الدراما التركية نور وسنوات الضياع تنصف المرأة مع اقبال جماهيري مذهل ...؟



مصطفى حقي
2008 / 8 / 22

والمذهل المحيّر في الأمر ان العملين المذكورين (نور) و(سنوات الضياع ) في سياق عرضهما في بلد المنشأ تركيا مرّا بشكل طبيعي ولم يثيرا أي تساؤل ولم يعترض أي رجل دين أو محافظ على أي من العملين الذين عرضا بدون أي حذف للمشاهد المثيرة وكانت المفاجأة التي لم تكن بالحسبان هو ذلك الإقبال الشعبي الكبير والمدهش والذي لم يصل إليه أي عمل محلي عربي أو مستورد حتى تاريخه والذي اكتسح معظم الدول العربية والإسلامية في قارتي أسيا وإفريقية وبالأخص في دول الخليج ..
والسؤال المحير ... لماذا هذا الإقبال المثير ... هل لأنه قد دبلج باللهجة الشامية ... طبعاً للدبلجة البسيطة والطبيعية وبلسان ملون بالشيوع الشعبي المقبول والمفهوم من كافة اللهجات العربية المحلية وإن كان سبباً في شيوع العملين ولكنه ليس السبب
الرئيسي ...
في رمضان العام الفائت عرض العمل الدرامي ( باب الحارة ) بجزئيه .. ولاقى إقبالاً جماهيرياً عربياً ولكن إلى درجة متواضعة على الرغم أن العملين
في جزئي باب الحارة كان الدور الرئيسي فيه للرجل بشاربه وعصاه وشراسته وعصبيته وغيرته وضيق أفقه وانشداده إلى التراث وكانت المرأة مهمشة بين جدران أربعة وتابعة لعنجهية الرجل ونزواته ولا تستطيع أن تتجاوز بنظراتها باب المنزل .. وتتناول الخبز من يد أجير الفران دون أن تلقي ولو نظرة واحدة على وجهه وتزوج بطريقة بدائية عن طريق الأهل وهم الذين يختارون العروس لولدهم ... والمرأة التي تتفوه بكلمة ( ما فشرت) والتي لم أجد لها معنى في القواميس العربية وأما ترجمتها المحلية الشعبية فيها ما يتضمن ( التكذيب) .. والرجل البطل المغوار الصادق دوماً لايمكن أن يكذب وبالأخص من قبل امرأة ناقصة عقل ودين .. ويكون الرد الرجولي : أنت طالق ... وتستمر دراما إهانة المرأة وتحجيمها إلى ما دون الدون ....
وتنعكس الآية في العملين التركيين نور وسنوات الضياع انعكاساً مذهلاً وتنطلق المرأة الحبيسة المقيدة بقرون الماضي المأسوية إلى تحطيم تلك الأكبال وانفتاح بوابة التقدم البشرية وبشكلها الحضاري المميز وإذا بها على نسق المساواة بينها وبين الرجل وعلى أساس إنساني ولها حقوقها الكاملة في تمثيل نفسها واستقلالية قراراتها وحرية اختيارها ولا شيء يمنعها من إشغال أي منصب يشغله الرجال ..
نفاجأ بعبارات الاحترام التي تُخاطب بها المرأة إن كانت في البيت بلا عمل أو العاملة مع أن المرأة العاملة هي الأساس في كافة المجالات وكذلك إشغالها مجالس الإدارة والإدارة وبجدارة ولها رأيها المحترم ..
لم يرد في كلا العملين أية قبلة فم للفم مع أن الأفلام العربية والدرامية لا تخلو من تلك القبل الحارة .. ولم يلاحظ في أي من العملين المذكورين أية مناظر جنسية شاذة والتي أيضاً تكثر في الأفلام والمسلسلات العربية ..
وضربة المعلم في العملين المذكورين ولو كان غير مقصود بالنسبة للمجتمع التركي ولكنه كان بالحق هدفاً مباشراً ومثيراً للدول العربية والإسلامية ولحكومة أردوغان التي عمدت إلى تعديل الدستور واصدار قانون بدخول الطالبات الجامعات وهن محجبات والذي ألغي بقرار من المحكمة الدستورية , ألا وهي قضية حجاب المرأة والعملين من إنتاج دولة إسلامية و يخلوان من أي حجاب قماشي أو عملي أو حتى إيحائي فالمرأة المعتادة في العملين هي امرأة سافرة وبجدارة ومتمكنة بحق ولم نجد أمام المرأة في العملين المذكورين أي عائق يتعلق بالحجاب ...؟
الرجل في العملين يتصرف بعقل وروية ويعتذر عند الخطأ بل يحاسب ويلوم نفسه ولم نلاحظ أية مظاهر فوقية بل هناك تفاهم حضاري بين الرجل والمرأة بل ان هناك بوناً شاسعاً لمكانة المرأة في مجتمعاتنا عنها في المجتمع التركي ولا مكان للقياس وطرح الفكرة الدرامية بهذا القدر من الحبكة الحضارية والتي قد تتعدى الواقع وبالأخص العلاقة الجنسية التي تسبق الزواج والتي لايمكن لرجل شرقي أن يتأقلم ويوافق على طروحات المسلسلين في هذا المجال .. لأن الواقع التركي المجتمعي ليس بهذه السوية من الحضارة التي تساوي الحضارة الغربية بل تتعداها أحياناً .. لأن حقيقة المجتمع في معظمه لا يرتقي إلى المرقى الحضاري المعروض درامياً إلا في فئة قليلة من المجتمع التركي وتمثل النخبة ...
في كل الأحوال الوصول بالفكر الراقي الحضاري عبر الفضائيات بشموله الجماهيري وببعض عيوبه وبشكل إيجابي أفضل من عرض أعمال تتضمن أمراضاً مزمنة وتصديرها في مجتمعاتنا و التي لاتصلح حتى للمقارنة ولا يمكن أن تقدم عملاً ناجحاً جماهيرياً بل يزيد من الجهل والانزلاق الروحي في متاهات غيبية التي لم تعد تنسجم وتتوافق مع معطيات العلم المذهلة وفي كافة المجالات ...؟