تحرر ومساواة المرأة في العراق آفاق وتحديات



مؤيد احمد
2008 / 7 / 9

الوضع السياسي الحالي
وتطلع الشباب والشابات الى التحرر
يمر الوضع السياسي في العراق، بعد خمس سنوات من الاحتلال الامريكي وحربها ومن المجازر الجماعية للارهابيين والقوى الميليشية، بفترة هدوء انتقالي ولكن غير مستقر. احدى سمات هذه الفترة الانتقالية هي التراجع الحاصل في مكانة، الارهابيين والميليشيين لتيارات الاسلام السياسي السني والشيعي والقوميين العرب الاسلاميين، في اوساط واذهان الجماهير وخاصة الشباب والشابات.
انفضاح ماهية هذه الجماعات الميليشية والارهابية في الحكم والمعارضة لدى الجماهير وتجربة هذه القوى في مناهضتها لامان وحريات ورفاهية المواطنين، وكذلك الفشل السياسي والعسكري لميليشيات الصدر وغيرها في حربها الاخيرة مع قوى الاحتلال والسلطات الميليشة الحاكمة في بغداد، وفر اجواءا شبه حرة وفراغا سياسيا نسبيا ومؤقتا في بغداد والبصرة وغيرها من المدن. ان هذه الاجواء ساعدت بشكل او باخر الشباب والشابات على الاخص كي تفكر جديا بحياتها ومستقبلها وتخرج وتنطلق الى حد ما من القالب المفروض عليها كي تكسب معيشة وتنال على حرية تليق بها.
ان التطلع الحالي للشباب والشابات الى حياة افضل هو بداية للانقطاع ليس فقط عن تاريخ خمس سنوات من ماسي الاحتلال والدمار والحرب الطائفية بل عن ميراث التراجع الطويل الامد الذي بدء مع الحرب الخليج الثانية في بداية التسعينات وفرض الحصار الاقتصادي على العراق. انه سعي للانقطاع عن تراث وبقايا احتماء النظام البعثي المجرم بالاسلاميزم والحملة الايمانية وتشبثها بالاسلام وايديولوجيا الاسلامي للادامة بحياته وسيطرته على رقاب الجماهير والتي اكملتها، فيما بعد السقوط، تيارات الاسلام السياسي الشيعي والسني.

الاستعباد المجدد للمرأة في العراق
نتيجة لهجوم سياسي وحرب بشعة
للاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين
اكملت الحرب الشرسة ضد المرأة في العراق المد الاسلامي في الشرق الاوسط وصعود الاسلاميين في ايران الى الحكم نتيجة لانتصار الثورة المضادة في ذلك البلد في نهاية السبعينيات. بالرغم من المد الاسلامي، ان التراجع الحاصل في المنطقة لم يمس العراق بشكل كبير وواسع الا بعد حرب الخليج الثانية وفرض الحصار الاقتصادي واحتماء النظام البعثي وحزب البعث بالاسلاميزم والعشائرية وتحوله عمليا، وكما يقولون، الى حزب البعث "الاسلامي". كما وفي كردستان لم يحدث تراجعا يذكر في موقع المراة الا بعد ان صعد القوميون الاكراد(الطالبانيين والبارزانين) الى سدة الحكم اذ تزامن صعودهم للسلطة شن حرب ابادة جماعية ضد النساء راح ضحيتها اكثر بكثير من عشرة الالاف نساء او حسب الاحصاءات الشبه رسمية 12500 بين 1991و2007.
ان موجة الحرب الشاملة ضد المراة في العراق واستعبادهن المجدد، هي جديدة وسياسية بالاساس اذ كانت المراة في العراق في الستينات والسبعينات والى حد ما في الثمانينات تتمتع بحريات وبحقوق اكبر بكثير من الان وبمكانة لا تقارن بالوضع الحالي. ان استعباد المرأة المجدد تراجع تم فرضه بالعنف وقوة السلاح وباستخدام ماكنة الدولة القمعية وقوانينها ضدها في زمن النظام البعثي واستخدم العنف المنظم من قبل السلطات الحالية والحرب الميليشية البشعة والقتل والمجازر الجماعية والارهاب والترعيب وسلب الامان منها. ان المراة في العراق هي رهينة واسيرة حرب متعددة الجبهات قامت ولا تزال تقوم بها مختلف تيارات الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين في الحكم والمعارضة.
