هل تقبل النساء بترهات ملالي مجلس النواب حول أين تقف حدود مطالبهن بالحرية والمساواة ؟!



عصام شكري
2008 / 8 / 4

ماكان لي ان ارد على ترهات رجل دين، لو ان الكاتب مجرد امام لجامع او حسينية في احد احياء بغداد، الا ان "المله" هنا هو سياسي محنك. كتب الشيخ خالد العطية، نائب رئيس مجلس النواب العراقي، مقالة غير مؤرخة يهاجم فيها حرية المرأة في طلب المساواة والتحرر، لا بمثابة امام يؤم المؤمنين في احد الجوامع لارشادهم الى اقصر الطرق الموصلة للجنة، بل كاحد قادة الاسلام السياسي المتحالف مع امريكا. وبعبارة اخرى، انها مقالة ممثل رسمي ومخول للطبقة البرجوازية في الدولة التي نصبتها امريكا في العراق ( والاحرى ما تزال تحاول ان تنصبها ).

وقبل ان اتطرق الى النقاط المتعلقة بنقد اراءه حول المرأة والرأسمالية والتحرر وغير ذلك، أرى من الضروري الاشارة ولو بشكل عابر وسريع الى كيفية انشاء الدولة الحالية في العراق لكي نبين اين يقف هذا الاسلامي ومن اي ”هضبة“ ينظر على المجتمع .

من المعروف اليوم وبعد اكثر من 5 سنوات، ان امريكا وباستخدام جيشها الهائل قد قامت بتنصيب الدولة في العراق بعملية فوقية لا دخل للمجتمع فيها وعن طريق الحرب. ومن المعروف ايضا لمن درس تاريخ نشوء المجتمعات والدول، ان الدول البرجوازية نشأت داخل المجتمع في خضم صراع اجتماعي بين طبقات متناحرة ( البرجوازية في المعارضة والاقطاعية في الحكم )؛ ثورات، هبات، انقلابات، مؤامرات عسكرية، انتخابات، نضال سياسي لاحزاب، تحشيد قوى في ظروف متعارفة، ودائما داخل المجتمع ومن خلاله. ماجرى في العراق لم يكن كذلك. لقد جرت العملية كلها بتدبير فوقي، تدخل عسكري رغم ارادة المجتمع، ادى الى اقتلاع الدولة السابقة، تحطيم ركائز المدنية، قتل مئات الالاف من المواطنين، شل قدرة الجماهير كليا عن التدخل السياسي واغراقه في صراع دموي بين قوى بربرية هي قوة امريكا وقوى الاسلام السياسي المعادية لها. انزلت بعد اقتلاع الدولة عصابات وميليشيات ومجاميع مسلحة دينية وقومية، سيطرت على كل مفاصل المجتمع بقوة السلاح وبالتخويف والارعاب، مارست اعمال قتل وذبح وسلب وسطو واغتيالات وتفجيرات. واخيرا جلب هؤلاء ونصبوا هم انفسهم في الدولة الجديدة؛ البرلمان والحكومة. اما الاجهزة الادارية الملحقة بالدولة فقد تم توزيع مناصبها على اعضاء الميليشيات الاسلامية والقومية بينما شكلت القوى القمعية للدولة ( الجيش والشرطة ) من رجال العصابات والميليشيات الاسلامية ومن البيشمركة القومية ومجاميع العشائر. كل ذلك جرى من قبل امريكا، وباشراف الغرب.

***************

والان، لنرجع الى المله نائب رئيس مجلس النواب ”ممثل الشعب“ ومقالته. لقد نصب هذا الاسلامي نفسه وصيا على النساء، راسما لهن حدود ومديات مطالبتهن بالمساواة، قائلا في مقالته المعنونة:“ مالهدف من شعارات تحرير المرأة“؟، ما معناه :“ لا يمكن للنساء في العراق المطالبة باي حقوق او حريات او مساواة، لانهن لا يستحقن تلك المطالب، عليهن القبول بتصوراتنا نحن الائمة والملالي والشيوخ، المخولين قانونا برسم حدود حرياتهن ومطالبهن“. وبلهجة ”العالم“ المزيف في التاريخ والسوسيولوجي.

