الصحافة النسوية الكردية .. والواقع والآفاق



صلاح بدرالدين
2004 / 1 / 25

   لا اكتم سراً بانني شعرت بنوع من الرهبة عندما طلبت مني السيدة رئيسة التحرير – مقالة – حول  الصحافة النسوية الكردية لعدة اسباب ومن بينها وفي مقدمتها خطورة الكتابة من جانب رجل حول احدى قضايا المرأة والاقتراب من ملكوتها وعواقب أي خطأ في التقدير والاستنتاج اذا لم ينسجم مع رغبة الآخر المواجه وفي هذه الحالة الجهة النسوية المشرفة على شؤون المجلة التي ساكتب لها وفيها على ما تحمل من موقف مسبق حول مسؤولية الرجل ( المتهم ابدا ) في معاناتها مثل جميع أو معظم المنظمات والجمعيات والمؤسسات النسائية في الشرق.
   هل هناك صحافة نسوية كردية :
    قبل الاجابة على هذا التساؤل المشروع يجب القول بأن الصحافة هي جزء من عالم الاعلام الاوسع وقد كانت الصحافة المكتوبة قديماً تشكل المنبع الاساسي والوحيد تقريباً للاعلام ثم ظهر – الراديو – ليكون في خدمة بث مضمون الصحافة عامة ورسالتها الهادفة على الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية حيث قام بدور بارز في ايصال مضمون الصحف والمجلات عبر الأثير الى اكبر ما يمكن من افراد المجتمع وبجميع اللغات التي يتداولها سكان كوكبنا .
     ثم ظهرت – الفضائيات – التي حولت الكرة الارضية الى قرية صغيرة وبدأت بتزويد الجميع بكل ماتريد بالصوت والصوره وهي قد شكلت بذلك ثورة جديدة في عالم المعلومات والتواصل بين بني البشر والاطلاع على مايجري في اية بقعه مهما كانت قصية .
    لم يكن الكرد بمعزل عن هذه التحولات الاعلامية العميقة وتلك الثورة المعلوماتية حيث لديهم الآن ثلاث فضائيات قابلة للازدياد كل لحظه اضافة الى صحافة مكتوبه وصفحات الكترونية شهدت تطوراً ملحوظاً متزايداً في الاعوام الاخيرة . وبالرغم من أن الساحة الكردية بشكل عام تفتقر حتى الآن الى وسائل اعلام تتوفر فيها الشروط المطلوبة للفائده العامة و تحقيق النتائج المرجوه ومن بينها صحافة مرموقة وحرة وهادفه وغنية ومؤثرة حسب مواصفات قرننا وعصرنا عصر العولمة والمعلوماتية والخبر السريع ، وبهذا الصدد يمكن القول بأن المجتمعات الكردستانية وخاصة مجتمع كردستان العراق بصدد انتاج صحافة على مستوى الاحداث وهناك لاشك محاولات مشروع تحقيق الشروط الكفيلة بالتوصل الى هكذا صحافة وبسبب الحرية الاعلامية – النسبية – شهدت ساحة كردستان العراق في ظل الفدرالية والتعددية الحزبية وحكم القانون وفي ظل البرلمان خطوات متسارعة باتجاه انجاز المحاولات المبذولة في سبيل صناعة صحافة حرة ومتحرره ومهنية وديموقراطية تنشر الرأي والرأي الآخر ، ونحن الآن مازلنا في منتصف الطريق ولكن بتصميم واضح للوصول الى الهدف المنشود . في سياق هذا التطور الاعلامي هل وجدت الصحافة النسوية الكردية موقعها المناسب ؟ الجواب يشي ببعض خيبة الامل اذا نظرنا بشكل موضوعي الى ماهو موجود ومتوفر . فالصحافة خاصة ووسائل الاعلام الكردية عامة لم تتناول بعد مسألة المرأة التي تشكل نصف المجتمع ، ولم تفسح لها المجال حتى الآن لتؤكد ذاتها وتطرح قضاياها بكل صراحة ووضوح ، والسبب يعود حسب قناعتي الى حرمان المرأة الكردية من حقوقها السياسية والاجتماعية والقانونية ، ويجب أن لايأخذنا – الغرور – بكون اقليم كردستان وبتجربتها الديموقراطية طوال / 12/ عاما يمكن أن يتحول نموذجاً متقدماً بالنسبة للعراق والجوار . نعم جانب من هذا الاستنتاج صحيح ، ولكن كان هناك الكثير يمكن أن يتحقق اذا توفرت الارادة السياسية والقرار وخاصة ما يتعلق بحقوق ودور المرأة الكردستانية .
    أو لم يكن بالامكان على سبيل المثال اصدار قرارات وقوانين من جانب البرلمان لتحسين وضع المرأة وصيانه واعادة وانتزاع حقوقها في مسائل – تعدد الزوجات – والطلاق – و الميراث – والمساواة مع الرجل ، والتعليم ، وغير ذلك من القضايا والمستحقات ؟ لقد خطت الحكومة المغربية مؤخراً خطوات بهذا الاتجاه وبصورة معقولة ومعتدلة ومرنه بحيث اصدرت تشريعات حول هذه القضايا على شكل شروط وآليات لصالح المرأة ودون المس بمبادئ الدين واصول الفقه والشرائع السماوية .
