انهم يكذبون عليك!!- 1



هدى ابو مخ
2004 / 2 / 3

ساناقش في سلسلة مقالاتي هذه الكثير من الروايات التي يحكيها الخطاب الذكوري في العالم العربي. ومن خلال مناقشتها ساظهر مدى كذبها. في هذا المقال ساناقش رواية (اكذوبة) يحكيها الخطاب الذكوري, وتحكي بان المحجبة هي حقا محترمة في المجتمعات العربية.
يهمني التنويه هنا الى انني لست بصدد مناقشة مدى صحة ومشروعية الحجاب او الاستقرار النفسي والجسدي (والبعض يدعي الاجتماعي) الذي يمنحه الحجاب لمن ترتديه او سلبه, بل ساتطرق بصورة شديدة الخصوصية الى الادعاء حول العلاقة المشروطة بين الاحترام والحجاب.
يهمني التنويه ايضا الى ان نقاشي هذا نابع من ضرورة تحرير المراة, ليس من الحجاب الناجم عن ايمان حقيقي, بل من الافكار المسبقة "المؤسسة" له والتي تقود الكثيرات الى اعتناقه, ليس عن اختيار وقناعة ذاتيه, بل كضرورة اجتماعية مبنية على روايات خاطئه. الافتراض الذي سينطلق منه المقال هو انه لا توجد حقيقة واحدة, وان الحجاب يتوقف عن كونه حقيقة حين يؤمن احدهم/ن انه ليس حقيقة, ويصير حقيقة حين يؤمن اخرون بذلك.
في مقالاتي السابقة, تطرقت بصورة مقتضبة الى وهمية العلاقة بين الحجاب وبين الاحترام الذي يمنحه الحجاب للمراة بحسب رواية المجتمع. انا اتفهم امراة تقول انها تعتنق الحجاب ايمانا بالله, لكني اشعر بالمرارة حين يخبرنني اخريات بانهن اعتنقنه سعيا وراء احترام يجنينه من ارتداءه. لتوضيح موقفي اكثر علي اولا شرح مفهومي للاحترام. فانا اقصد من بين ما اقصد احترام المراة كانسان كامل, له حرية الاختيار وحق تقرير المصير, واحترام حقها بامتلاك جسدها كامر شخصي (وليس كقضية "جماعية" يشاركها المجتمع الملكية فيه), واحترام حقها بالميراث المساوي لبقية اخوتها من الذكور, وعدم التنكيل بها جسديا او نفسيا, وحق "انفرادها" بزوجها في علاقة "زوجية" حقيقية وليس في علاقة "خماسية" (الا ان رغبت هي غير ذلك), واحترام حقها بالزواج بمن تشاء, وحقها بقوانين زواج وطلاق عادلة, وغيرها الكثير من الحقوق الانسانية الاولية التي تمنح الانسان حقه واحترامه كانسان.
الكثير يعارضونني الراي بادعاء ان الدين نص على كذا وكذا, وانه عادل اذ وراء كل شئ توجد حكمة الهية. ساحاول تفهم هذا الادعاء بشرط: ان توافق المراة طوعيا على ذلك (وانا اقولها بتحفظ شديد بسبب شبه استحالة الطوعية في الاختيار والنابعة من التربية الصارمة التي يتلقاها الافراد في مراحل نموهم المختلفة, والتي تكبل افكارهم الى اتجاهات محددة, لكني ساعتبر هذه "الطوعية" مرحلة بدائية تجاه مجتمع اكثر ليبيراليه –بمفهومها الايجابي- واكثر تقبلا للتعددية فيه). فان ذكرت المراة انها تود السير بحسب قوانين الشريعة فهي حريتها. لكن في ذات الوقت يحق لامراة اخرى ان تطالب بالتعامل معها بحسب الحقوق المدنية, باعتبار انها لا تعتنق مبادئ الشريعة, وهذا يكون ايضا حقا لها. منح حرية اختيار كهذه هي جوهر مفهوم احترام المراة بصفتها انسان كاملا ذا قدرة ناضجة على تقرير المصير. هذا الطرح المثالي يوازيه واقع عنصري ومتعنت يطالب فيه الرجل بحق الوصاية على المراة روحا, فكرا وجسدا. فيسن القوانين, ويحد المعايير والقيم الاخلاقية (التي تخدم مصالحه) ويفرضها على المراة, وعلى الاخيرة ان توافقه عليها والا اتهمت بالكفر والالحاد والفجور. في هذا الواقع يربط الرجل الحجاب بالفضيلة ويوهم المراة انها ستنال احترامه واحترام المجتمع (لا سيما بقية الذكور في المجتمع) بارتدائها اياه. هو يصور لها العالم بالاسود والابيض, بالقدسية والفجور ويسلبها بقية الالوان. سيتسائل الكثيرون: واين هي ارادة المراة التي اتحدث عنها, والتي ترفض سلبها بقية الوان الحياة؟ جوابي بسيط, فالامر لم يتكون الان وامس, بل هو تسلسل تاريخي استمر الاف السنين وصار جزءا من "الحقيقة" التي يؤمن بها المجتمع. كما ان ما يعزز لدى الكثيرات من صحة هذا الادعاء هو الواقع الفاسد الذي نحياه, والذي هو نتاج ذكوري بحت, بما فيه من حوادث الاغتصاب, بيوت الدعارة, اللقطاء وغيرها. ابرزت هنا الحوادث المرتبطة بالعلاقة بين الجسد والخطيئة عمدا, دون ان اعني ان بقية انواع الفساد كالقتل والسرقة مثلا لا تثير ارتدادات نفسية رافضة للواقع لدى المراة وهي ارتدادات روحانية كتلك لدى الرجال, دون ان تمس صميم وجودها المادي –اي الجسد الانثوي. هذا الواقع الفاسد يحتاج الى التغيير وخلق واقع اخر يختلف افراده عن اولئك في "هذا" الواقع الفاسد. الحجاب يمثل عالما مثاليا (اوتوبيا) يمكن المراة من ان تكون القديسة في العالم المثالي الذي يفكر الرجال ببناءه على انقاض العالم الفاسد. المراة لا تعي ان العالم المثالي الذي يفكر الرجال ببناءه سيصير عالما فاسدا اخر لسبب بسيط: انعدام الحقيقة, العدالة والاحترام فيه, بعد انتاج "الاخر" الاسود والشرير فيه, وهو كل من لا يعتنق مبادئ "الابيض".
حتى الان لم اجب بصورة مباشرة على التساؤل: كيف تكون العلاقة بين الحجاب وبين الاحترام وهمية؟
الامر ملزم بمناقشة المسالة من خلال تحليل شديد الواقعية لواقع المراة المحجبة. فاولا: هل ارتداء الحجاب جاء طوعيا؟
ثم, هل بارتداء الحجاب والتخلص من "النظرات المتلصصة" نالت المراة الاحترام الحقيقي (وارجو الفصل هنا بين الاحترام وبين الشعور بالراحة النفسية)؟ هل التعامل مع المراة قد تغير عما كان عليه قبل ارتدائها الحجاب؟ هل تعامل المراة حقا كانسان كامل الحقوق؟ هل تتوقف المراة عن الخوف لدى خروجها الى الشارع الممتلئ ذكورا لدى ارتدائها الحجاب, ام ستحتاج ايضا الى "حارس" يحميها؟ هل يحترم الزوج راي زوجته المحجبة ويكون مستعدا للاستسلام امام منطقها؟ هل يفتخر الزوج بزوجته المحجبة التي تفوقه ذكاء؟ ايعاملها كاداة جنسية تشبع رغباته؟ هل لا يزال الذكور يتعاملون مع المراة المحجبة بتعال لمجرد كونها امراة؟ والاهم: هل توقفت عن الشعور كانثى (اقصد, الهوية الانثوية الاجتماعية)؟
في الحقيقة, وانا اوجه حديثي هنا الى من ارتدت الحجاب مراضاة للرجل او المجتمع, فانا اعتقد ان الاحترام الوحيد الذي تناله هو اعتقاد الشرقي انه لا يحق له النظر اليها (وعلى فكرة, اعتقد ان ذكورا في مجتمعات اخرى سيتلذذون في تخيل جسد عار خلف الحجاب!) اما في بقية الامور فستبقى امراة كبقية النساء, فاقدة للاحترام الذكوري وللشعور الداخلي بالكرامة الذاتيه كانسان حر. التنكيل بالجسد يصير, رمزا للتنكيل بالذات وبابسط الحقوق ككائن بشري كامل.
مما ذكرته انفا بالامكان الاستنتاج بان المجتمع لا يمنح المراة احتراما حقيقيا لدى ارتدائها الحجاب, بل يعطيها الشعور بانه يحترمها دون ان يحترمها حقا. وهذا هو لب الاكذوبة او الايديولوجيا الذكورية المؤسسة للمجتمعات العربية.
وماذا بعد؟ لا ارمي هنا الى دعوة احد الى خلع الحجاب بقدر ما ارمي الى دعوتهم الى خلع الاكاذيب المؤسسة له. فالعري يخفي احيانا كثيرة ما لم يستطع ان يخفيه الاحتشام.