لا توجد عوائق مادية ما قبل راسمالية امام تحرر المراة اذ ان المجتمع العراقي مجتمع راسمالي وهو كذلك منذ عدة عقود. كما ان العشائرية والذهنية الرجولية المعاصرة في العراق تعاد انتاجها في نفس تربة هذا المجتمع انطلاقا من اسس وضرورات سياسية وعسكرية اكثر منها اقتصادية. رغم ان الراسمالية المعاصرة وقوانين انتاج الربح الراسمالي المعاصرحولت ادامة الظلم على المراة وعدم مساواتها الى ركن من اركان اعادة انتاج نفسها غير ان الجوهري في الوضع المفروض على المراة في العراق لا ترتبط كثيرا بهذه المتطلبات الاقتصادية للراسمال بقدر ارتباطها بالمتطلبات السياسية والايديولوجية للتيارات السياسية المتحكمة بمقدرات الجماهير.
ان الاصلاحات التي تمت في العراق فيما يخص حقوق وحريات المراة سابقا لم تتجاوز اطار اصلاحات جزئية اذ ان مجمل العلاقات الاجتماعية الرجولية وجذور وتراث وتقاليد وايديولوجيا الظلم على المراة والذهنية الذكورية ظلت راسخة في مكانها ولم تدمر بشكل ثوري. بالرغم من ان تلك الاصلاحات كانت ثمار المبادرة والانتفاضة الشعبية الثورية التي اقدمت عليها الطبقة العاملة والكادحون واليسار في العراق في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات ولكن لم ترفع تلك الحركة راية دك كامل بنيان السياسي والاجتماعي والايديولوجي والثقافي للظلم الواقع على المراة وبالتالي لم تكن تلك الاصلاحات الا اصلاحات صورية وجزئية. فلم يتم ابدا فصل الدين و القومية عن الدولة والتربية والتعليم في العراق ولم تتحول حرية الفرد الشاب والشابة في اختيار العلاقة الى امر يحميه القانون كي يصبح حقا من حقوق المواطن وحرية من الحريات المعترف بها من قبل المجتمع. فلم يتعامل القانون مع الفرد بوصفه مواطنا بل اخضع حقوق وحريات الفرد وبالتالي المراة لمتطلبات حماية العائلة والعشيرة وغيرها. هذا بالاضافة الى ثقل قيود على المراة في مجالات شتى وخرق حقوقها فيما يتعلق بمساواتها مع الرجل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وفي الامور المتعلقة يالعائلة ومسالة الطلاق والميراث وفي امر حماية الاطفال وغيرها. ان البنيان الهش لهذه الاصلاحات وفراغ مضامينها من معنى تحرري ومساواتي فيما يخص حرية المراة ومساواتها مهد الطريق فيما بعد للمهاجمين الجدد من الاسلاميين والقوميين والقوميين الاسلاميين من ان يعيدوا استعباد المراة من جديد وسلب حقوقها المكتسبة بسهولة وسرعة كبيرة في العراق.
فكما ذكرت لم يرى تاريخ العراق الحديث حركة سياسية شعبية وثورية تستهدف قلع جذور كل ما تعيق امر تحرر المراة ومساواتها. ان الاستثناء في هذا الشان هو النضال الراديكالي الذي شنته الحركة الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العمالي العراقي في كردستان العراق بداية التسعينات والتي على اثرها انبثقت حركة نسوية راديكالية ونضال نسوي حازم لشابات يساريات في كردستان العراق ادت الى احداث هزة في البنيان الاجتماعي والاديولوجي للظلم على المراة. غير ان هذه المبادرة النضالية الثورية ، ومع الاسف، لم تستطع ان تتحول الى حركة نسوية جماهيرية عارمة تحدث تغييرا جذريا في كامل بنيان العلاقات الرجولية في مجتمع كردستان. ان عدم امكانية حزبنا والحركة الشيوعية العمالية في حسم مسالة السلطة بوجه القوميين الاكراد حال دون تحقيق هذه المهمة الثورية ايضا.