    اننا بهذا الصدد ونحن امام مسألة الصحافة النسوية لايمكننا الولوج بهذا الموضوع دون معرفة وطرح مستوى الحقوق التي تتمتع بها المرأة الكردستانية لان الصحافة لاتنشأ ولاتتطور ولاتعبر الا في اجواء الحريات الفردية أو بالنسبة للجنس ، من جهة اخرى يجب القول بأن جزء من التقصير في عدم تبلور صحافة راقية ومؤثرة حتى الآن يعود الى العامل الذاتي المتعلق بالمرأة الكردية ذاتها ان كان على صعيد المبادره والنشاط والتحرك أو خلق كادر صحفي نسوي أو وعي الحقوق والواجبات والدور ، والغريب في الامر الى درجة المفارقة وحسب الاحصائيات الدقيقة هناك ومنذ عام 1977 نسبة عالية من الجامعيات وطلبة الدراسات العليا من النساء في كردستان تربو على 55 % من نسبة الجسم الطلابي وعلى هذا الاساس يجب أن تغطي المرأة الكردستانية كافة المؤسسات الثقافية والتعليمية والحكومية على اساس تلك النسبة وحري بها ايضا أن تتوجه الى المؤسسات الاعلامية والصحافية وتقوم بدورها . كما انها قادرة وحسب المعطيات الاحصائية على ادارة العشرات من المجلات والصحف والدوريات التي تخص شؤون المرأة ، فلماذا لايتحقق ذلك ؟ واين الخلل هل للاسباب التي ذكرناها اعلاه – موضوعية وذاتية – ام لاسباب اخرى نجهلها ؟
   في واقع الامر ليست هناك صحافة نسوية معبرة بحرية وجرأة وموضوعية واستقلالية عن واقع المرأة الكردستانية . نعم هناك – ارهاصات – ومحاولات قيد التجربة والدراسة والتحقيق والمجال واسع ومفتوح للتوصل الى حالة مرضية ، والزمن كفيل بتحقيق ذلك مهما طال خاصة في وقت نحن احوج مانكون فيه الى التعبير عن ذاتنا وواقعنا ، وارادتنا وطموحاتنا الآنية والمستقبليه هذه الحاجه لاتقتصر على الرجل أو الاحزاب أو الحكومات فحسب بل تشمل كافة طبقات وفئات المجتمع دون تفريق أو تفضيل بسبب الجنس ، لان ضرورات التحرر الوطني والقومي في هذه المرحلة التي يجتازها المجتمع الكردستاني تقتضي مشاركة الجميع ومساهمة الجميع دون استثناء وزج كل الطاقات وفي المقدمة جهود وابداعات المرأة الكردستانية خاصة في مجال الصحافة والاعلام . 
  هناك وحسب اطلاعي ومعرفتي قطاع من النساء الصحافيات المحترفات والمؤهلات في كردستان وهناك طلائعيات في هذا المجال فرضن احترامهن على الجميع والوضع يحتاج بكل تأكيد الى المزيد والمزيد لملئ الفراغ واعادة التوازن
الى الخلل الناشئ في المجتمع الكردستاني وخاصة في مجال الصحافة والاعلام حيث يسود الرجل كما في قطاعات اخرى .
    قبل نحو عامين بادرنا في رابطة كاوة للثقافة الكردية الى طرق هذا الباب واستضفنا السيدة ضيمن صالح –للتسرد " تجربتها كصحافية " وكانت بالفعل تجربة هامة ومعبرة وناجحة ، ولايمكن باي حال إلا ابداء التقدير لامكانيات وابداعات صحافيات عديدات ومنهن – سولاظ خان – و – هاوذين خان – و – روزة خان – بالاضافة الى العاملات في مجال الاذاعة والتلفزيون مثل السيدة – اتمام خان – وغيرها .
    حسب رؤيتي وبعد دراسة جوانب هذا الموضوع اتوقع آفاقا رحبة وواعده للصحافة النسوية في كردستان خاصة بعد انهيار الدكتاتورية والآمال المعقوده على العراق الجديد الذي سيتحقق فيه ارادة شعب كردستان في تقرير مصيره وستتمكن كافة فئات وطيقات المجتمع الكردستاني من تحقيق طموحاتها وآمالها في التحرر والتقدم وعبر عملية النهوض الثقافي والاجتماعي والاقتصادي المرتقب ، ومن خلال تهيئة الارضية السليمة لتشييد اسس المجتمع المدني في كردستان الذي لن يتم الا بتلبية حقوق المرأة وقيامها بدورها الكامل في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والاعلامية جنبا الى جنب خلق صحافة نسوية مهنية ديموقراطية تعبر قولا وفعلا عن مصالح وآمال النصف الاجمل والانبل من مجتمع كردستان .