المرأة في البرلمان



كاظم الحسن
2008 / 11 / 20

التجربة الديمقراطية الفتية في العراق ما زالت في اطوارها الاولى وهي تحث الخطى وسط بيئة وحاضنة لا تظهر القبول والرضا لها بسهولة، ومن الطبيعي ان الاطراف التي تعيش هذا المخاض التاريخي تعاني من الكثير من المصاعب والتحديات، ومن ضمنها المرأة العراقية التي عاشت في حالة اقتران شبه دائم مع ارث وتداعيات انظمة اختارت الحروب ستارا لها.

وفي مرحلة التأسيس في الحياة السياسية العراقية، ما بعد التغيير التي تعد الحجر الأساس لمستقبل العراق وآفاق تطوره، من هنا، تأتي اهمية دور المرأة في البرلمان وكذلك نشاطها عبر المنظمات النسوية من اجل اشراكها في القرار السياسي والاجتماعي لكي يتم ارساء معالم الديمقراطية والحرية في البلاد.

ان المرأة في العراق، تتقدم بكل تفوق ونجاح الى قمة الهرم السياسي وفي كثير من ميادين العمل وتثبت كفاءتها وجدارتها وتلقي بظلال الشك على الكثير من الاوهام والاباطيل التي تقلل من شأنها ونجاحها في هذه التجربة سوف يضفي على السياسة والثقافة الذكورية الكثير من الليونة والنعومة وقد تظهر بقايا العنف في البنية الاجتماعية والسياسية ولا شك ان بروز المرأة وتفوقها كان نتيجة افول انظمة الحكم الدكتاتوري وانتشار الديمقراطية في العالم، فمن خلال السلام الديمقراطي توجت المرأة بأعلى المناصب السياسية وهذه شهادة عن قدرات وطاقات المرأة الخلاقة التي حبسها التاريخ طوال قرون مظلمة، وكانت سريلانكا في العام 1960 أول دولة في العالم تتولى رئاسة الحكومة فيها امرأة هي باندرا نايكا.

ولاجل تسليط الضوء على دور المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية ومعرفة مدى التحديات والمشاكل التي تعترض طريقها، كان لجريدة الصباح هذا اللقاء مع عدد من الاكاديميات في جامعة بغداد، اللواتي اتفقن على ان صوت المرأة في البرلمان ما زال مقيدا بفعل بعض القوى والكيانات السياسية التي تحاول الاستئثار بالنفوذ السياسي للمرأة، اما على صعيد المنظمات النسوية، فلقد اختلفت الآراء ما بين من تراها كمنظمات خيرية والبعض الآخر تراها غير فاعلة ولم تخرج عن الشعارات.
العقل الجمعي والمرأة

تقول الدكتورة اسيل عبدالستار / قسم التاريخ / كلية التربية ابن رشد/ جامعة بغداد:

ان الوصول الى البرلمان لا يمثل قمة الطموح السياسي للمرأة العراقية لا سيما المثقفة بل هو ربما الخطوة الاولى التي تمكنها من صعود السلم السياسي في بلد يفترض ان يعيش واقعا ديمقراطيا متاحا للجميع وعليه فان تقسيم المجتمع سياسيا الى ممثلين عن الرجال واخريات عن النساء، حالة لا تخدم التطور الاجتماعي وآفاق المرحلة الديمقراطية الا ان ذلك لا يعني ان البدائل المتاحة هي الافضل في الوقت الحالي.
واضافت، ان نظام الكوتا برغم تحفظنا عليه، الا انه ضرورة يفرضها الواقع الراهن للعراق وهو يعاني من فوضى اجتماعية خلقتها الظروف السياسية الموروثة والمعاصرة وبالتالي نحن لا نحصر همنا في وصول المرأة او عدم وصولها للبرلمان بقدر تركيزنا على انتزاع الحقوق السيادية للعراق.