من نافلة القول ان الشيخ المذكور، يعتبر، في حياته، كما في نهجه السياسي، القرآن، دستوره المنزل. وهو يدرك، ومعه بقية ” الجمع المؤمن” في مجلس النواب، انه ما كان ليسمح لاي منهم، ان يجلس حتى على بلاطة عارية من بلاطات مجلس النواب، لكي يفتح فمه بالفتوى واصدار الاحكام ورسم الخطوط الحمراء ( والخضراء !) للنساء، وليبث افكاره المنحطة المعادية للمرأة، دون هذا الرباط غير المقدس الذي يربطه والاخرين بتلك الحركات البربرية؛ الاسلام السياسي، الحركة القومية، و العشائرية المتخلفة والذي توصل نهايته الاخرى بالبرجوازية العالمية ممثلة بامريكا والغرب .

ولشدة ولعه بكل ما ينزل من السماء، فان الشيخ لا يبدو الا انه بارك قنابل ومتفجرات امريكا المنزلة، هي الاخرى، واعتبرها تحريراً. وبالنسبة له، ولمجلس النواب، فان هاتين الهبتين الالهيتين لا تقدران بثمن. احدهما (الشريعة الاسلامية والقرآن الخ) زودتهم بما يحتاجونه من ورع وقدسية الهية على اعمال النهب والسلب والاستيلاء على الاراضي ومراكمة الرساميل وسرقة ثروات المجتمع والطبقة العاملة، من جهة، ومن الجهة الاخرى، وفرت لهم الهبة السماوية الاخرى، وسائل القتل والتدمير، التي ماكان بامكانهم لولاها ان يجلسوا في مناصبهم الحالية. البرلمان المؤلف من الملالي والشيوخ والائمة والسادة والاغوات ورؤساء العشائر والميليشيات وعصابات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وقطاع الطرق وكبار ”السلابة“، والذي ينوب رئيسه المشهداني، الشيخ العطية، وصلوا الى السلطة بهاتين الهبتين السماويتين، وحتما دوساً على جثث ملايين البشر التي طمرت تحت الانقاض.
يقول الشيخ في مقالته:

"لم يعد شعار تحرير المرأة، الذي نقله العلمانيون والمتغربون من الغرب الى عالمنا الاسلامي، وفي مطلع القرن الحالي، ولا يزال يردده خلفهم المنسلخون من دينهم وحضارة امتهم حتى اليوم، قادرا على ان يغوي المرأة المسلمة عن دينها وعفافها وعن دورها الانساني الحيوي في الاسرة والمجتمع...".

الجملة لا تبرز العداء الروتيني لرجل دين لكل ما يأتي من الغرب، وغالبا ما يسموه ”بدعة“، بل بعداء احد اقطاب حركة الاسلام السياسي وموقفه من العلمانية باعتبارها فكر غربي "منقول" الى "بلاد الاسلام". ورغم عدم اطلاعي على مواقف هذا الاسلامي، باعتباره مشرفا على هيئة امرار القوانين، من سياسات حكومته الجديدة، ورأيه بقانون النفط والغاز الجديد، مثلا، او قوانين الخصخصة والنهب الجديدة الاخرى التي تنتظر في الادراج، فاني اجزم بانه يرحب بتمرير تلك القوانين الرأسمالية، حتى لو كانت مستوردة الف مرة من عالم "السوق الحرة" والرأسمال العالمي. ولكن لم لا يعتبر الشيخ المروجين لتلك القوانين ”منسلخين من دينهم وحضارة امتهم“ ؟!. لا نحتاج الى الكثير من الفطنة لنعرف ان السبب يكمن في ان تلك القوانين ستملئ جيوبه وجيوب ”الحشد المؤمن“ الجالس في مجلس النواب بما يكفيهم ليديموا تقواهم و قصف البشر باياتهم القرآنية!. ان القوانين، التي ما شكل هذا المجلس الالعوبة، الا ليزور ارادة الناس بامرارها، والمصادقة على ما تريده البرجوازية العالمية للعراق، تبغي خنق الطبقة العاملة ومحاصرتها بقوانين السوق المنفلتة كليا من اي قيد وبالتالي ترسخ قوانين العرض والطلب وتطلق القدرة الهائلة للشركات العملاقة العالمية في اعتصار فائض القيمة من العمال ( وهي القيمة التي يسرقها الرأسمالي من عمل العامل، يومياَ )، والتحكم الكلي بمعيشتهم ورفاههم، وطردهم بالالاف في اية لحظة تشاء، يسبق ذلك تمهيد واسع من خلال نزع حماية الدولة ومسؤولياتها كليا، وخصخصة الاقتصاد، اي بيع القطاع المملوك للدولة الى الشركات الخاصة فيما يسمى بـ”تحرير الاقتصاد“.

