعت ثانيًا إلى 33% عام 1999، كما أن هناك تزايدًا ملحوظًا للمرأة الكويتية في قطاع البنوك والاستثمار، حيث بلغت نسبة الأشغال السنوية 6.4% من قوة العمل المصرفية عام 2002.
ومنحت البحرين أول سجل تجاري لامرأة عام 1952 لتصل نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30.8% من إجمالي المواطنين العاملين، ونسبة تملكها للسجلات التجارية إلى 29.8% من مجموع السجلات فيما بين عامي 2002 و2003، وازدادت السجلات التجارية إلى حوالي 11 ألف سجل تجاري، وتركزت أهم النشاطات التجارية للمرأة البحرينية في الصناعات التحويلية وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم والأنشطة العقارية والمهنية إلى جانب النشاط الملحوظ الذي شهده عام 2004 فيما يتعلق بجمعية سيدات الأعمال البحرينية من فعاليات داخلية وعربية وعالمية.
وتوضح هذه الأرقام والإحصائيات وجود بنية استثمارية نسائية لديها القدرة على سد الفجوة العربية، وقدرة على الإسهام في ترميم الخلل القائم في هيكل الاقتصاد العربي وإقامة تكامل اقتصادي يبدأ من التجارب على المستوى الثنائي القطري وانتهاء بالتجارب على المستوى القومي.. فرغم امتلاك الدول العربية لكافة مقومات التكامل, ورغم الجهود الحثيثة من قبل الحكومات والأفراد على حد سواء لتدشين نظام اقتصادي إقليمي، إلا أن ذلك لم يكلل بالنجاح بسبب الصعوبات والتحديات سواء كانت داخلية أو خارجية, وعلى رأسها أن الوطن العربي مازال يعاني من غياب الإرادة الحقيقية، وتشابه الهياكل الإنتاجية لأغلب الدول العربية، وخاصة دول الخليج التي تعتمد على البترول كمصدر أساسي للدخل.
وفي ضوء أن الوطن العربي في حاجة ماسة إلى تعاون اقتصادي يستطيع من خلاله الوقوف ضد تيارات العولمة والتكتلات الاقتصادية القائمة، يبرز دور سيدات الأعمال بحضورهن المتنامي على الساحة الاقتصادية العربية, خصوصًا أن هناك تطورًا بالفعل في حركتهن ونموًا متزايدًا ومتنوعًا في كافة المجالات والأنشطة التجارية المختلفة التي اخترقنها، وهو ما يتبين من خلال مجمل اللقاءات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية التي يشاركن فيها إلى جانب بنائهن أسس مؤسسية لخدمة أغراضهن كمجالس سيدات الأعمال, وكذلك اجتيازهن انتخابات الغرف التجارية على غرار ما حدث في غرفة التجارة والصناعة بجدة.
وعلى ذلك فإنه بالتنسيق وتوحيد الجهود فيما بينهن يمكن أن يحققن ما يطمحن في الوصول إليه وما يطمح في الوصول إليه العالم العربي.. ومن المهم أن تكون ركيزة الانطلاق بالنسبة لهن في ذلك, هي توسيع الأنشطة التي يعملن فيها, خصوصًا والواضح أن أغلب أموال سيدات الأعمال تنحصر في مجالات معينة كالصناعات الخفيفة وتجارة الجملة والتجزئة ومجال العقارات والمطاعم والفنادق على الرغم من أن إمكانياتهن المالية أكبر من ذلك بكثير، إذ يقدر حجم استثمارات سيدات أعمال المملكة العربية السعودية بنحو 8 مليار ريال، والقطريات ما يعادل 6ر1 مليار دولار, بينما يقدر حجم استثماراتهن في الإمارات بحوالي 13.4 مليار درهم إماراتي (أكثر من 3 مليارات دولار)، هذا إلى جانب الكويت والبحرين وعمان وباقي الدول العربية مما يدل على أن إمكانياتهن كبيرة.
وعلى الرغم من أن أغلب هذه الأموال تتجه, كما أسلفنا, إلى التجارة وسوق العقارات والسياحة والفنادق والمقاولات، إلا أنها نواة قوية لتحقيق تبادل اقتصادي عربي في أضيق الأحوال على المستوى التجاري الفردي على أن ينتقل بعد ذلك إلى المستوى الأعلى من التكامل.. فبهذه الأموال المستثمرة إلى جانب الأموال المدخرة في البنوك يمكن توظيفها جيداً في الوصول إلى غايات عليا من التكامل.
