المرأة .....بعيداً عن ثقافة العنف



انتصار الميالي
2008 / 7 / 4

ان ما أثارني هو مواضيع كثيرة تضمنها كتاب قاموس اللاعنف للكاتب الفرنسي جان - ماري مولر،وانا اتصفحه،ودعوات فيه، اكبر من حجم الكتاب، الى زرعة بذرة تتوقف عليها كل متطلبات حياتنا العامة والخاصة الا وهي ثقافة اللاعنف التي لابد من ان تطهر كل قواميسنا اليومية في الحواروخصوصاً اتجاه المرأة وحقوقها وتكوينها الانساني قبل اي مفهوم اخر يسيء اليها ويحط من مكانتها.
أن انتهاك حقوق المرأة هو قطعاً أحد أعمال العنف الأكثر انتشاراً ومأساويةً عبرَ العالم. فسلوكُ الرجل العنيف حيال المرأة يفرض نفسه كواحد من ابرز خصائص ثقافة العنف التي تسود مجتمعاتنا. فعلى مرّ القرون،سواء في الحياة المنزلية أم في الحياة السياسية، قام الرجال بالحطّ من قيمة النساء وأبعادهن والسيطرة عليهن واضطهادهن، كما خضعت أولئك لهم في اغلب الأحيان.لقد شهد القرن العشرون ظهور"حركة نسائية" اتاحت للنساء،إلى حدٍ ما،التأكيد على هويتهن الخاصة ونيل الاعتراف بها. مع ذلك، لا يجوز لنا ادعاء زوال كل أشكال التمييز أو الإقصاء في حقهن_ بل هيهات.!
بحسب الايدولوجيا السائدة، فإن الشمائل الحربية التي تصنع الأبطال تخص الرجال، وليس للنساء منها نصيب، على ما يبدو،_ كأنهن لا يتحلًين بالمزايا المطلوبة لشهر السيف ومقارعة الموت في ساح الوغى، وكأنهن غير أهل لمشاطرة الرجال مجد المحاربين، بل عليهن أن يختصصن براحتهم والتسلية عنهم.
(وعن كتاب ألاغاني ج5،ص100) يروى أن أبا محجن الثقفي، لما انصرف(من المعركة) ليعود إلى سجنه، رأته امرأته، فظنًته فاراً منهزماً فأنشأت تعٌيره بفراره:
"من فارس كره الطعان يعٌيرني رمحاً إذا نزلوا بمرجِ الصّفرٍ"
فردّ عليها أبو محجن: "أن الكرام على الجياد مبيتهم فدعي الرماح لأهلها وتعطّري".
لقد كانت أهمية الحرب في حياة المجتمعات قطعاً احد أسباب التفوق الذكوري. فالحرب هي" شأن الرجال". لكن هذا لا يعني أن النساء غير معنيات بالحرب، بل هي، على العكس، تعنيهنّ مباشرة، لكنهن وقفنّ وراء الحرب أو بتعبير أدق، كان يحتفظ بهنّ خلف الحرب، محتجبات عن الأنظار في اغلب الأحيان، تماما كما احتفظ بهن خلف الرجال. لقد عانت النساء الأمرين من ويلات الحرب، إلا أن ألامهنّ ودموعهنّ كانت مستكينة، صامتة كحياتهن. وحتى عندما لعنّ الحرب، لم يحتجّجنّ عليها عموماً. فكما قبلنّ بقوانين الرجال، قبلنّ قوانين الحرب.ألم يحفل التاريخ بأسماء النساء اللواتي ساهمنّ مساهمة فعالة وبرزنّ في القتال، مثل الملكة زنوبيا"الفارسة المحاربة"، و خولة بنت الازور، وشجرة الدر،وخالة انس ابن مالك ، وأم عمارة" نسيبة الأنصارية" ، وأسماء بنت وهب، الخ. ألم تمجد النساء أنفسهنّ الحرب في اغلب الأحيان بإعجابهن بالأبطال المحاربين..؟ ألم تكن لهن أنفسهن اليد الطولى في المساهمة في صنع المكانة المنتحلة للباس العسكري وفي الحفاظ عليه..؟ وهن، إذ يردنّ اليوم أن يأخذنّ مكانتهنّ في المجتمع كاملاً، رافضات الخضوع لسلطة الرجال، ألن يصل بهنّ الأمر إلى محاكاة عنف الرجال..؟ لا شيء أسوأ من مطالبتهنّ، باسم المساواة، بمكان لهنّ في الحرب.!
بما أن النساء " يهبنّ الحياة" للكائنات البشرية، إلا يشعرنّ بنفور" طبيعي " من وهبهم الموت..؟ فبحُكم وضعهنّ البيولوجي، أليس لديهن استعداد " طبيعي" لرفض العنف، وتفضيل اللاعنف..؟ النساء، في الواقع، قادرات هن أيضا على أن يأتين أسوأ أنواع العنف، لذا لابد قطعاً من التخلي عن أسطورة المرأة الوديعة، الرقيقة، المسالمة بطبعها" كذلك فأن العنف ليس كيفية التعبير الطبيعية و البيولوجية التي تميز الكائن الذكر. يجب أعادة تحديد موضع السلوك العنيف للرجل ضمن بيئته الثقافية، وقبل كل شيء، في سياق سيرورة التكيف الاجتماعي التي تكونها التربية. إلا تهيب التربية بالرجل أن يكبت حساسيته التي يجب أن يعتبرها من قبيل الضعف..؟!
لا يمكن للاختلاف الجنسي أن يتلبس بأفكار اجتماعية مقولبة وجامدة، ولعله ينبغي الكف عن تفكير يفترض سلفاً أن العنف مذكر أساسا، و اللاعنف مؤنث أساسا، بل يستحسن أن نقول بأن اللاعنف مذكر ومؤنث أساسا. كل كائن أنساني هو ثنوي الجنس: ففي كل فرد هناك قطب مؤنث وقطب مذكر، وله، أذنْ، أن يتولى ذكورته وأنوثته في آن واحد. لهذا حصراً، فإن طلب المساواة والعدل بين الرجال والنساء لا يجوز أن يقوم على اللاتمايز وعلى تشابه الهويتين المؤنثة والمذكرة. لا مناص للمرأة، أذن، من أن تحرر العنصر المذكر الكامن فيها وأن تمتلك، بذلك، قوة ممارسة سلطانها هي. كما ينبغي على الرجل، في الوقت نفسه، أن يستدمج العنصر المؤنث الذي هو أيضا مكون أساسي من مكونات كينونته، وبهذا، يمكن له السيطرة سيطرة أفضل على خشونته التي غالباً ما يتباهى بها عند اشتداد رجولته. وعندما تصبح المزايا الأنثوية و الذكورية قيماً، لا تعود هذه المزايا خصوصيات جنس دون الجنس الأخر. لا نتكلم هنا عن نفي الاختلاف أو تجاوزه، بل على تجسيد إنسانية الإنسان تجسيداً مختلفاً. فهل يتمكن الرجل و المرأة عندئذ- وكل منهما يحافظ على هويته الخاصة، لكن مغتنية بهوية الآخر- من الإسهام معاً في ابتكار ثقافة لا عنفية...؟!
من اجل زرع جذور ثقافة حضارية نسقيها بلغة الحب والأخلاق والعدالة والتفاعل والسلام يرعاها لتوّاقين لها من نساء ورجال لخدمة البشرية دون تمييز.