العقل الجمعي للمجتمع لا يفكر حاليا بالحقوق السياسية للمرأة قدر اهتمامه وانشغاله بقضية السيادة وربما على المرأة ان تفكر في انتزاع حقوقها ولا تنتظر منحة من احد.

وأكدت ان دور البرلمانية لم يكن الا صدى ضعيفا للخلفية الايديولوجية للكتلة التي انبثقت عنها والدليل ان بعض الكتل السياسية اشترطت في المرشحة للبرلمان ان تكون بمواصفات قريبة من معتقد ذلك الكيان.
وبشأن دور المنظمات النسوية في تغيير واقع المرأة، اشارت الى ان هذه المنظمات، تراوح في مكانها ولم تبشر بافكارها وانشطتها الا ضمن وسط ضيق ينحصر في خيارين لا ثالث لهما فهي اما منظمات مدنية لها اهداف سياسية ودينية، ذات طابع خيري ينحصر في المناطق الشعبية او منظمات تعد نفسها ليبرالية لا تنشط الا في وسط مرفه وبعيد عن الواقع الفعلي للمرأة المثقفة والعاملة وان الواقع الفعلي للمرأة المثقفة والعاملة وان بعض المنظمات ينحصر دورها في اقامة الولائم والمآدب.

حبذا لو قامت تلك المنظمات بالدعوة العلنية في وسائل الاعلام لموعد وتاريخ الندوات التي تعقدها، من اجل حضور اكبر عدد ممكن من المهتمين بالواقع الفكري والاجتماعي والسياسي للمرأة ولا ضير ان تستضيف باحثين وباحثات متخصصات لالقاء سلسلة من المحاضرات المفيدة وبما يساعد على احداث نوع من الحراك السياسي والفكري للمرأة فضلا عن اقامة بعض الدورات لتعليم اللغة الانكليزية وغيرها من اللغات، وكذلك الحاسوب وغيرها من الانشطة المعرفية.
المرأة والشعارات

اعربت الدكتورة سولاف فيض الله، قسم التاريخ / كلية التربية / جامعة بغداد، عن افتخارها واعتزازها بالمكاسب السياسية التي حصلت عليها المرأة من خلال نظام الكوتا الذي يخصص لها نسبة (25 بالمئة) من نسبة المقاعد في البرلمان، وهو تطور لافت ونوعي للمرأة لا يمكن الاستهانة به او التقليل من شأنه فيما لو تم تفعيل دورها بالشكل الذي يتناسب مع حجم حضورها في البرلمان.

واضافت: ان المرأة اكثر احتكاكا بالمجتمع من الرجل من خلال وظيفتها وعملها المتعدد على اكثر من صعيد سواء في المنزل او مكاتب العمل، وهذا اتاح لها رؤية الحياة بشكل واقعي، ولقد تحملت المرأة المزيد من اعباء وازمات الحياة التي رافقت العراق على امتداد اكثر من ثلاثة عقود، من حروب ومآس، وصراعات سياسية تركت آثارها المدمرة في مختلف زوايا ومناحي البلد واصبحت من جرائها اكثر قوة وصبراً وتحملاً وهي تواجه المحن المترادفة التي تنهل عليها كالمطر، ولذلك نجدها تخرج بحلول شافية للكثير من جراح ابناء البلد.

واشارت الى اهمية انخراط المرأة في المنظمات النسوية لكي تدافع عن حقوقها السياسية وتشكل رصيدا قويا للرجل في نضاله من اجل تقدم البلد وازدهاره، الا ان نشاط هذه المنظمات يبدو محدودا وخافتا وان اغلب المؤتمرات والندوات النسوية محصورة بين اعضائها ونفاجأ من خلال الاعلام بوجود نشاط لهذه المؤسسات تخص المرأة، واغلب ما تتداوله المنظمات النسوية لم يتجاوز الشعارات والمؤتمرات غير الفعالة التي لم تقدم شيئا ملموسا وتخرج بنتائج غامضة.
واوضحت، ان وجود المرأة في البرلمان شيء ايجابي لها الا انها لم تستغل حضورها بما يكفي، ومن النادر ان نسمع صوتها وهي تدافع عن حقوق المرأة او في قضايا تخص البلد، وهذا يعود اما الى انهن غير كفوءات بالمناصب التي وصلن اليها او استئثار الكتل والكيانات السياسية بهذه الاصوات لصالحهم بل نرى البعض يقفن ضد حقوقهن السياسية.
الهيمنة الذكورية