لم يبدء النشاط النسوي الراديكالي العملي من جديد على صعيد العراق الا مع بدء النشاط العلني لحزبنا في العراق وتاسيس "منظمة حرية المراة في العراق" بعد سقوط النظام عام 2003. غير ان هذه التجربة الجديدة رغم الوضوح في الافاق والمنطلقات، ورغم النجاحات في بعض ميادين النضال والدفاع عن حقوق وحريات المراة في العراق، ورغم نجاح منظمة حرية المراة وحزبنا في ربط قضية التحررية للمراة في العراق بنضال اليسار والمنظمات المدافعة عن حقوق المراة على صعيد العالمي، لم تستطع ان تخلق حركة نسوية راديكالية جماهيرية. ان اسباب ذلك كثيرة ومن اهمها العوائق المادية الخاصة بدمار المجتمع بفعل الاحتلال والحرب الطائفية وتحكم الميليشيين والارهابيين من الاسلام السياسي في الحكم والمعارضة بمقدرات الجماهير. غير ان جوهر الموضوع هو ان هذه العوائق المادية لا ترفع بدون الرد الثوري وبدون مواجهتها مواجهة حازمة وثورية واجتماعية من قبل حزبنا والحركة التحررية النسوية واليسار. ان عدم نجاحنا في تامين هذا الرد الثوري والقيام بالعمل السياسي المؤثروالحاسم في ميدان مواجهة الاحتلال والاسلام السياسي حالت دون صعود حركة نسوية راديكالية جماهيرية لحد الان في العراق.
التحرر من العبودية
يستلزم دك اركانها
نحن نتحدث عن قضية تحرر المراة في العراق ونعرف باننا لسنا في نقطة البداية ولا نبدء من الصفر اذ يوجد مسار نضالي طويل وشاق قبلنا ونرى امامنا مشاهد مسلسل نضالات ومساعي جمة وعظيمة شنتها ولا تزال الحركة اليسارية والتحررية والنسوية في العراق لرفع شان المراة في المجتمع وتحقيق مساواتها وحقوقها وحرياتها.
ان الهزيمة المؤقتة المفروضة على المجتمع والتي تدفع النساء الان القسط الاكبر من عبئها هي نتيجة حرب شرسة خاضتها قوى الرجعية البرجوازية واليمين البرجوازي العالمي والمحلي بمجمل اطيافه، من الهيئة الحاكمة الامريكية الى تيارات الاسلام السياسي السني والشيعي والى القوميين الاسلاميين وغيرها، على الطبقة العاملة والنساء والقوى التحررية والعلمانية والانسانية وقطب اليسار قاطبة في المجتمع العراقي.
بعد عهد طويل وسنوات مريرة من استعباد المرأة لا يمكن حل مسالة المراة جذريا بدون شن حركة تحررية والقيام بثورة في اسس العلاقات التي تبنت عليها استعبادها . ان التراجع الحاصل في مصير ومقدرات المراة لا يمكن رفعها بالرجوع الى النقطة التي بدانا منها في الستينات اوالسبعينات اذ ان ذلك غير ممكن من الناحية السياسية العملية اولا، ومن الناحية سير النضال التحرري للمرأة، ثانيا.