وبالنسبة للشيخ العطية، فان قرارات وقوانين البرجوازية تلك ، والتي تريد المضاربة في قوت الجماهير ووضعهم تحت رحمة الشركات الغربية الاكثر قدرة، ليست قوانين ”مستوردة“ وان القوى التي تؤيدها وتدافع عنها ليست ” منسلخة عن دينها وحضارة امتها“!. اما مطالب النساء في الحرية والمساواة مع الرجل ومعاداة الخرافات وتدخل ”الالهة“ وممثليهم في حياتهن، وتحقيرهن على اساس اختلاف الجنس، ومطلب العلمانية وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، والاشتراكية والغاء العمل المأجور، فهي بمجموعها وبمفردها مطالب محرمة، بل وفاسقة، لانها لا تتفق ومصالح المؤمنين الصالحين ممثلي البرجوازية في مجلس النواب.

وبنفس حرارة الانتهازية التي يهاجم الشيخ بها العلمانية وتحرر المرأة ومطالب المساواة كمبادئ مستوردة ودخيلة، فانه، بلا ادنى شك، عبر عن حماسته لمرآى طائرات ”قوات التحالف“ ( الا يسموها هكذا في مجلس النواب - قوات التحالف ؟ )، وهي تقصف مدن ومساكن المواطنين في العراق محيلة اياها، وبرمشة عين، الى ركام وجارفة معها مئات الالاف من البشر مضرجين بدماءهم. وبنفس منطق الحلال والحرام، والمستورد والاصيل، فان قصف الطائرات واعمال القتل والارعاب البربرية للقوات الحكومية الامريكية والعراقية وقتل قرابة مليون انسان مدني في العراق لا يستحق منه الشجب، و تنكب قلمه لتعرية وفضح تلك البربرية او حتى ادانتها. ولكنه بدلا من ذلك، يسخر جهوده، لاخراس المرأة في العراق وكم فاهها، ويعتبر ان مطالبها غير ضرورية وان المروجين لها مارقين، مستوردين، و دخيلين !.

لنستنتج اذن : ارهاب الدولة الامريكية والبريطانية وعصابات الاسلام السياسي الذي ينتمي له، وقوانينهم المعادية للعمال، عند المله العطية، حلال. اما العلمانية وتحرر المرأة ومساواتها بالرجل، والاشتراكية والتمدن، فحرام. لا بل رجس من عمل الشيطــان!.

ويسهب الكاتب في تحليله ”العميق“ لعلاقة تحرر المرأة بنشوء الرأسمالية بقوله:

" ففي ظل شعار التحريرسحقت انسانية المرأة في الغرب , وعطل او عرقل دورها الانساني الطبيعي ورسالتها المقدسة , في تشييد دعائم الاسرة متكاملة ومتضامنة مع الرجل , وحرمت من التمتع بحقها في آفالة الرجل لها وإنفاقه عليها حينما اجبرت , بأسم التحرر والمساواة مع الرجل , على الخروج من المنزل والدفع بها الى المصانع والمكاتب لتكدح يومها من اجل الحصول على لقمة العيش , واستدرجت بأسم الفن والمدنية الحديثة , الى مواطن الرذيلة والفساد الخلقي , واتخذت اسواق الرأسمالية الجديدة التي لا تعرف معنى للعفة والشرف من جسدها فتنة جنسية تروج بها سلعها وبضائعها التجارية . فهل يريد دعاة تحرير المرأة المسلمة ان تتحرر على هذا النحو , ويؤول امرها الى هذا المصير؟"