وقد لعبت الحكومات دورًا في تمكين سيدات الأعمال وتهيئة المناخ الاستثماري المناسب لهن حتى يخضن المجال الاقتصادي بنوع من الحرية، وكانت البداية عبر الإصلاح التربوي الذي ساعد في خلق السيدات المتعلّمات ممن يتمتعن بدرجة عالية من الكفاءة التي تمكنهن من لعب دورهن الطبيعي في المجتمع العربي, كما تم تدشين قوانين العمل الجديدة التي تسمح لهن بالحصول على الرخص التجارية التي تشجّعهن على استثمار أموالهن وأصولهن في المشاريع الصناعية والتجارية.
وشجعت الحكومات أيضًا التوجه نحو نقل وسائل التعامل التجارية بين الشركات والمؤسسات من الوسائل الورقية لتكون إلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وهو ما أتاح للمرأة الاستفادة من التطورات الحاصلة في مجالات تقنية المعلومات وتحسين أدائها الوظيفي بدقة أكثر وسرعة أكبر, فتطبيق التجارة الإلكترونية بحد ذاتها والاعتراف بها رسميًا يعد فرصة كبيرة أمام المرأة لاستثمار أموالها بطريقة غير تقليدية تساعدها على الانخراط أكثر في مجال الأعمال بعيدا عن المعوقات الاجتماعية والتقاليد المجتمعية المعروفة.
ويضاف إلى ذلك, التشريعات القانونية التي ساعدت كثيراً في تنمية وضع سيدات الأعمال فدولة الإمارات أصدرت القانون رقم 27 لسنة 2005 الخاص بإعادة تنظيم غرفة تجارة وصناعة أبوظبي والذي أعطى الحق لسيدات الأعمال والمواطنات لترشيح أنفسهن لعضوية مجلس إدارة الغرفة وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين, وأصبحت العديد من التشريعات الوطنية الخليجية تؤكد على أحقية المرأة في ممارسة دورها الاقتصادي التنموي, حتى إن السعودية سمحت للمستثمرات وسيدات الأعمال بالحصول على تأشيرات الدخول إلى البلاد من دون محرم.
ورغم هذه النجاحات المتحققة على أرض الواقع إلا أن سيدات الأعمال لا زلن يعانين من صعوبات وعقبات تحول بينهن وبين تحقيق ما يتطلعن إليه من طموحات تمكنهن من المساهمة الفعالة في مسيرة التنمية الاقتصادية في الوطن العربي، ولعل من أهم هذه العقبات قلة وأحياناً عدم وجودهن بالشكل المأمول في أغلب مجالس إدارات الغرف التجارية وإدماجها بصورة كاملة في هذه المجالس, إذ إن الوجود الحالي لا يتناسب مع حجم أعمالهن وقدراتهن.
ومن الصعوبات القائمة أيضًا أن التشريعات الحالية تشجع المشاريع التجارية الضخمة بصورة أكبر من المشاريع التجارية الصغيرة، والتي من الصعب أن تستمر في ظل هذه الظروف الاقتصادية المحيطة، فالتجار الكبار أقوياء يستطيعون الصمود بعكس أصحاب المشاريع الصغيرة.
ولا ينبغي في الوقت ذاته, أن نتجاهل غياب الترابط بين سيدات الأعمال في الدولة الواحدة وسيدات الأعمال في دول العالم الأخرى، وهو أمر ضروري, من أجل تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب في القطاعات التجارية والاقتصادية, خصوصًا أن سيدات الأعمال العرب حديثي العهد بهذه الأعمال, ناهيك عن قلة الدعم الاقتصادي الموجه من الحكومات إلى مشاريعهن الاقتصادية الصغيرة، الأمر الذي يفرض التنسيق بين الحكومة والبنوك لدعم مشاريعهن، بحيث تخفف البنوك من تشددها تجاه تقديم قروض للمشاريع التجارية الصغيرة.
وهناك بعض المعوقات الأخرى التي تتعلق بسيدات الأعمال أنفسهن تتمثل في عدم إنجازهن لمعاملاتهن بشكل شخصي، حيث إنهن يلجأن إلى طلب مساعدة الآخرين أو من ينوب عنهن في متابعة أي معاملة تجارية خاصة بهن، إلى جانب الصراعات بين مجالس سيدات الأعمال التي تتمثل في عدم وجود تواصل وتنسيق بين هذه المجالس وبعضها البعض، والذي يراه البعض نوعًا من التميز، وهذا بحد ذاته يمثل ظاهرة صحية, ولكن قد يؤدي إلى التنافس وهذا التنافس من الممكن أن يغير من مسارهن.