فمن الناحية السياسية العملية، لا يمكن حل مسالة المراة في العراق عن طريق الاصلاحات الجزئية اذ ان الاسلام السياسي في الحكم والمعارضة بات بدرجة كبيرة يتحكم بمصير ومقدرات المجتمع العراقي وسيبقى كذلك طالما غابت الميدان حركة ثورية قوية و مقتدرة لليسار والشيوعية العمالية. حقيقة الامرهي ان الاسلام السياسي ومنذ نشوئه قد ربط مصيره باستعباد المراة ويشكل استعباد المراة جزءا من هويته وهو في صدر اولويات و متطلبات تحكمه بمصير المجتمع. ان اجهزة السلطات الميليشة في بغداد وكذلك، ما يسمى، بمجلس النواب العراقي، لا يتسع لاحد اخر من مناهضي حقوق وحريات المراة اذ انها مليئة بممثلي احزاب وتيارات الاسلام السياسي واحزاب شريكة لها في جريمة قمع النساء واستعبادها. بالاضافة الى ذلك، ان تجربة "الاصلاحات" الحديثة المطروحة في العالم العربي وشرق الاوسط وايران اذ تحكمها نظام اسلامي، على الاقل منذ عقدين الاخيرين، هي "الاصلاحات" في اطار الفمينيستية الاسلامية والفمينستية القومية-الاسلامية، التي لا تربطها شئ بالاصلاحات بالمعنى العصري للكلمة. ان الفمينستية الاسلامية والقومية الاسلامية ليست الا نظرية وممارسة تسكين عبيدات الاسلام السياسي ونشر وعي تقبل المراة للعبودية المفروضة عليها، وهما ليستا الا وصفات تخدير المرأة كي تتحمل آلام الحياة العبودية. فتلك هي نمط الاصلاحات التي تطرح في الشرق الاوسط في هذا العهد والتي يمكن تسميتها عدا الاصلاحات باي شئ اخر
يرتبط تحقيق اي اصلاح جدي في ميدان قضية المرأة، لامحال، بانشاء نظام سياسي علماني وبفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم. غير ان هذا ستواجه باكبر مقاومة واكبر العوائق في المجتمعات المبتلية بهيمنة وسيطرة تيارات الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين.
اما من ناحية سير النضال المراة التحرري، ان تجربة العبودية الجديدة على المراة لا يمكن انهائها عن طريق الرجوع الى النقطة التي قد بدا منها الاستعباد المجدد. لا يمكن، منطقيا، ان يكون تحرر المراة المعاصرة هو الرجوع للنقطة التي وقعت المراة فيها رهينة واسيرة بايدي الاسلاميين قبل عقدين او اكثر من الزمن، اذ ان عملية التحرر المعاصر للمراة تحشد في طياتها محتوى الحياة المعاصرة بتعقيداتها واستقطاباتها المحلية ومكتسباتها التحررية للمراة على الصعيد العالمي ايضا خلال هذه الفترة . ان الاصلاحات التي جرت في العراق في وضع المراة كانت منحصرة بفترة تاريخية معينة وباوضاع سياسية محددة وبموقع معين للمرأة والطبقة العاملة واليسار عموما انذاك.
ان الاوضاع متغيرة الان وان المجتمع العراقي مستقطب سياسيا وطبقيا الى درجة كبيرة واننا بصدد الحديث عن اسرى حرب ورهائن بايدي الاسلام السياسي، فان امر تحررهن بات، بشكل او باخر، تحرر ثوري من قيود العبودية والتي ستجر لا محال ورائه اكبر هجوم ثوري على كامل بنيان الظلم على المراة واضطهادها وعلى كل ما يركن اليه هذا الاستعباد للجنس البشري النسوي من ايديولوجيا والقيم والتقاليد والقوانين.
فلا يمكن، على سبيل المثال، تخيل تحرر الثوري للمراة في ايران، بعد 3 عقود من استعبادها على ايدي الجمهورية الاسلامية، بدون ان يصاحبه ثورة شاملة على كل القيم والتقاليد والافاق والايديولوجيا الرجعية للاسلام السياسي التي بنيت عليها اذلال المراة.
ان استمرار اذلال المراة وابقائها اسيرة حرب مرهون بسيطرة الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين على رقاب الجماهير فتحررالمراة بالتالي هو كسرسلاسل نظام عبودية الاسلام السياسي لها سياسيا وعسكريا وايدولوجيا واجتماعيا. ان الحركة الثورية الوحيدة الممكنة لتحرير المراة هي التي ترفع راية اسقاط هذا النظام العبودي بكامله وممارسة الحرية وهذه الافاق التحررية والمساواتية في لحظات وحقبة نضالها التحرري وانماءها واروائها في كامل جسد الاعتراض الاجتماعي والسياسي و الفكري في المجتمع. وهذه هي من مهام الشيوعية العمالية والحركة العمالية والنسوية التحررية وقطب اليسار في المجتمع.
ان اولى ضرورات ومستلزمات تحقيق هذه الثورة هو معرفة عبيدات ومناصري وناشطي الحركة التحررية للمراة بقوانين هذه الحرب التحررية وتتبنى بحزم افاقها واهدافها وتعرف بوضوح ما تعنيه انتصارها في هذه الحرب.