وبعد ذلك يذهب ابعد لتعزية المرأة الغربية بالقول:

""اجبرت ( ويقصد المرأة في الغرب ) , بأسم التحرر والمساواة مع الرجل , على الخروج من المنزل والدفع بها الى المصانع والمكاتب لتكدح يومها من اجل الحصول على لقمة العيش , واستدرجت بأسم الفن والمدنية الحديثة , الى مواطن الرذيلة والفساد الخلقي , واتخذت اسواق الرأسمالية الجديدة التي لا تعرف معنى للعفة والشرف من جسدها فتنة جنسية تروج بها سلعها وبضائعها التجارية . فهل يريد دعاة تحرير المرأة المسلمة ان تتحرر على هذا النحو , ويؤول امرها الى هذا المصير؟""

الشيخ العطية يذرف الدموع الساخنة على نساء بلجيكا والسويد وكندا ! يالرهافة الاحساس ! انه يفضل ان يرى المرأة العراقية تنعم كما حياة المرأة في السعودية او الجمهورية الاسلامية الايرانية او افغانستان او الباكستان وربما نايجيريا او اليمن !. ولكن تلك ليست مزحة، فهو جاد تماما. وهو كاسلامي ينتمي الى حركة بربرية تسمى حركة الاسلام السياسي، فهو يعمل بكل طاقته من اجل ان يتمكن يوما من فرض قوانين الحجاب الاسلامي، وتفَعيل ممارسة التعذيب الاسلامية القائمة على الجلد، والرجم بالحجارة حتى الموت، وبتر الايدي، وقطع الرؤوس، وترسيخ دونية المرأة، ومعاملتها، على انها عورة، او بهيمة، وبالعموم ملكية تابعة للرجل حصراً، ودورها محصور في التكاثر لانجاب "الذرية الصالحة" للرجل، وغسل الصحون ومسح الارض والخدمة كل عمرها !. انه يتباهى بهذه القيم على انها قيم انسانية اكتشفها الاسلام وصانها لمدة 1400 سنة!.

وفي دفاعه المزيف والمرائي عن انسانية المرأة الاوربية ضد قوى البرجوازية ( اليس هو نفسه احد ممثلي هذه الطبقة في العراق ؟)، يقوم باحالة سبب مطالبة المرأة الغربية بالتحرر والمساواة الى كونها قد "جرجرت" من منزلها الهادئ الى المصانع والمعامل والدوائر بعد ما يسميه "الثورة الصناعية" وشعورها بالحيف ازاء معاملة الرأسماليين لها وخاصة وهي تاخذ اجور زهيدة كعاملة قياسا بالعامل الرجل. وهنا يمنح الشيخ المرأة الغربية العذر بالاحتجاج على هضم حقوقها:

""لاريب في ان المراة الغربية لها عذرها ولها اسبابها التي دفعتها الى رفع شعار التحرير والمطالبة بمساواتها مع الرجل في الكرامة الانسانية والحقوق , فلقد عانت هذه المراة عبر قرون طويلة من تاريخ اوربا من امتهان آرامتها وهضم حقوقها.""

ثم يقول بجملة مفحمة، بعد ان يستعرض ما يسميه اسباب مناداة المرأة في الغرب بشعار التحرير :

"فهل ثمة سبب يدعو المراة المسلمة الى تقليدها ( يقصد المرأة في الغرب ) والاقتداء بها في هذا المجال" ؟ .

ولكن لنتوقف قليلا عند تخصيصه الرأسمالية بحدود الدول الغربية وحدها دون كل دول العالم وخاصة ما يسميه ”الدول الاسلامية“. انه يعتبر ان نضال المرأة في الغرب من اجل التحرر، مشروع، لانه نشئ في خضم صراع المرأة العاملة مع البرجوازية. ولكن عندما يتحدث عن العراق او ايران او السعودية او بقية الدول التي تخنقها حركات الاسلام السياسي، فانه يقلب تعريفه لتلك الدول من اقتصادي الى ديني قائلا ”الدول الاسلامية“! . فهل يريد المله لنا ان نظن ان الانظمة الاقتصادية في العراق او ايران او المملكة السعودية او دول الخليج هي انظمة خاصة ؟ ليست رأسمالية ؟ وان ليس ثمة طبقة برجوازية استغلالية في العراق؟ وليس هناك عمال وعاملات مستغلات؟!.

