الأرملة العراقية في الهاوية ( الجزء الثاني )



إبتهال بليبل
2008 / 11 / 13

هناك مقولة أعجبتني حقيقةً تقول " أن الشيء الواحد يجمع بين النفع والوجع.. قوة الضوء مثلاً تبهر النظر، الشمس المتوهجة صيفاً تصهر وتضر، والشمس الدافئة شتاء تسري وتسر.. كثرة الطعام تفضي إلى التخمة القاتلة، وعدمه يؤدي إلى المجاعة والفجيعة. النهر الهادئ يمرع وينفع، والنهر الفائض بمائه يغرق ويُسلم إلى كارثة.. الزيادة كالعدم محصلتهما واحدة "
لا شكّ في وجود شكلاً من أشكال السكوت على معاناة الأرملة العراقية ، رغم أنّ مجتمعنا يتعاطف معها ومع معاناتها، والسائد لهذه القضية لا مفر منه ، محاولة تخليصها من تلك المعاناة ليست فقط شعارات ، بل يجب أن يكون هناك اتّجاه حاسم وجملة من المواقف وقوى لست معنية بالسلطة فقط بل اجتماعية وأيديولوجية ..
الأزمة.. اليوم في ذروتها..لا يتأتّى هذا الميل من تبدّل في الظروف والأوضاع التي اعتلت واقع المرآة العراقية ، بل هو نتاج سنيين طويلة .
فالتخلص من نمط الحياة المجحفة التي تعيشها الأرملة ، يحتاج إلى حركة عارمة ، وهذا إذا تخلصنا من اللامبالاة التي تخفي وراءها الكثير من الحقائق والصور..لقد قطعت المرآة العراقية أشواطا في طريق المعاناة والصبر والتضحية ..ووصلت إلى مرحلة العوز ورمي ما قدمتهُ من تضحيات خلف جدار مهترىء على الزمن ، ربما ، يزيح ما عليه من غبار، كل المراحل التي مرت بها المرآة العراقية من النظام السابق إلى الاحتلال الأمريكي وآخرها معايشة المحن المفروضة على البلاد ... خلقت من جراء مراحل النظام السابق كانت أولها ( مطاردات النظام لمن لا تتماشى أفكاره مع أفكاره ، زجهم في السجون وتعليقهم على أعواد المشانق من نساء وشباب ، شيوخ وأطفال ، مرحلة عصيبة ولٌدت الرعب والخوف ) تلتها مرحلة الحروب والتي استنزفت شباب العمر ومرحلة الحصار والكفاف والجوع والأمراض ، راح ضحيتها الكثير من أبناء شعبنا ، ومن بعدها مرحلة الاحتلال والقتل العشوائي وووو ..
وتحوّلت المرآة العراقية إلى مربّية ماشية وقت ما يحتاجون منها الزوج والابن والأخ يقولون إليها ( هل من مزيد؟ ) وأفضت حياتها إلى كومة من الأوجاع والذكريات المؤلمة وتشعبت في نفسها وروحها المهانة والذلة والظلام الذي وجد رغما عن أنفها ، أنه تدفع ثمن السياسة التي رخصتها وباعتها برخص ؟؟؟ ولا نستطيع ذكر رخص التراب لأني لا أتوقع يوجد أغلى من التراب ...
إنّ الواقع الذي نعيشهُ يتّسم بهشاشة مفرطة وغريبة بين ما قدمتهُ العراقية وبين الذي طالما تفادت المطالبة الصريحة به ، ولم تُطرح قضيتها ومعاناتها كقضية إلا للمناقشة فقط.... نحن اليوم في غفلة تامة من واقعها..
إنّ العوز هو واقع المشكلة التي تعانيها الأرملة العراقية ، وإذا تُركت ، أي إذا ترك الأمر للزمن ، ستحلّ أمور ربما نحن في غنى عنها وطبعا هذه الأمور هي وليدة فراغ التشريع القانوني أو الدستوري للأرملة ، أي بمعنى آخر: إذا تخلّت الدولة أو تناست مهمّتها تجاه وضع الأرملة في الحياة الواقعية، بالموضوعية التي تسمح بها بتطوير إنجازاتها ووضع حلول قانونية وتشريعية ...
لقد خلقت الأوضاع التي أفضت إليها التجربة العراقية إن المرآة العراقية هي أساس يمس كيان الفرد العراقي وهي التي تدعم وتؤثر في بناء الدولة طيلة السنين الماضية..