ما تواجهها النساء الان هي انها تعيش في عدم الامان اذ تقتل عشرات منها بشكل مستمر وتسلب منها حق الحياة لمجرد كونها امراة . ان حربا كبيرة دائرة بوجهها تستوجب مقاومتها التحلي باكبر قدر من المبدئية والحزم والاصرار والاقدام السياسي والنضالي من اجل اسقاط هذه الحر ب والحاق الهزيمة باصحابها. ان من يقف ساكتا امام المجازر الجماعية بحق المراة ليس هو بشيوعي ولا هومن مدافعي الحركة النسوية حتى و ان كان هي او هو يلعب دورا في تحقيق اصلاح هذا او ذاك الجانب من اوضاع المراة الماساوية. ان قياديي ومناضلي الحركة النسوية في العراق بحاجة الى تبني افق سياسي تحرري وثوري اوسع وبحاجة الى ان يفكروا جديا بمسالة الصراع والحرب الشرسة التي تجري ضد المراة والتي تساهم فيها مختلف التيارات الاجتماعية والسياسية. فلا تتوفر خيارات كثيرة امامنا و امام اي من مدافعي حقوق وحريات المراة غير المشاركة ودعم النضال السياسي الثوري والاشتراكي للشيوعية العمالية لفرض التراجع على جميع مستعبدي المراة.
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومنظمة حرية المراة رافعة راية ثورية في ميدان نضال المراة التحرري والمساواتي ولكن المهمة تظل هي تحويل هذه الراية الى افق اجتماعي والى ممارسة نضالية على صعيد اجتماعي.
الاحزاب، التيارات الاجتماعية وامريكا
وقضية المرأة في العراق
ان اقساما كبيرة ممن تسمي نفسها اليسار في العراق والشرق الاوسط لا يزال متاثر بـ ويعيش تحت تاثير نفوذ وهيمنة افاق القوميين، وهي خجولة وغير مقدامة في ميدان النضال التحرري والمساواتي للمراة. ان تلك الاقسام من اليسارلا تريد ولم تستطع ان تحرر نفسها من "الثقافة" القومية والاسلامية الرجولية وتعيش في اوهام "المواجهة " ضد "الثقافة" الغربية.
ان تيارات الاسلام السياسي والتيارات القومية العربية الاسلامية قد حولت سلب حقوق وحريات المراة وخنقها واستعبادها الى مهمة من مهامها السياسية في صراعها ضد امريكاو القوى الغربية الحليفة لها. لقد دعت هذه التيارات ومنذ البداية الى سلب حقوق وحريات المراة، وادخلت في صراعها مع الغرب، مفاهيم ما يسمى بـ"الاخلاقية" و"الثقافية". فلم يتردد الاسلام السياسي لحظة عن شن حرب شاملة على كل ما تتعلق بالمراة من الحريات والحقوق وفرضت على المراة رمزه اي الحجاب بوصفه رمز المقاومة "الثقافية" و"الاخلاقية" للاسلام السياسي في معركته الخاسرة سياسيا واقتصاديا، مع امريكا والغرب. لقد بات الاسلام السياسي يعمل بكل طاقته على خلق هذا التصور في المجتمع بان استعباد المراة وخنق حقوقها وحرياتها وفرض الحجاب عليها هو مهمة "وطنية" و"قومية"، وتعبير عن الاصالة وخصوصية الحياة والثقافة "الوطنية" الخاصة بالبلدان "الاسلامية"! و"العربية". لقد تحول خنق المراة وحرمانها من حرية الملبس وحرية العيش، خاصة منذ العقدين الاخيرين، الى خصيصة من خصائص سيطرة الاسلاميزم في المجتمعات وكرمز "المقاومة" الرجعية الاسلامية ضد امريكا والغرب.
