وطن دكتورة معطلة ومعتصمة امام قبة البرلمان.



لطيفة الحياة
2008 / 8 / 5

أستاذ سعيد الكحل أحييك على مقالك المعنون ب "الوطن شعور بالأمان والكرامة أولا" الذي نشرته جريدة الأحداث المغربية. فنعم المواضيع التي اخترت للنقاش والحوار موضوع الوطن والمواطنة. ومادمنا أنا وأنت نستنشق هواء بقعة جغرافية واحدة قدر علينا أن نفتح عيوننا فيها فلما لا نمد جسور التواصل فيما بيننا حول مفهوم الوطن، خصوصا و أنني واحدة من الجيل الذي أسميته (جيل ما بعد المسيرة الخضراء). جيل قلت عنه أنه لا يستشعر الوطن بالانتماء والوجدان كما كان يستشعره جيل الاستقلال من الأجداد والآباء. فها أنا أستاذي أحدثك عن وطني من أمام قبة البرلمان المغربي، ومن بين صفوف الآلاف من الأطر العليا المعطلة، وتحت وطأة البطالة والقمع. وطن شابة من مواليد السبعينات، ابنة أب وأم من جيل الاستقلال. شابة مازالت في رحلة البحث عن الوطن. وطن يحترم إنسانيتي وكرامتي، وطن أحس فيه بكينونتي، وطن يسع طموحاتي وأحلامي.

أستاذ سعيد إن الفرق ما بين جيلي (جيل ما بعد المسيرة الخضراء) وجيل الاستقلال هو أن آباءنا وأجدادنا كانوا يضحون بأجسادهم من أجل تحرير الأرض بينما صرنا نحن اليوم نضحي بأجسادنا من أجل التحرر من هذه الأرض، التي حرروها هم بالأمس. فما الذي حصل يا ترى؟ وما ذا تغير؟ وكيف انقلبت الأمور؟ أليس جيل ما بعد المسيرة الخضراء امتدادا لجيل الاستقلال؟ ألم ترضعنا أمهاتنا حب الأوطان من الإيمان؟ ألم يعلموننا الذود عن الأرض؟

على الرغم من أنهم علمونا أن الوطن انتماء لبقعة جغرافية ولغة ودين وجنسية، ووقفنا في المدارس أمام الأعلام وأنشدنا الأناشيد و الأشعار إلا أن وطننا غير وطنهم، لأن واقعنا غير واقعهم وخصمنا غير خصمهم. فلقد كان جيل الاستقلال مقتنعا بأن بقعته الجغرافية تحوي من الخيرات الشيء الكثير، وان الذي يحول بينه وبين التمتع بها هو المستعمر. هذا، الأجنبي الذي يصنفه ضمن الأخر الديني والثقافي واللغوي والجغرافي، مما شجعه على الانخراط في مقاومته و إجلاءه عن أرضه لأنه مس كرامته، واعتدى على حقوقه، فطرده من أجل غد أفضل ووطن حر.

غادر المستعمر الأجنبي ومرت السنين والأيام فأقبل الزمن، الذي يشهد فيه من تبقى من جيل الاستقلال أبناءه وحفدته يطلبون ود ذلك المستعمر(العدو)، الذي أجلاه عن أرضه بالأمس. مفارقة غريبة ما كانت لتخطر له على البال، فكيف يصير عدوه ملاذ أبناءه وحفدته بل، هو خلاصهم؟ وكيف يصير آخره آنا حفدته وتصير أناه أخرهم؟ كيف ضحى هو بأجساده ليحاربه ويضحي حفدته اليوم بأجسادهم من أجل بلوغه في الضفة الأخرى؟ أليس هؤلاء هم الكفرة، الذين حاربهم بالأمس من أجل نصرة المسلمين المغاربة؟

أستاذ سعيد إن القرب الحقيقي لا يتحدد بالجغرافية ولا بالدين ولا باللغة ولا بالجنس ولا باللون وإنما يتحدد بالقرب الإنساني، الذي يتأسس على احترام إنسانية الإنسان وكرامته وحقوقه. إن القرب هو قرب القيم، التي تشيع بيننا الرحمة والأمان والسلام والاحترام والتقدير.إن القرب هو قرب قوانين إحقاق الحق و تقديس الإنسانية بل، هذا هو دين الإسلام الذي سيظهره الله على الأديان جميعا. فكلما اقتربنا من الإنسان اقتربنا من الله وكلما ابتعدنا عن الإنسان ابتعدنا عن الله.
فلو كان القرب بالمسافات لما ارتمى شبابنا في بحر الأبيض المتوسط لتتغذى به اسماك القرش، ولما اصطادته سماسرة الأجساد البشرية، ولما واعدته خلايا الإرهاب بجنة الخلد فسرعت بأجله وأجل غيره، ولما ارتمى في أحضان شيوخ ومسنين باسم الزواج والارتباط. ولما قمع أمام قبة البرلمان بالهراوات الفولاذية وكسرت جماجمه وداست كرامته بالأحذية والكلمات النابية.

