طرق وعرة بين الكوتا ووثيقة الزواج



عفراء الحريري
2008 / 9 / 23

يمر الطريق الواصل الذي قطعناه لكي نصل إلى نظام الكوتا بكثير من مشاهد ووقائع الخراب والهدم للمرأة الانسان، والدليل ق. الأحوال الشخصية، نصوص ق. الجرائم والعقوبات. وكنا نظن بأنها ستظل على جانبي الطريق، وسنتمكن في القريب العاجل نزع أبوابها الحديدية، لكن احلامنا أُحرقت، وقفزت الى السطح غارة سوداء مجسدة في نموذج "وثيقة الزواج" الصادرة من وزارة العدل متضمنة سلاح جرثومي يصيب المرأة وحدها بالإعاقة التامة، حيث ألغيت خانة توقيع المرأة عليها والاكتفاء بتوقيع ولي الأمر، في حين أننا ما نزال نعاني من وعورة الطريق بموافقة ولي الأمر وحده على الزواج دون الأخذ برأي المرأة: كهله، شابة أو طفلة.
هذه الأرضيات الوعرة تكومت فوقها مصائبنا نحن النساء في جميع طرق الأمل للمشاركة في التنمية ومناهضة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، وقبل أن نناضل للحصول على بقايا أثار مقاعد في البرلمان، أو كراس بأرجل عرجاء في مرفق أخر، أو في مطبخ يمتلئ بمواد غذائية متعفنه وحطام صحون وفقا لنظام الكوتا الموعود، ويبدو بأنها لن تغير شيئا من مصائب الطريق الوعر بنسبة 15% فقط .
كل شيء في بلادي يشهد على الرحيل المباغت للمرأة وعلى العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي الفوضوي للمد الجديد الذي لا أ ظن له علاقة بمبادئ الشريعة الإسلامية وديننا الحنيف، الذي كرم الانسان " رجل وامرأة ".
إذ لن تنجو المرأة من هذا المصير المباغت والصعب حتى وردة الدفلة في الجنوب وزهر القرنفل في الشمال وغيرها من الأشجار والشجيرات حتى وأن كانت شائكة – وأعني بها النساء من مختلف الأعمار؛ فأن كان جميع الذكور مازالوا لا يؤمنون بدور المرأة، فهي ما تزال تزين الأرض وتحيط بالمساكن تضفيها جمالا وتحدد ملامح الحدائق وتزيدها بهاءا، حتى هذا الدور يتضح بأنه سوف يلغى وكل ذلك لن يبقى منه سوى صفوف من السواد والرماد ، في حين أننا نعتقد حسب أقوالهم وأقوالهن أن الكوتا لا يضاهيها علاج لمصائب الطريق الوعرة لحيويتها وثرائها وجمال ما ستحققه لنا، هكذا خدعونا عن الكوتا - بقولهم وقولهن حسناء – وهاهي صورتها الآن قبل أن تولد وتكون، إذ ماذا تبقى ؟ وماذا لم يتبقى لنا؟
كل موقع تحتله المرأة شكليا إلا في الندر اليسير جدا فقد دمر نموذج الوثيقة شأنها شأن الأمور الأخرى أوضاع كثيرة مازلنا نسعى دائما لتغييرها. ولان العلة فينا نحن النساء – وهذا اعتراف مخزي – ظلت المصائب و الطريق الوعرة، ربما بمزيد من الاملاءت الذكورية والأحكام النصية القانونية والقرارات لأننا نقبل الانحناء في مفترق الطريق الوعر، لم نستطع الاتحاد ولم نتفق حتى في أن نرى سرب وردي وأبيض من طيور الفلامنجو والحمام والبجع، ليسافر ويغني، ولم نبصر أجنحة الفراشات وهي مجتمعه تضرب بأجنحتها لتعيش، وسرب عاملات النحل يعمل بجد واجتهاد وينتج، كل هذا الجمال لم نلوذ به. توقفنا لننصت للذكر لكونه سي السيد ، ولي الأمر، الحاكم ، الإمام ....إلخ وهو يرعانا كقطيع غنم وماعز.
