المرأة العراقية...بين الإكراه وحرية التصويت في الانتخابات



انتصار الميالي
2008 / 8 / 4

يشكل العمل اللاعنفي رهانا على قدرة البشر على التعقل، فينهض ، في قلب النزاع نفسه، لحمل الخصم على تحكيم عقله بهدف إقناعه بصحة القضية المدافع عنها. لكن " هداية" الخصم هذه تشكل، بنظر الكفاح اللاعنفي، قصداً أكثر منه هدفا. فالهدف المباشر هو أكراه الخصم على الرضوخ من دون انتظار اقتناعه.
لا يجوز للنضال اللاعنفي أن يقتصر على نقاش فكري يستهدف أقناع خصمنا بصواب قضيتنا. إذ يعتبر من قبيل الاستخفاف بالواقع السياسي أن يراد اختزال العمل اللاعنفي إلى حوار عقلاني يمكن فيه للحق أن يزهق الباطل بتقديمه برهانا لا يمكن لأي اعتراض أن يفلح في دحضه. ففي الواقع لا يندرج الحوار الاجتماعي والسياسي ضمن مجال التواصل العقلاني الذي تتنافس فيه المفاهيم والأفكار وحدها فيما بينها.فالكلمات نفسها، في اغلب الأحيان، لا تطعن في أفكار بقدر ما تطعن في مصالح، وبهذا فإن قوتها على الإقناع تضعف ضعفاً شديداً.
أن العلاقات الاجتماعية والسياسية، سواء بين الأفراد أو بين الجماعات، هي علاقات سلطة وتقوم على علاقات قوة. ففي مواجهة رهانات السلطة التي تطعن في مصالح متناوئة، لا يتصرف الناس، عموما، بطريقة عقلانية، ولكي يتصرفوا كذلك، لا تكفي مناشدة عقولهم، أن مقتضى العدل وحده، في مواجهة من يستفيد من الظلم، من شأنه غالباً أن ينفرّه من الحوار والمصالحة أكثر من أن يرغبّه فيهما. إذ أن من طبيعة المطالبة بإحقاق العدل، في البداية، أن تنزع إلى قطع الحوار أكثر منها إلى أقامته، عندما يطالب العبد بحريته يقطع متعمداً الحوار الذي كان إذعانه يجيز له أن يُقيمَه مع سيده، ومن النادر أن يسارع هذا السيد إلى الاقتناع بصواب المطلب المقدم له ويقبل بتلبيته على الفور.فقبل أن يقوم حوار جديد ندي بين رجلين- إذا اتفق له أن يقوم يوماً- لابد من مرور وقت طويل.
ليس من الميسور، أذن، أظهار قوة اللاعنف بمجرد الادعاء أن الحقيقة شاملة وان الخصم لا مناص له، من رؤيتها والاعتراف بها. فحتى في النزاعات بين شخصين، من الاستهتار المفرط التأكيد على أن احد الخصمين سيسلم بالحقيقة حتماً، شريطة أن يعرف الأخر كيف يحترمها في إصرار ومثابرة. ففي هذا المجال، لاشيء محتوم، وليست هناك أية حتمية، مؤسسة على" قوة الحقيقة" من شأنها أن تجبر أيا كان على الانصياع لحجج المدافع عن قضية عادلة. لا بل أن المتخاصمين، على مستوى الصراعات الاجتماعية والسياسية، ليسوا أشخاصاً، ولا حتى مجموعات أشخاص، بل مجموعات مصالح، ومثل هذه المجموعات لا" تقتنع" عموما في سهولة. من هنا، ليس للعمل اللاعنفي من هدف أخر سوى إكراهها.
هناك قطعا بين أعضاء هذه المجموعات بعض الأفراد قد يتأثرون بالقضية التي يدافع عنها الخصم، وإذ ذاك قد يصبحون المحامين عنها، نوعا ما، بين شركائهم. إلا أن المرجح، في مرحلة أولى على الأقل، إلا يكونوا إلا أقلية ضئيلة، معرضين لخطر إن تدفع بهم جماعتهم إلى الهامش وتعتبرهم" خونة" غير إن دورهم قد يصير هاما، بل حاسما، حين تتغير علاقة القوة في الصراع وتحين بذلك ساعة التفتيش عن حل تفاوضي للنزاع.