على نائب رئيس مجلس النواب "الترجل" عن ناقته النيابية الوثيرة، والذهاب لسؤال احد طالبات الصف الاول في كلية من كليات الادارة والاقتصاد عن النظام الاقتصادي السائد في الدول ”الاسلامية“، حيث ستبين له فوراً ان نظام الانتاج في العراق وايران والسعودية وكل دول الارض، قد اصبح، ومنذ زمن طويل، رأسماليا، وان للطبقة العاملة العراقية تاريخ طويل في النضال والاحتجاج العمالي ضد البرجوازية، وان مشاركة النساء في الانتاج السلعي لا تقل عن الرجال ومشاركتهن في الاحتجاجات العمالية كذلك.

ولكن المله نائم وبحاجة الى من يوقظه !. فكيف يكون صاحيا وهو يجهل ان نساء العراق عاملات ومشغلات مكائن وموظفات ومعلمات وسائقات باص وتراكتور وعاملات زراعيات وطبيبات ومهندسات، عضوات في نقابات عمالية واتحادات مهنية، وانهن، ككل عمال العالم، يطالبن بزيادة الاجور وتحسين ظروف العمل، وضمانات البطالة واصابات العمل وضمان التقاعد والشيخوخة و الصحة وحقوق النقل وحضانة الاطفال وغيرها!. وان كان الشيخ صاحيا، فسؤالي له: لم يزيف كل ذلك، ويطمره، لو كان له ذرة ضمير علمي او استقامة كما يريد ان يصور للناس ؟ لم يهمله ولا ينطق به؟ انه يفعل ذلك ليصل الى الاستنتاج الذي يريده مفصلا على هواه، وهو ان المرأة الغربية وحدها هي التي من حقها وحدها المطالبة بالتحرر والمساواة. اما المرأة في ”عالمه الاسلامي“ الموجود في خياله فعليها ان تخرس باوامر الملالي امثاله ؟!. ولكن هيهات ايها الشيخ !.

كما ان المرأة التي يريد لها ان تجلس في بيتها وتكتم انفاسها، ولا تطالب بشئ، يفرض عليها في الحقيقة، ان تسجن نفسها في المنزل، لتظل عاملة بالسخرة — بلا اجر، ودون شكوى، وبظروف يحددها "معيلها" فقط وبشرط ؛ الا يعلم احد بتلك الشروط والظروف.
الا ان عمل السخرة التي يطلبه للمرأة كثمن لعفافها ليس سخرة المشاعيات القديمة او النظام الاقطاعي—العبودي البائد، انها سخرة رأسمالية، يجاهر بها الاسلاميون اليوم في القرن الواحد والعشرين !.

ان النفاق حول تمسك الكاتب بعفة المرأة والخوف عليها، يخفي في الواقع رغبته ورغبة الطبقة البرجوازية التي يمثلها، اليوم، بادامة عبوديتها للرجل. فقمع المرأة يشكل ركنا اساسيا من اركان حركة الاسلام السياسي البربرية. لذا، فالعلمانية والتمدن ومطالب تحرر المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل، وفصل الدين عن التربية والتعليم، وانقاذ الاطفال من رعب وخشونة ولا انسانية الدين وممارساته، لا يعني فساد المجتمع وتحلله ونشر الرذيلة فيه وهتك عفاف المرأة او كرامتها ، كما يدعي الملالي، بل يعني تحديداً، اعلان لبداية انهيار حركة الاسلام السياسي. هذا ما يقلق الشيوخ والملالي وقادة هذه الحركة البربرية. وهم في نفس الوقت يدعون ان غياب حركتهم عن المجتمع، سيؤدي الى تحول المجتمع الى ساحة لاستباحة النساء وانعدام الاخلاق والفجور و“الفساد“. ولكن كم مرة سمع الناس هذه الترهات من رجال الكنيسة في القرون الوسطى وحتى اليوم ؟!.

الحقيقة هي العكس تماماً.