فهذا التقليد السياسي وهذه المنظومة القيمية الرجعية المرتبطة بتيارات الاسلام السياسي والقوميين الاسلامييين وبمساعيها لجر المراة الى خنادق صراعاتها، كاسرى الحرب وكرهائن مسلوبة الارادة ومحرومة من اية حقوق وحريات، في خضم صراعها مع الغرب، هي التي تغذي العقلية والذهنية السياسية والفكرية لجميع التيارات السياسية المسماة ب "الوطنية" و"اليسارية –القومية" وغيرها، في العالم العربي و في العراق ايضا. انه ليس بفعل الصدفة المجردة بان لا تشعر في العراق والمنطقة، باي احساس او اية درجة من الحزم والمسؤولية لدى "اليساريين"! التقليدين و"الوطنيين" و"الشيوعيين" من الحزب الشيوعي العراقي وغيرهم ، تجاه قضية المراة وحرياتها وحقوقها، ولا تتلمس من عندهم اي اهتمام سياسي بمسالة مواجهة الظلم القائم على المراة والصراع لاجل تحقيق حرياتها وحقوقها ومساواتها. ان سيطرة هذا الافق القومي والاسلامي الرجعي،وهذه "الثقافة" الرجعية "للمواجهة" على ديناميزم الاعتراض السياسي والفكري في هذه المجتمعات هي التي تقف وراء هذه الظاهرة. ان نقطة البداية للنشاط في ميدان الدفاع عن حقوق المراة وحرياتها تبدء بالقطيعة التامة مع هذا التقليد السياسي وهذه "الثقافة" و"الممارسة" السياسية الرجعية للمواجهة، وبالنضال الصارم والحازم ضد هذا الالحاق القسري لمسالة حقوق وحريات المراة ومساواتها بمسالة صراع واصطدامات الاسلام السياسي مع الغرب وبمساعيها لترسيم المصير السياسي للمجتمعات. ان اقساما من اليسار في العراق اوحتى في اوساط الحركة العمالية لا تزال متاثرة بثقل هذا التقليد والميل السياسي الرجعي. ان "ثقافة" الاسلام السياسي والقومية هي "ثقافة" استعباد المراة وهي "الثقافة" الرجولية والعشائرية فشرط التقدم الاجتماعي هو التخلص من هذه "الثقافة"والعقلية السياسية وليس تقديسها.
ان تحرر المراة ومساواتها امر قائم بذاتها وان حقوقها وحرياتها هي مكتسبات البشرية المعاصرة لا تخضع لاية خصوصية لهذا البلد او ذاك، لهذه القومية اوتلك، و لهذه "الثقافة" اوغيرها. ان تيارات الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين العرب باتوا يدافعون عن استعباد المراة ، وبدون الخجل، تحت ذريعة التحرر من الغرب، في الوقت الذي يعرفون جيدا بان تحررالمراة في الغرب هو محصول فصل الدين والمسيحية عن الدولة والتربية والتعليم ومحصول نضالات النساء والحركات الاشتراكية والتقدمية المناهضة اصلا لسياسات الامبريالية للهيئات الحاكمة واليمينة في امريكا والغرب. دع كل ذلك جانبا، ان الاسلاميين يعرفون حق المعرفة بان للهيئة الحاكمة في امريكا واليمين في الغرب اصدقاء اسلاميين حميمين في المنطقة مثل السعوديين الذين هم مستعبدين بشعين للجنس البشري النسوي دون ان يخجلوا من ذلك. حقيقة الامر هي ان الاسلام السياسي بشقيه، الموالي للغرب والمعارض له، عدو المراة الاول ومستعبديها فلا يمكن تحرر المراة بدون التحرر من كابوس الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين.
ان موقف وممارسات العملية لامريكا والتيارات القومية والليبرالية الموالية لها نابعة من ستراتيجتها الرجعية في التحكم بمقدرات العرا ق والمنطقة وبالتالي اصبحت المراة وقضيتها التحررية اولى ضحايا هذه الاستراتيجية. لقد خلقت امريكا الاجواء لتحطيم المراة ونضالها التحرري سواء عن طريق سياساتها في فرض الحصار الاقتصادي سابقا ومن ثم عن طريق الحرب وادامة الاحتلال ومساعيها لارساء النظام السياسي الاسلامي في العراق. ان الوجود الامريكي في العراق هو مصدر اعادة انتاج الاسلام السياسي وعدم الامان والقتل والمجازر بوجه النساء فلا يمكن تطوير الحركة النسوية بدون انهاء الاحتلال الذي هو ايضا عامل لازدهار الاسلام السياسي.ان الليبراليين وبروغربيين يجاملون الاسلام السياسي على حساب المراة واستعبادها وان جميع القوى القومية والاسلام السياسي لها مصلحة جدية في ادامة الوضع الحالي.