كذا فإن الخبرة لا تجيز لنا أن نأمل في أمكان "قوة العدالة" وحدها أقناع مجموعة اجتماعية بوجوب التنازل من تلقاء نفسها عن امتيازاتها والاعتراف بشرعية المطالب التي تقدم بها..عندما يتعلق الأمر بالكفاح ضد المظالم البنيوية للفوضى القائمة، فإن الإكراه الذي يمارسه العمل الجماعي وبخاصة إهمال اللاتعاون والتدخل والمجابهة، هو الحاسم في أنجاح استراتيجية للعمل اللاعنفي، فالخصم يعتبر نفسه مكرها على قبول التفاوض عندما ينفق على متابعة الصراع أكثر مما يستفيد منها، فتكون بذلك متعارضة مع مصالحه.
وان من اثمن الحريات التي لم يسهل علينا الفوز بها هي الحرية التي أعطتنا الحق في الكلام، وفي التعبير علنا عن آرائنا. ولعل أكثر الأصوات القادرة على إيصال صوتها إلى كافة بلدان العالم هو صوت المرأة التي التزمت الصمت في ما مضى، لقد حان للمرأة الملمة بحقوقها وواجباتها التعاطي مع مجريات الحياة وعملية بناء الديمقراطية الصحيحة بعيدا عن الضغط وسلب الرأي وتقييد حرية الاختيار التي هي حق من حقوق كل امرأة عراقية، وبما إن الإحصائيات تفيد بأن أكثر من ( 7 ) ملايين امرأة عراقية ناخبة مؤهلة للإدلاء بصوتها في الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات في عموم العراق، قد يكون خيارك صعبا وليس سهلا لكنه ضروري ومهم في الوقت نفسه، أن القيم العليا للديمقراطية ليست بإدلاء الأصوات فقط، بل هي أن يشعر كل فرد في المجتمع امرأة أو رجل بضرورة مشاركته في التفكير والتخطيط ومساهم في صنع القرارات وليس منفذا لما يفكر به الآخرون ويقررونه بدلا عنه.
ومع أن القانون العراقي أعطى المرأة تمثيل نسبي بنسبة 25% ولكن ...ليس القانون وحده يضمن حقوق المرأة. قناعة الرجل والمجتمع ككل بكفاءة المرأة وقدرتها هي الأهم.بعيداً عن اعتبارها خصما للرجل بل سنداً له في عملية البناء والديمقراطية. ومع أن العراق ممتثل قانونيا بجوهر الاتفاقيات الدولية التي تضمن حق المرأة بالانتخاب والترشيح للمناصب العامة، إلا انه من الملاحظ أن النساء لم يشكلنّ قوة فاعلة في الجمعية الوطنية أو في أحزابهنّ السياسية، ومازلن غائبات عن تبوأ المواقع القيادية في الحكومة.
وعلى الرغم من بعض العوامل التي تمنع المرأة من المشاركة بشكل تام في الحياة السياسية تكون بالعادة خاصة" بالإطار الثقافي الذي يشمل القيم والقناعات الدينية، وقلة الخدمات وعدم مشاركة الرجال في المهام المتصلة بتنظيم المنزل ورعاية وتربية الأطفال" في الدول المعنية.وتؤكد لجنة سيداو بأن التقاليد الثقافية والقناعات الدينية في كل الدول لعبت دوراً في تقييد دور المرأة في الحياة الخاصة ومنعتها من المشاركة في الحياة العامة. وحتى في الدول التي تشارك المرأة فيها في السياسة، تم حصر دور المرأة في قضايا تشمل البيئة، الأطفال والصحة ولم تشجع على المشاركة في قضايا مثل تسوية النزاعات. هذا بالإضافة إلى أن المرأة العاملة في السياسة والحكومة لا تتبوأ في العادة مسؤوليات تتعلق بالأمور المالية والميزانية للدولة.
لقد شاركت النساء العراقيات بنشاط في دورتي الانتخابات اللتين عقدتا بعد سقوط النظام وكما كان موثقا في التغطية الإعلامية، فقد شاركت النساء بشكل غير مسبوق في انتخابات كانون الثاني 2005 وذلك على الرغم من التهديدات الأمنية الخطيرة لكل الناخبين.ولابد من الثناء على الدور الذي لعبته مؤسسات المجتمع المدني،مما كان له الأثر في زيادة مشاركة المرأة وحثها على التصويت،وذلك من خلال حملات التوعية حول أهمية صوت المرأة، ومن خلال توفير خدمات عملية لمساعدة مشاركة المرأة.