فسقوط وانهيار حركة الاسلام السياسي سيؤدي الى فتح الافاق لمجتمع اكثر انسانية واكثر اخلاقية، لا حسب معايير الملالي ورجال الدين، بل بمعايير الانسانية والسعادة البشرية، لان المجتمع سيكون اكثر استعدادا، بعدم وجود هذه الحركة الرجعية كمعيق للتقدم، لخلق الشروط المادية لتحقيق المساواة بين افراد المجتمع، ولتتمكن المرأة والطبقة العاملة والشباب وكل الفئات المحرومة والمهانة، من النضال من اجل اوسع الحقوق المدنية والاجتماعية والفردية. ان كلمة الانسانية لا تطلق جزافا، فان شروط المجتمع الانساني هو ازالة التمييز بين البشر وتحقيق اقصى درجات المساواة والحرية. ان مساواة المرأة بالرجل وتمتعها بحرياتها العالمية ( وليس الاسلامية او المحلية ) هو ركن اساسي من اركان نضال البشر من اجل حقوق اوسع للجميع. كلما ازدادت الحريات وقل التمييز و زادت المساواة الاجتماعية، كلما اصبح المجتمع اكثر انسانية. وعندما يكون الانسان حرا ولا يعاني من انعدام الحقوق والمساواة فلن يقبل من احد ان يحمله ( رسائل مقدسة ) على امزجة الملالي والشيوخ، بل سيحمل سمة الانسانية دون حتى ان يفكر بها، لانه ضميره الانساني لن يقبل باي تمييز او قهر قائم على اساس اقتصادي او جنسي او عرقي او فكري او تراتبي اجتماعي. فقط من واقع اهمية حركة تحرر المرأة في ضرب حركة الاسلام السياسي يصر قادة تلك الحركة على ادامة قمع ودونية المرأة، او تحجيم مطالبها، والادعاء ان ذلك ضروري للحفاظ على الاخلاق.

ان حركة الاسلام السياسي تدرك ، ويدرك قادتها جيدا، ان كل خطوة تخطوها المرأة صوب كسر قيود الدين عليها وصوب مساواتها وتحررها، هي في نفس الوقت خطوة اقتراب حركة الاسلام السياسي من الانهيار والموت. وحين تنهار حركة الاسلام السياسي، فان المجتمع سيكون سعيدا برمي انقاضها على كومة مخلفات تاريخه البائد الملئ بالدم.

خطأ اخر حاول الكاتب من خلاله ان يبدو ”علميا“ فغاص في وحل الجهل مرة اخرى حين قال:

" في ظل شعار التحريرسحقت انسانية المرأة في الغرب , وعطل او عرقل دورها الانساني الطبيعي ورسالتها المقدسة"؟!.

تلك الجملة تقول في الواقع الامر التالي: النظام الرأسمالي قياسا الى النظام الاقطاعي السابق له، هو نظام رجعي، اطاح بدور المرأة الانساني ورسالتها المقدسة !!. ولكن هذا كلام سخيف. فالبرجوازية خالقة النظام الرأسمالي، قد اخرجت المرأة من بيتها لانها تحتاج ( كل ) الطبقة العاملة من اجل خلق ( اكبر ) فائض للقيمة. وفي خضم تلك العملية فان الطبقة البرجوازية، لم تخطو خطوة رجعية واحدة، بل قفزت قفزات الى الامام، قياسا بالنظام السابق لها. واهم تلك القفزات كان توسيع عمليات الانتاج وتطوير التكنلوجيا والعلم، وترسيخ المجتمع المدني و طرد الدين من حياة الناس وجعله امراً شخصيا. وبهذه التغييرات فسح المجال للمطالبة بالعلمانية، وجر كل ”الشعب“ للمشاركة في عملية الانتاج وتطوير الصحة والتعليم العام. الطبقة البرجوازية ظهرت ثورية وتقدمية وعملت على تطوير قوى الانتاج والاستفادة من العلوم، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري وفتحت امام المجتمع افاقا لم تكن متوفرة له من قبل. ان ملايين الكيلومترات من طرق المواصلات والسكك الحديدية والمطارات ومئات الالاف من المعامل واصلاح الاراضي البور وتطويرالانتاج الزراعي ومضاعفته مئات المرات، وثورة المعلومات والاتصالات، كلها دفعت المجتمع قفزات هائلة الى الامام. الا ان الطبقة البرجوازية اصبحت عائقا، هي نفسها، بوجه قوى الانتاج المتطورة التي خلقتها بنفسها، والتي تمثل العالم الجديد، اي الطبقة العاملة، والتي بدورها، سيتحتم عليها كسر قيود الطبقة البرجوازية المعيقة، لانشاء مجتمع جديد انساني. ان ادعاء الشيخ بان المرأة سحقت في الغرب ( يبعد القضاء على الاقطاع ) هو ادعاء يفنده قرنان من اظطرام نضال الحركة النسوية من اجل حريتها ومساواتها وتحسين ظروف حياتها ووصول هذا النضال الى درجات عالية.

