حتى واحد ما هاني



حميد طولست
2008 / 9 / 15

حتى واحد ما هاني
تصالح المرأة مع جسدها

جرت السنن والاعراف الإنسانية أن يتعاطف ويتضامن الناس مع الفقراء، و تتفطر قلوبهم حزنا على الجياع في أنحاء المعمو، وتتقطع أكبادهم كمدا على هؤلاء المساكين المحرومين حينما يشاهون أجسامهم السقيمة النحيلة المتهاوية وهي تعاني من الضعف والهزال الشديدين، وتتعرض لأشد أنواع الهلاك والدمار المميت بسبب سوء الغداء. وفي المقابل هناك ملايين من البشر يعانون الأمرين ليس مع إنعدام الغداء وما يسببه من جوع لعين وهزال مقيت، لكن بسبب آفة عصرية خطيرة ضعف الكثيرون على مقاومتها ولم تتمكن الدول والحكومات من إيجاد حل لتهديداتها و المتمثلة في المبالغة في الأكل والافراط في إلتهام الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية وعدم صرفها، مما يؤدي إلى تراكم الشحوم واللحوم و زيادة الوزن والبدانة التي ينظر إليها السقيم الجوعان على أنها نعمة وعلامة صحة وعافية، وقد ينظر إليها غيره على أنها تشويه لجمال الأجساد و منظر غير مقبول فقط، ولا يفطن إلى خطورتها إلا الذين زحفت السمنة على أجسادهم وزادت أوزانهم زيادات كبيرة ووقفوا مكتوفي الأيدي أمام هجومها الكاسح غير قادرين على إيقافه رغم محاولاتهم العديدة والمتكررة، ولهاتهم المستمر وراء كل أنظمة الحميات التي تروج لها وسائل الإعلام ومراكزالتجميل ومصحات الرشاقة، وتجريبهم كل الريجيمات والعلاجات والأدوية المكلفة، فتراهم يقضون ساعات اليوم بكاملها في التنقل بين الجاكوزي وحمامات السونا والبخار، والتدليك، وجلسات الشفط والعناية بالقوام والرشاقة ، وكل وسائل التعذيب، من عمليات التجميل والتجويع، التي‮ ‬يتسولها البدناء من اجل التماثل مع الاخرين النحاف والانسجام مع ما‮ ‬يطرحه العالم الصناعي‮ ‬من موضة وغذاء وانماط رجيم تستعبد البشر وتأطرهم‮ ‬وتقولبهم جميعا لكي‮ ‬يتناغموا مع شروطها‮.‮ و‬ترى فاطمة داعوق باركر، اعلامية ومتخصصة في‮ ‬احد فروع علم النفس ورئيسة لجمعية "‬الرضا عن الذات" ،،،،،أن هذا العالم قد خلق فئات مريضة ومتجاوزة لحدود طاقتها وقدراتها تلهث ليل نهار للسير مع القطيع النحيف‮،. ‬وحسب فاطمة فإن عمليات التجميل من اجل النحافة والتشبه بالفنانين والمشاهير تخفي‮ ‬شخصيات مريضة نفسيا ومسلوبة الارادة‮، كما يشير إلى ذلك المفكر الالماني‮ ‬هربرت ماركيوز في‮ ‬كتابه الشهير‮" ‬الانسان ذو البعد الواحد‮ " ‬وكيف أن المجتمع الرأسمالي‮ ‬الصناعي‮ ‬وفي‮ ‬سبيله الى الهيمنة والتحكم في‮ ‬المصائر البشرية قد انتج البشر المتماثلين الذين‮ ‬يسهل اقتيادهم واقناعهم وجرهم الى العالم الاستهلاكي‮ ‬الواحد، مما افقد البشر قدرتهم على الاختيار الحر او النقد او المعارضة‮.‬ ‮ ‬
لقد إنتشرت السمنة كالاخطبوط بين الأطفال والرجال والنساء في عالمنا، حتى أصبح عدد الأشخاص الذين يعانون منها مساويا لإولئك الذين سبب نقص الغداء في هزال أجسادهم، والجوع في هلاك أبدانهم. فحسب دراسة علمية أعدها " معهد مراقبة العالم " الموجود مقره بواشنطن " أنه بينما إنخفض عدد المصابين بنقص الغداء إلى 1،2 مليار فإن عدد المبتلين بالسمنة المفرطة إرتفع إلى الرقم نفسه.
إنه يصعب قهر مشاعر الأسى، وكبح أحاسيس الحنق أمام بؤس ومعاناة الفئتين معا وهما يحاولان عبثا التأقلم مع أوضاع بائسة مفروضة، ولا يبقى أمامنا نحن إلا أن نحزن ونشفق على من قسا عليهم الدهر سمنة أو هزالا. فزيادة الأوزان ونقصها ناتجة عن سوء التغدية على حد سواء، فالجوع المؤدي إلى السقم، والبطنة المفضية إلى زيادة الوزن يشتركان بإعتلال كبير في صحة المصاب بأحدهما وبعجزه الجسدي وبمعدل العمر القصير، وإنخفاض الإنتجاية لديهما وما لها من إنعكاسات خطيرة على التطور والتنمية، لذا تناضل فاطمة باركر في جمعيتها "الرضا عن الذات" من أجل إعادة اكتساب الثقة بالنفس وخصوصا لدى البدناء المقصيين عن الصورة الإعلامية والإعلانية لصالح النحفاء‮ ‬،‮ ‬وتهاجم فاطمة وسائل الحمية و أدوية التخسيس وعمليات الشفط والتجميل وتقول إنها نجحت قليلا و أخفقت كثيرا وتسببت في‮ ‬عذاب وموت الكثيرين‮،‮ كما حدث مع الممثلة المصرية المقتدرة سعاد نصر رحمة الله عليها. ‬فلا العمليات‮ ‬أراحتهم ولا هي‮ ‬أوصلتهم إلى درجة مقبولة من الثقة بالنفس والرضا بما منحهم الله من أشكال لا قدرة لهم على تغييرها.‮‬ فاطمة باكر تطالب بان‮ ‬يتصالح الناس مع أجسادهم ويتوقفوا عن معاداتها وتعذيبها لإرضاء نمط الاستهلاك والاستعباد والاستلاب والموضة، وتنصح النساء خصوصا بإعادة النظر إلى انفسهن وتقديرها وتعزيز سعادتها و أمنها بعيدا عن وسائل الدعاية والصورة النمطية الواحدة والمتماثلة التي‮ ‬يراد تكريسها للمرأة..‮