وأشارت أحدى النساء أن الخدمات كالمواصلات التي تهدف إلى تسهيل وصول المرأة إلى الاقتراع لم توفر من قبل هيئة الانتخابات،بل عملت على تهيئتها بعض من منظمات المجتمع المدني والحركات والأحزاب السياسية وبترخيص من مفوضية الانتخابات.
كما أشارت أخرى إلى أن تصويت المرأة جاء بناءاً على رغبة الرجل واختياره هو مقيدةً بالعادات والثقافات الدينية.
وحين أجريت انتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني 2005،وخضعت لمتطلبات التمثيل النسبي نفسها المطبقة على من قبل المجلس الانتقالي الوطني وانتخبت أيضا في ذلك الوقت. وبالرغم من التمثيل النسبي خرج 4 من اصل 18 مجلس محافظة بعدد نساء اقل من التمثيل النسبي كما في (صلاح الدين- ميسان- ذي قار- كربلاء)،ومرة أخرى لم تكن هناك امرأة واحدة من بين المحافظين،أو مساعدي المحافظين،أو بين نواب رؤساء المجالس ورؤساء اللجان باستثناء كردستان.
ومازالت الانتقادات بعد الانتخابات قائمة حتى ألان.ويرى عدد من الناشطات بأنه بالرغم من حصول المرأة على أكثر من 25% من مقاعد البرلمان فأن عددا كبيراً من هؤلاء النساء أعضاء في التحالف الشيعي الحاكم ويعكسنّ أراء محافظة حول دور المرأة تتعارض مع المساواة في النوع الاجتماعي والتحقيق الكامل لحقوق المرأة وفي الغالب لا يكون لهن أرائهن الخاصة.
كذلك،ما تزال المرأة غائبة عن المواقع القيادية في البرلمان والأحزاب السياسية، حيث لا تقود المرأة أي حزب سياسي أو قائمة ائتلاف.حيث يضم البرلمان أيضا 23لجنة لا ترأس المرأة منها إلا لجنتين لجنة شؤون المرأة والطفل والأسرة ولجنة المجتمع المدني.
المشكلة التي نواجهها ألان هي إلى حد ما بسبب عدم بذل أي مجهود في هذا الموضوع في المراحل الأولى من النظام الجديد،ولم يكن هناك دفع لمشاركة المرأة في سلطة الائتلاف المؤقتة أو قانون إدارة الدولة المؤقت.إذا كان مجلس الحكم المؤقت قد حدد تمثيل نسبي للمرأة في الفرع التنفيذي للحكومة كان هذا مهدّ الطريق.
كذلك العوامل التي لعبت دور في إعاقة المرأة عن ممارسة دورها في العمل السياسي كالأمية وعدم وجود برامج التثقيف السياسي ونظرة الرجل إلى مشاركة المرأة في السياسة بحيث يقف بوجه تقدمها في هذا المجال فكثير من النساء يملكن القابلية ولكن رفض الزوج أو الأهل يمنعها من خوض الحياة السياسية بالإضافة إلى الخوف حيث يستهدف العاملون في الحقل السياسي فيكون الخوف على المرأة من هذه العواقب هو السبب الأول في منع الأهل.
وقد أجمعت الكثير من الناشطات في هذا المجال على إن النساء حالياً يتعرضن لتهديدات على حياتهن نتيجة المشاركة السياسية.وهناك أمثلة عديدة لناشطات تعرضن للخطف والقتل والتهديد وتفجير المنازل الخ من الأساليب ناهيك عن العادات الثقافية والأمية.
إذا من اجل ضمان مشاركة حقيقية ونوعية للمرأة علينا أن نتظافر معاً من اجل المزيد من حملات التوعية العامة وخصوصا تلك التي تتعامل مع العادات الثقافية والدينية التي تحد من مشاركة المرأة،كذلك حث منظمات المجتمع المدني على ضرورة اعتماد آليات عمل تساهم في التغيير الجذري وتجعل من المرأة قادرةً على أعطاء رأيها بعيداً عن أي تأثيرات مهما كانت من اجل تمكينها في الوصول وتبوء مواقع قيادية تتناسب وإمكانياتها وطاقتها لتساهم في عملية البناء والتطور التي نحلم بتحقيقها في عراق اليوم .