الا ان نضال المرأة، ليس نضال فرد معزول، بل جزء لا يتجزأ من نضال اجتماعي واسع تخوضه الطبقة العاملة ضد البرجوازية. ان نضال المرأة الاخير ( المستمر منذ قرابة القرنين تقريبا )، من اجل الحرية والمساواة وضد الرجولية والدين والكهنوتية، هو جزء من نضال الطبقة العاملة وقواها الاشتراكية وجزء من النضال الشيوعي داخل المجتمع الرأسمالي.

وبنفس الوتيرة المدعية بالعلم فانه يرجع اسباب نضال المرأة الاوربية والامريكية الى اظطهاد الرأسمالية. سخافة اخرى تضاف الى سخافات مقالته!. فلو كان ذلك صحيحا فكيف نفسر عدم مطالبة المرأة في بنغلادش او تايلاند او الصين او كوريا الجنوبية او مصر لحقوقها من الطبقة الرأسمالية التي تخنقها وتنتهكها كعاملة بشكل لا مثيل له سواء لطول ساعات العمل او ظروفه القاسية، او ضآلة الاجور، او انعدام الحقوق العمالية ، او الطرد التعسفي، او العمل في السراديب المظلمة والرطبة، لم لا توجد حركة نسوية اعتراضية بسبب هذا الظلم الطبقي ؟!.

ان تنامي الحركة النسوية التحررية لا يأتي الا ضمن ظروف وشروط تصاعد واقتدار الحركة الثورية الاشتراكية للطبقة العاملة. فدون وجود حركة عمالية ثورية ودون وجود حركة شيوعية عمالية منظمة للطبقة العاملة فان اي اعتراض للمرأة سيقضى عليه خلال ساعات. ان ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا تقدم لنا مثالا ساطعا على ذلك. فاثر وصول العمال الى السلطة السياسية في روسيا قد خلق حالة ثورية في كل انحاء اوربا وامريكا والعالم. وفقط من خلال نهوض الحركة الاشتراكية العمالية، بدأت المرأة تطالب باوسع الحقوق لها، وشمل ذلك ليس زيادة اجورها وتحسين ظروف عملها وحياتها وحماية اطفالها فحسب، بل حقوقها المدنية وارجاع الدين واثره الرجعي على حياتها الى الوراء، والتقدم بمطالبها التحررية والمساواتية مثل حق الاجهاض و حضانة الطفل وحق الانتخاب والاقتراع واالحرية الشخصية وحق التنقل وغيرها من الحقوق المدنية والفردية التي يقف المله العطية كاحد ابرز المعارضين والمنددين بها.

وتاريخيا، فان الحركة العمالية الاشتراكية هي التي اوجدت ولاول مرة يوما عالميا للمرأة حين تم الاحتفال به لاول مرة من قبل "الحزب الاشتراكي الامريكي" في العام 1909. وفي السنة التالية تقدمت المناضلة الشيوعية الالمانية القديرة كلارا زيتكن Clara Zetkin بمطلب تثبيت الاحتفال بيوم عالمي للمرأة كتقليد سنوي خلال اعمال مؤتمر الاممية الثانية في كوبنهاكن ولم يجري تحديد موعد ثابت له الا فيما بعد حين اقر في 8 آذار من كل عام.

