النقاب فضل وليس فرض!



أمنية طلعت
2008 / 8 / 17

منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، تعرضت نساء مصر لضغط ديني متمثل في ارتدائهن غطاء الرأس بدعوي الإسلام، فانتشرت أغطية الرأس بداية بالطواقي المشغولة ثم الطرح الشبيهة بأغطية رأس الفراعنة، ثم ما عُرف بالخمار ..إلخ.
في البداية عندما اعترضت بعض التيارات اليسارية علي انتشار هذا النوع من الملبس بدعوي الدين والعفة والطهارة، خرجت التيارات الدينية بدعاوي تداعب بها اليسار قائلة إن مسألة الحجاب والملبس حرية شخصية، وبالفعل هي حرية شخصية، لكن ماذا لو تعارضت الحرية الشخصية مع الحرية والمصلحة العامة؟
نعيش الآن دعاوي هادئة، ترتدي مسوح البراءة أيضاً، فبعد أن كنا محاصرين بملصقات "الحجاب عفة وطهارة" في كل مكان، نواجه الآن دعوي جديدة، ألا وهي "النقاب فضل وليس فرضاً" وأنه كان فرضاً علي زوجات الرسول فما هو الضرر في أن نتشبه بهن لنفوز بمقعد جوارهن في الجنة؟
لقد بدأت نتيجة هذه الدعوة في الظهور داخل الشارع المصري، فمن العادي الآن أن نشاهد النساء ترتدي ملابس الشبح السوداء والمعروفة بالنقاب، وإذا لم ننتبه لهذه الظاهرة فسنستيقظ ذات يوم وقد تحولت نساء مصر كلهن إلي أشباح سوداء تسير في الشوارع، خاصة أن النقاب ليس حرية شخصية، بل هو ضد الأمن العام للبلد، نفس البلد الذي يري حكامه أننا يجب أن نستمر محكومين بقانون الطوارئ، فكيف يحتاج الأمن العام في مصر لقانون الطوارئ ويرضي بأن يسير أفراد وهم مغطون تماما ولا يظهر منهم حتي العينان، وما هو الضامن أن يكون هؤلاء البشر نساء؟ وهل النساء لا يقعن تحت دائرة الشبهات الأمنية؟ خاصة بعد أن تعرضت مصر نفسها لحادثة فتحت فيها امرأتان ترتديان النقاب النار علي المواصلات العامة، وتعرضت بلدان أخري كثيرة لعمليات انتحارية قامت بها نساء يرتدين نفس النوع من الملابس.
إن كان ارتداء غطاء الرأس حرية شخصية، فالنقاب ليس كذلك، لأن القاعدة هي، أنت حر ما لم تضر، والنقاب ضرر علي الأمن العام لدولة كاملة وهي جمهورية مصر العربية وليس ضررا علي الأفراد فحسب، خاصة أنه كما يقول الدعاة له ليس فرضاً، وإن كانت كلمة «فضل» تلك، مستفزة، فعن أي فضل يتحدثون؟ وهل هو فضل من المرأة علي الله؟ هل يتفضل الانسان بشيء علي خالقه؟ وإن كان كما يقولون مفروضاً علي زوجات الرسول فقط؟ فلماذا نرتديه نحن، خاصة أنه كما قال الله تعالي في قرآنه، أن زوجات الرسول لسن كباقي النساء سواء في الثواب أو العقاب؟.
يا أيها السادة والسيدات، لا أرغب الدخول في نقاش عقيم لا يصل إلي شيء حول الحجاب والنقاب، خاصة أنه لا يوجد شيء اسمه حجاب وآخر اسمه نقاب في الدين الإسلامي، فالحجاب هو النقاب ومفروض علي زوجات الرسول فقط دون نساء الإسلام، ولا علاقة له بالملبس وإنما المقصود به ستار أو باب أو حائط، لذلك نرجو أن نتوقف عن مثل هذه الدعاوي التي ترتدي مسوح البراءة وروائح الجنة المتخيلة، ولنفكر في شيء واحد هو أمننا واحتياجاتنا الاقتصادية والاجتماعية، التي لا تؤيد مثل هذا الملبس من قريب أو من بعيد، دعونا نستيقظ قليلاً وندرك أهداف مثل تلك الحملات التي تأخذ طابعاً دينياً، لكنها في الأساس لا تريد بنا سوي السوء، ففي الماضي قالوا لنا إن الفن حرام والآن يحاولون احتكار الإنتاج السينمائي بعد ان اشتروا تاريخ السينما والدراما المصرية كله وجردونا من تاريخنا الذي امتلكوه.
إن إخفاء المرأة داخل صندوق أسود هو خطوة جديدة في سبيل العودة إلي عالم الحريم، وتحديد وظيفتها في الرحم الذي يحمل والثدي الذي يرضع وخدمة البيوت بلا أجر، في الوقت الذي يتصدر فيه عدم عمل المرأة أسباب قلة الإنتاج في المنطقة العربية، أي أننا النساء قوة معطلة في مجتمعاتنا، فكيف نختفي بدعوي الدين داخل صناديق قماشية سوداء ونحن نعاني ـ قبل الرجل ـ من الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلد؟ ونحن نعاني من ارتفاع نسبة الطلاق وتحمل المرأة أعباء الإنفاق علي الأطفال؟
إن كان النقاب فضلاً، فالله لا ينتظر أفضالكن، وإنما ينتظر وينظر إلي عملنا كي نرتقي ببلاده التي نود ألا نتحول فيها إلي مجرد غثاء سيل <