أي الآراء أقرب إلى الصواب في تعدد الزوجات؟



غازي الجبوري
2008 / 7 / 12

يثير موضوع تعدد الزوجات في المجتمعات الإسلامية جدلا واسعا في أوساط المثقفين ولاسيما النساء بسبب ما يلحقه بهن من أضرار نفسية جسيمة وبسبب الاختلافات بين المسلمين في تفسير وتأويل الآيات التي وردت في القران الكريم حول هذا الموضوع لأنها تحتمل أكثر من تفسير وتأويل . فالاختصاصيون الذين يتبنون مدرسة النقل "أي نقل النصوص عن السلف"يفسرونها على أساس الإباحة التامة للرجل في الزواج بأكثر من امرأة واحدة ولغاية أربع بحرية تامة دون شروط أو قيود باستثناء شرط العدل بينهن وعلى المسلمين إناثا ً كانوا أم ذكورا ً أن يقبلوا بذلك بصرف النظر عن الأضرار التي قد تلحق بهم لأنه أمر الله تعالى وقضاءه وبالتالي فالمسلم لايكون مسلما مالم يؤمن بان ماامر الله سبحانه وتعالى به هو الحق والعدل وهو الذي يتفق مع مصلحة الإنسان وبالنهاية فانه واجب التنفيذ وفقا لقوله تعالى: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا" ( الأحزاب 36) . أما الاختصاصيون الذين يتبنون مدرسة العاطفة فإنهم يفسرونها على أساس اكتفاء الرجل بزوجة واحدة فقط دون السماح له بالزواج من امرأة أخرى مهما كانت الأسباب باستثناء حالتي موت أو طلاق الزوجة الوحيدة التي في عصمته ، فيما يفسرها الذين يتبنون مدرسة العقل تفسيرا ً آخرا ً يتفق مع المنطق وهذه المدرسة تبيح زواج الرجل بامرأة أخرى في حالة وجود أسباب مقبولة ومفهومة لايمكن معها بقاء الزوج بدون زوجة ثانية وبحد أدنى من قناعة ورضى الزوجة الأولى دون وضعها أمام خيارات صعبة وذلك عندما يتعذر عليها القيام بواحد أو أكثر من واجباتها الزوجية أو الإخلال بواحد أو أكثر منها مما يلحق بالزوج اضرارا ً لاتحتمل من قبله ، وهنا تتوفر المصلحة المشروعة من الزواج الذي يحافظ على تماسك الأسرة وبقاء كلا الزوجين معا وبقاء أطفالهم في رعايتهم المشتركة مع ضمان عدم إلحاق ضرر كبير بالمرأة فوق قدرتها على التحمل أو قبولهما بأضرار متكافئة قابلة للتحمل من كليهما لتحقيق مصلحة مشتركة مشروعة تحول دون اضطرار احد الطرفين أو كليهما إلى طلب ابغض الحلال عند الله تعالى وهو "الطلاق" .
ولمعرفة أي من الآراء الثلاثة هي الأكثر قربا إلى الصواب أي الأقرب إلى المعنى الذي يتفق مع الأسباب الموجبة لهذا التشريع وبالتالي إلى غاية المشرع وهو الله عز و جل من هذا التشريع ، لابد لنا من تحليلها تحليلا علميا معياره قناعة القاريء والمتلقي .
فلو أخذنا بالرأي الذي يبيح للرجل الزواج بأكثر من امرأة ولغاية أربع فإننا بذلك ظلمنا المرأة وقبلنا بالأضرار النفسية الجسيمة التي تلحق بها كونها أنثى وإنسان من اجل دفع أضرار يتعرض لها الزوج قد لاتكون كبيرة ومهمة ويمكن تحملها أو معالجتها بغير الزواج من امرأة ثانية ... لان ماتشعر به هو نفس مايشعر به الرجل الذي تتزوج زوجته بزوج آخر إضافة إليه وبنفس القدر من الأذى والضرر لان كلاهما نفس بشرية وهذا يتعارض بطبيعة الحال مع مقاصد التشريع الإلهي الذي يهدف إلى جلب المنافع للناس ودفع الأضرار عنهم . إلا إننا يجب أن نقر بان إباحة الزواج بأكثر من واحدة يساهم في حل إشكاليات أخرى مهمة جدا مثل تزايد عدد النساء المطلقات والأرامل وكبيرات السن الغير متزوجات اللواتي يشكلن نسبة كبيرة من نساء العالم الإسلامي مما يؤدي إلى خفض نسبة العلاقات غير المشروعة بين الجنسين خارج إطار الزوجية .
أما إذا أخذنا بالرأي الذي يتبنى عدم إباحة الزواج للرجل بأكثر من امرأة واحدة إلا في حالتي موتها أو تطليقها فإننا أيضا نكون قد ظلمنا الرجل والمرأة معا لان المرأة قد لاتؤدي واجباتها الزوجية تجاه الزوج لأسباب عضوية أو نفسية منها مايكون خارج عن إرادتها ومنها مايكون برغبتها ، فان طلقها الزوج يكون قد الحق بها ضررا كبيرا ويكون الضرر مضاعف عندما يكون هناك أطفال حيث أن الجو الأفضل لهما هو العيش تحت رعاية والديهما وفي أجواء ودية وايجابية ، وان أبقى عليها فانه يبقى يعاني من أضرار نفسية أو عضوية أو الاثنين معا وهذا أيضا يتعارض مع مقاصد التشريع الإلهي . إن الأخذ برأي هذه المدرسة يقودنا إلى توقع حدوث ظواهر اجتماعية سلبية كثيرة أهمها ازدياد العلاقات العاطفية والجنسية خارج إطار الزواج بسبب عدم إمكانية الزوجات تلبية رغبات أو لنقل إشباع رغبات الرجال العاطفية والجنسية لأسباب مختلفة وكثيرة مع وجود زوجات تعاني من نفس الحالة في ظل تزايد ظاهرة الاختلاط في الدراسة والعمل بين الجنسين وخروج النساء من منازلهن بدون زوج أو محرم وكثرة النساء الأرامل والمطلقات وغير المتزوجات .
إذن لم يبق أمامنا إلا الخيار الذي يلحق اقل الأضرار بأحد الزوجين أو كليهما والأطفال معهما . وهذا الحل في اعتقادنا يتمثل بإباحة الزواج للرجل بأكثر من زوجة في حالة الضرورة القصوى وقناعة ورضا المرأة بالسبب أو وفق تحكيم أطراف ثالثة كان يكونوا من أهل الزوجين أو من الأقرباء أو الأصدقاء المقبولين من كلا الزوجين أو القاضي المختص وبذلك نكون قد فسرنا الآيات القرآنية الكريمة التفسير الأقرب إلى المعنى الذي أراده المشرع لان الله تعالى يريد لعباده اليسر ولا يريد لهم العسر ولا يأمر إلا بما فيه مصلحة للإنسان ولا ينهى إلا عن ما فيه ضرر له .