ان نضال المرأة ضد حركة الاسلام السياسي الرجعية، والتي يمثل خالد العطية احد قادتها الرسميين في العراق، ستستمر وتتصاعد، شاء العطية ام ابى، حلل ام حرم. وسيحول نضال العمال وتنامي قدرتهم السياسية، تلك الحركة الى تيار هادر يهدد كامل النظام الرجعي للاسلام السياسي والعشائرية والقومية التي تقف عقبة كأداء امام نضال المرأة وكل المجتمع، تلك الحركة التي لا تستطيع ادامة وجودها لحظة واحدة دون اعادة انتاج دونية المرأة وعبوديتها.

ملاحق

1. يدفع الرأسمالي للمرأة العاملة اجرة عدد ساعات العمل التي تعملها تاخذ بعدها فترة راحة لتجديد قدرتها على العمل لليوم التالي، اما في المنزل وفي كنف اولياء الامور و“المعيل” والاجواء الاسلامية والرجولية الرجعية، فلا تحصل الا على الاهانات والشتائم والضرب بل وحتى القتل !

2. لا احد يعرف حقيقة هذه الرسالة المقدسة المملة التي يكثر الاسلاميون الحديث عنها؟! من سلم المرأة هذه الرسالة المقدسة ؟ ومن هي الجهة المطلوب ان تسلمها لها ؟ ولم لم تستشر المرأة في حملها للرسائل وتفرض عليها قسراُ ؟ ولم ان تربية الاطفال ”رسالة مقدسة“ على المرأة في المنزل وليس رسالة الرجل ؟! ولم ان تربيتهم في مدارس عامة تابعة للمجتمع فيها مكتبات ووسائل ترفيه ومسارح وموسيقى ورياضة وبوجود هيئات اجتماعية متخصصة مسألة غير مقدسة بنظرهم ؟! ولم ان ثمن ارسال هذه الرسالة هو دائما التبلد الذهني والجفاف الروحي والانقطاع عن العالم الذي هو من نصيب المرأة ؟! اسرار آلهية لايعلمها الا الشيوخ والملالي الرجعيون امثال العطية !.

3. يفتخر الكاتب بانهم في اوربا لم يتمكنوا بعد من وقف ظاهرة نقل تابعية اسم المرأة الى الزوج بعد زواجها بينما في الاسلام تظل تابعيتها لابيها حتى بعد الزواج، اي انجاز تقدمي اعجازي يسجل لصالح الاسلام !!. الحقيقة هو ان لحق الفتاة باسم عائلة ابيها وتابعيتها له هو اس المشكلة. انه ترسيخ للنظام الرجولي والذي يشكل حق الملكية والوراثة وادامة ملكية الاراضي والعقارات للرجال فحواه الاصلية. ومن جهة اخرى، مالذي يمنع السلطات البرجوازية في المانيا او العراق مثلا من الغاء هذه الممارسة برمتها والحاق اسم المرأة بأمها او حتى الغاء الحاق اسم الفرد باي شخص اخر ؟! ماذا يحصل لو الغيت الوراثة ؟! هل يهم عندها ان تبع اسمها اسم ابيها او حتى صديقها؟ الامر لن يكون ذا معنى ابداً. ولكن الا يفكر قليلا؟ ذلك مرعب له ولامثاله البرجوازيين. مجتمع بلا وراثة !ّ! . ان اصول ممارسة الحاق البنات بالاب لا علاقة لها بهذيانات الشرف والعفة والتقدمية المزعومة للاسلام، بل بنظام الملكية الخاصة المعاصر للرأسمالية والذي يرسخ الرجولية ليمارس ضد المرأة التمييز السافر ومنعها من حق التملك وتقليل ميراثها لتتركز الثروة الاجتماعية كليا بيد الرجل، الامر سيان ان لحق اسمها بابيها او بزوجها، فالنظام البطريركي هو هو في كل الاحوال. الشيخ لم ينبس بحرف عن اجحاف الاسلام وتمييزه ضد المرأة في ميراثها عند وفاة الاب او الزوج ولا عن اعتبارها نصف انسان في شهادة المحكمة ولا عن قوانين الاحوال الشخصية الخاصة بالطلاق والنفقة ولا عن مئات من القوانين الاسلامية التمييزية الاخرى.