على الرغم أن كل ذلك الجمال الذي خلقه – المولى عز وجل – هو دور من أدوارنا القيمة والنبيلة يمكننا القيام بها عوضا من أن نستخدم في مرعى الوطن كماشية معظمها مسروقة وفي كل مكان راعيها لا يغيب عنها أبدا .
بالطبع ماشية، مع اعتذاري لبنات جنسي من النساء، لان الحقول تظل مهجورة إن أستمر جهد النساء مبعثرا في الرأي والكلمة والتفاعل والنشاط ، إذ أن الماشية المسروقة من مواقعها ومناصبها وأدوارها مازالت وستظل منظمة من قبل الذكور لأنها مصاحبة لأعمال التدمير التي ستلحق بالنساء وبالتالي لابد بأن تنعكس على البلاد .
فالنساء الباشقات ينبغي أن يكن كأشجار الغابات بغض النظر عن نوعها صنوبر ومريمرة .. وغيرها عليهن أن يكن متراصات، متقاربات ، متفقات ... ، غير متناثرات، فهن بذلك الشأن يصفن نظيراتهن من الشابات والفتيات الصغيرات " الشجيرات " لتعرض أجمل الفروع القوية ، الصلبة فتفرض ذاتها بقوة نموها وتشبتها بالأرض، فلا تشج ولا تقطع ولا تبتر، تتكاثف وتقترب، تسطر رفضا وتصيغ غضبا واحدا متحدا متفقا عليه – ولتكن ما كانت تسميته – بيانا ، منشورا ، مظلمة ، شكوى ، اعتصام.. كي يصبح الطريق الوعر قصيرا، سهلا ، منبسطا ، متسعا .. لنسير فيه معا فوق رؤوسنا ورد الدفلة وزهر القرنفل وورد الفل وفؤوس ومعول وعصي أن تطلب الأمر حينها سنقاوم اشتداد حرارة الشمس وعثو الرياح.
فنحن الكنوز النفيسة التي تنجب لعمار الوطن ونحن الأشجار الشامخة العالية التي تعطي الثمار لغذاء الأرض وتنتج الأخشاب لبناء البلاد، أما الفعاليات المنفصلة لنساء منفصلات – وأنا مثلكن - لن تجدي في أي شيء وكل شيء، بل ستزيدهم عبثا بنا وبكل دور نؤديه وسيظل الذكور يمنحونا فتات أفكار وبقايا قماش ممزق وافد من مكان ما، ويعيدوا خياطته وتطريزه ويرموه صدقة علينا لأنهم يعلمون سلفا أن الطريق وعر (فالكوتا منحة منهم وأدق خصوصيات علاقاتنا الزوجية في ق. الأحوال الشخصية مسلوبة وإنسانيتنا منهوبة في ق. الجرائم والعقوبات ودخلنا الوظيفي ودرجاتنا فيه يجعلنا أشباه متسولات) مازالت كلها تخضع لما يختاروه من أسلوب للسفلتة وذلك ما يجعلنا في أيديهم قش لترقيع حوائط بيوت شيدوها هم ولا أسقف لها وحفنة قشرة برا وذرة لعصيدة غذائهم أيضا ... فأي قضية صغيرة أو كبيرة تخصنا بوسعنا أن نجعلها كل صباح وقبل طلوع الفجر طريق لسيرنا ونصطف أشجار متلاصقة ، متوغلة في بطن الأرض ، شامخة ترنو إلى السماء مورقة بفروع طرية قوية أن بتر أحدها نبتت فروع مثمرة وناضجة وحولنا عشب وورد وزهر وعلى جذوعنا تصنع النحل خلاياها وعسلها وتبني الطيور أعشاشها وفوق العشب حولنا تخيم الفراشات.
ولن يكون الطريق وعرا بين الكوتا ووثيقة الزواج لان كل ما في الطريق والغابة وكل الأرض لا يصلح إلا بالجنسين ذكورا وإناث وهكذا خلقنا الله – عز وجل – فليست هي مشيئة الذكور لقوله المولى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالا ونساء ، واتقوا الله الذي تسألون به الأرحام ، أن الله كان عليكم رقيبا ) .