إن هذا القريب الجغرافي والديني والثقافي ضيق الخناق على الشباب وما ترك له وسيلة للدفاع والمقاومة سوى الجسد. جسد تعتصره البطالة ليمارس الهروب بشتى الاتجاهات فتنهكه العصا والمخدرات، وتنهشه اسماك القرش ومصاصين الدماء. إن هذا القريب الذي يستمتع بأجساد صنعتها له ثقافة الفيديو كليب من أمثال نانسي عجرم وهيفاء وهبي لا يدري أنها وذاك الإرهابي، الذي يقض مضاجع الناس أجمعين وجهان لأزمة واحدة، فكلاهما يمارس الهروب بالجسد. إن هذا القريب دمر كل شيء جميل في وطن أجدادي ونهب كل خيراته، وداس على كرامة أبناءه، ولوث هواءه ، وقاوم كل حر أبي، وخنق كل تقدم ونماء وهجر عقوله وأدمغته وغلق الأبواب وقال هيت لي.

إن هذا القريب هو الذي حرف مفهوم الوطن وغيب الانتماء والوجدان عندما وسع الهوة بين طبقات وطن أبائي وأجدادي، فصرنا نشهد فئة تنعم في البرجوازية حتى التخمة مقابل فئة تتقاسم والقطط القمامة. هوة تهدد الاستقرار وقد أشار إليها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة لجلوسه على العرش" إن الهدف الاستراتيجي لكافة السياسات العمومية هو توسيع الطبقة الوسطى لتشكل القاعدة العريضة للاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع ".

وعليه فإنني أقول: إن الوطن كرامة وعزة نفس و حرية، الوطن أمن وأمان واستقلال الشخصية، الوطن أخد وعطاء وليس ملكية ، الوطن ليس شمالا ولا جنوبا ولا شرقا ولا غربا، الوطن يعلو عن منطق الجغرافية، ويأبى أن يخضع لقوانين الخريطة الطبوغرافية، الوطن لا يهجر ولا يفارق، الوطن حيث أكون أنا ، الوطن لا يعزف ولا يلحن، الوطن حيث اطرب وارقص أنا، الوطن لا يلون ولا يرسم، الوطن لونه ورمزه أنا.

ذاك هو وطني، الذي لا أستشعره في بقعتي الجغرافية. وليعذرني أجدادي وآبائي فليست هذه خيانة لتضحياتهم الجسدية ولا لبقعتنا الجغرافية، كما ليست أنانية ولا سلبية وإنما هي رحلة البحث عن الكرامة والإنسانية. وإن كان من يستحق أن ينعت بالخيانة والأنانية والسلبية فهم أولئك المفسدين، الذين يعيثون فسادا في الأرض فتفضحهم يوميا منابر الإعلام والتقنية. أولئك الذين يدفعون الشباب لقوارب الموت فإذا ما احكموا قبضتهم عليه قبل أن تبتلعه الأسماك أو يبلغ ضفة الأمان أعادوه للبقعة ثم سجنوه وغرموه ماديا، أما إذا حالفه الحظ ففر ناجيا بحسده من أنياب القرش البري والبحري فإنه يعود في عطلة الصيف ليجدهم يرحبون به بلافتات كتب عليها: " مرحبا بجاليتنا العائدة من الخارج". فهذه هي الخيانة وهذه هي الأنانية، أليس من بين صفوف هذه الجالية من تعسفت عليهم هذه الفئة المفسدة؟ أليس هؤلاء الشباب هم أنفسهم، من طردت بالأمس لترحب بعودتهم اليوم؟ أفقرتهم وطردتهم ورحبت بهم بعد أن جاءوا محملين بالعملة الأجنبية. انه سلوك أشبه ما يكون بسلوك العاهر، التي لا تتقرب إلا لمن يعطي أكثر وأكثر من المال.

وختاما أقول إن مفاهيم الوطن لا تحددها ولا ترسخها المقررات الدراسية والخطب الدينية والندوات والمؤتمرات الثقافية. الوطن يفرزه واقع العيش اليومي و محك الحياة المجتمعية. الوطن قد يكون بقعة جغرافية حينما تحترم فيها الكرامة والإنسانية . فهذه رسالة لكل من يهمه شأن هذه البقعة الجغرافية برلمانا وحكومة ووزارة ونخبة وشعبا، رسالة اختتمها بسؤال: ترى لو فتحت الحدود بيننا وبين الضفة الأخرى كم سيبقى من الشباب المغربي متشبثا بهذه البقعة الجغرافية؟
حرر أمام قبة البرلمان
يومه:1-8-08
العاشرة صباحا