ان التجربة العملية لخمس سنوات الماضية اثبتت بان تطوير الحركة النسوية الراديكالية والجماهيرية امر مرتبط بتطور حركة سياسية ثورية ليسار المجتمع اي مرهون بتطور الحركة السياسية الاشتراكية في العراق.
الحركة الثورية في شرق الاوسط
ستحمل لا محال راية تحرر ومساواة المرأة
ان تحررالمراة التام ومساوتها المطلقة، بطبيعة الحال، امر يخص الطبقة العاملة ونضالها التحرري والشيوعي، اذ يقف الاضطهاد والظلم على المراة دائما عائقا امام تطور نضالها التحرري. ان النضال من اجل تحرر المراة ومساواتها جزء من نضال العمال الاجتماعي والسياسي فلا يمكن للطبقة العاملة والشيوعية العمالية ان تكون غير مبالية بمصير النساء في المجتمع وهي تخوض النضال ضد مجمل بنيان الاقتصادي والسياسي والفكري للمجتمع الراسمالي. ان شن نضال حازم وشامل من اجل تحرر المراة ومساواتها هي من مهمات الشيوعية العمالية.
ما يحقق صعود حركة نسوية جماهيرية راديكالية عارمة بوجه استعباد المراة هو، وكما اشرت فيما سبق، تطور حركة سياسية ثورية وسيادة ونفوذ الافق التحرري والمساواتي على النضال السياسي التحرري الجاري في المجتمع. ان التقليد السياسي للشيوعية العمالية يحمل افق تحرر المراة ومساواتها التامة فهو التيار السياسي الوحيد الذي سيبقى متماسك في مبدئيته تجاه مسالة المراة وامر تحررها النهائي وهو الذي بامكانه ان يحول هذا الافق التحرري الى افق اجتماعي وحركة سياسية ثورية ملموسة على الارض.
ليس هناك ارضية في عالمنا المعاصر لظهور حركات شعبية خالصة معزولة عن تاثير ونفوذ آفاق وافكار التيارات الاجتماعية الفاعلة في المجتمع، كما انه ليست ثمة ثورة لا تعكس طابعا طبقيا تحرريا. فلا يمكن تخيل حركة تحررية وثورية، في الشرق الاوسط والعراق ايضا، لا تشكل مسالة مساواة المراة وتحررها الاجتماعي صلب مهامها وآفاقها وركن اساسي من اركانها. ان "اليساريين"! في العراق والمنطقة وفي الغرب الذين يغمضون اعينهم عن هذا الواقع هم في الواقع ليسوا بيساريين بل من مدافعي حركات الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين المتخندقين ضد المراة ونضالها التحرري.
وعلى السياق نفسه، فان مقاومة الاحتلال في العراق لا يمكنها ان تكون ثورية اذا لا تكون مقاومة في الوقت نفسه ضد الظلم على المراة واستعبادها. فلا يمكن ان يكون هناك حركة تحررية وثورية ضد الاحتلال في ظل سيادة افاق الاسلاميين والقومين والقومين الاسلاميين
واخيرا، هناك جبال من القيود والتقاليد والافكار الرجعية والقيم الرجولية وتراث الوحشية القرون وسطية المناهضة للمراة التي تريد ان تديم بحياتها في العراق والشرق الاوسط والمجتمعات المبتلية بالاسلام السياسي. ولكن ما تقف حاليا وراء اعادة انتاج كل هذه القيود والافكار والقيم والتقاليد..الخ هي سيطرة التيارات والقوى السياسية والاجتماعية للاسلام السياسي و القوميين والتي تخلق كل يوم وكل لحظة من جديد استعباد المراة وتسخدم العنف لتجسيدها.
المهمة الثورية هي الانتفاض على كل تلك التيارات ودك اركان حكمها وتسلطها وقيمها وتقاليدها وقوانينها وممارساتها.