نزاهة القضاء وعدله ضمانة لحقوق المرأة



حميد طولست
2008 / 9 / 13

لا‮ ‬يخفى على أحد أن نزاهة القضاء وعدل القضاة‮ ‬أساس الحكم، وضمان للحقوق والحريات،‮ كما لا‮ ‬يخفى على أي كان؛ الدور الخطير الذي‮ ‬يقوم به رجال القضاء ونساؤه في حماية الحريات وصون الحقوق، بإصدار الأحكام العادلة في‮ ‬الدعاوى والجرائم حين الفصل في‮ ‬المنازعات المعقدة،حيث‮ ‬يضع المتقاضون ثقتهم بهم ‬وحدهم بعد الله سبحانه وتعالى، من اجل الوصول إلى حق ضائع أو رد عدوان سافر.‮ ‬وحكم القضاة دائما‮ ‬يكون منهيا لخصومات وفاضا لمنازعات ما كانت لتنتهي‮ ‬أو تفض لولا حكمة هؤلاء القوم وخبرتهم وعدالتهم ونزاهتهم..
جميل جدا أن ينصف القضاء من لفقت له التهم ولو في آخر المطاف. فقبل شهور اهتز الإعلام المغربي وحتى الدولي والجمعيات الحقوقية، فرحا لحكم البراءة الذي صدر في حق رقية أبو عالي التي باتت أشهر من نار على علم. بل إن بعض الصحف لم تكتف بالتهنئة بحكم البراءة وإنما تجاوزته إلى حد تصنيف رقية أبو عالي نموذجا يحتذى به للمرأة "الحرة ".
بل هناك من دعا إلى الوقوف لرقية وقفة إجلال واحترام لأنها لم تترك السجن والتهمة الملفقة وضغوط الهيئات العليا والعروض المالية المغرية، تثنيها عن التلويح بالأقراص المدمجة التي تحتوي مقاطع فيديو تظهرها رفقة قضاة ورجال أمن في خلوة غير شرعية، وهم يتباهون أمامها بما لفقوه من تهم لأبرياء، وما تقاضوه من رشاوى.حسب الكثير من وسائل الإعلام.
و ليست هذه النازلة هي الأولى من نوعها التي يقضي فيها القضاء بتبرئة إمرأة لفقت لها تهم هي بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف، فقد تم إطلاق سراح هناء التسولي بعد أن قضت هي الأخرى سنة كاملة بسجن عين قادوس بفاس بتهمة جناية "المشاركة في السرقة الموصوفة بالتعدد واستعمال مفاتيح مزورة" وجنحة الفساد، بعد أن رفضت الخضوع لنزوات مشغلها ...

قضية رقية وهناء ربما كان من الممكن أن تمر في سرية تامة مثل عشرات القضايا التي تحدث في أنحاء كثيرة من هذا البلد، ومع الكثير من المظلومين الأبرياء، ودون أن يشعر بها أحد، أو أن تثير اهتمام أحد. لكنها أخذت أبعادا كبيرة أطاحت بكثير من الرؤوس، لأنها نازلة متميزة ومتفردة من نوعها. متميزة بضحاياها المصرات على رفض الظلم، الملحات على فضح الخروقات و التلاعبات التي شابت ملفاتهن حتى بعد تبرئتهن. رغم تعرضن له من تهديدات إن هن استمررن في متابعة ملفهن. ومتفردة لأن أطرافها الثانية شخصيات غير عادية ومن نوعية خاصة، وعلى دراية بما يجري في دهاليز المكاتب وكواليسها، ينتظر من بعضها العدالة والحماية من بعضها الآخر. إلى جانب دخول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على مسرح القضية وتبنيها. فلا‮ ‬غرابة اذًا أن تستفز هذه الظلم أفراد الشعب جميعا على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم ومذاهبهم، ولكن الأغرب منه هو تقصير الإعلام في إثارة الانتباه الإعلامي إلى ما تعانيه قرية تيغسالين المنسية والمعزولة التي تسكنها رقية، والتي كشفت قضيتها غير العادية فداحة ما تعانيه من هشاشة وفقر وتخلف، والتي كان من المفترض توظيف كل الامكانيات الإعلامية لإخراج سكانها من عزلتهم والنهوض بهم بدل إلصاق شبهة العيش من تجارة المخدرات والدعارة بأهلها. والله إني لا أجد الكلمات لوصف هذا العمل الخارق الجبار البطولي الأسطوري لنساء مغربيات، صاحبات هامات –رغم قصرقامتهن- تعانق السماء، وإرادة وعزيمة وإيمان لو وزعت على الرجال لوسعتهم وفاضت، ضربن القدوة والمثل والدروس في معنى مقاومة ورفض الظلم ومواجهة الظالم بمواقفهن رجولية بطولية في زمن الذل والانهيار، فمهما قيل في حقهن فلن نستطيع أن نستوفيهن حقوقهن.