تعتقد الدكتورة رجاء زامل / قسم التاريخ / جامعة بغداد، ان المرأة استطاعت ان توصل صوتها الى البرلمان وتحقق حضورها الفاعل، على العكس ما كانت عليه في العهد السابق، اذ كان دورها محصورا في منظمات تابعة للحزب المهيمن على السلطة وهن يصلن عن طريق الحزب حصرا ولكن في الوقت الحاضر الامر مختلف ولقد اصبح المجال مفتوحا لكل النساء على اختلاف المستويات الثقافية وهذا يمثل نجاحا نسبيا في العملية السياسية ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التجربة العملية اذ نرى الاثر الفعال الذي تركته المرأة في مجالات العمل المختلفة.
واكدت اهمية وجود المنظمات النسوية، منذ التغيير حتى الوقت الحاضر، وهي خطوة جيدة من ناحية العدد والنوع والدور الذي يمكن ان تلعبه المرأة في هذا الوقت الحرج من تاريخ العراق من اجل تغيير الواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة ويمكن ملاحظة هذا التأثير ولو كان طفيفا من خلال دور هذه المنظمات والمؤسسات التي تقوم برعاية الأرامل والايتام، وهذه الخطوة يمكن ان تعطي بعض الامل لهن، وهويشكل بدوره نجاحا اوليا في تغيير الواقع الاجتماعي للمرأة.
وبشأن نظام الكوتا في البرلمان، اوضحت: ان هذا النظام لم ينصف المرأة، اذ ان العدد المخصص للمرأة في البرلمان من الناحية النظرية لا يمكن ان يتناسب وعدد النساء في العراق وهو بذلك لا يستطيع تحقيق النجاح في تمثيل البرلمان لجميع النساء في العراق ولكن برغم ذلك فان المرأة قادرة على العمل في البرلمان بشكل فاعل مع قلة العدد فيما لو توفرت لها الامكانات والظروف المناسبة من خلال التعاون مع المنظمات النسوية خارج البرلمان لتحقيق طموح النساء على اختلاف المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك لابد ان تكون النائبة في البرلمان او المنظمات النسوية بعيدة عن هيمنة وتأثير الكتل والكيانات السياسية، لكي لا تستنزف طاقتها وحقوقها وطموحاتها في قضايا جانبية لا تهم مستقبل ومصير المرأة.
المرأة والعمل

تعتقد التدريسية نادية الشمري / قسم التاريخ / جامعة بغداد، ان دور المرأة في البرلمان لم يكن مؤثرا وذلك لانها مسيّرة من قبل كيانات وقوى سياسية صادرت طموحها وصوتها وافرغت وجودها السياسي من محتواه، لان التمثيل النسوي في البرلمان لم يعط حرية للمرأة، واذا علمنا قوة ونفوذ تلك القوى بالقياس الى الصوت النسوي سوف نرى ان الفارق اصبح كبيراً.

ولكن برغم ذلك فان العمل يشكل حيزاً مهماً لاستقلال المرأة المعنوي والمادي واتخاذ القرارات ويمنحها هامشاً من الحرية في الرأي من دون تردد او خوف ويعزز الثقة بالنفس ويعطيها خيارات افضل ويحررها من الشعور بالخوف والخذلان نتيجة احساسها بالتبعية والتحكم من قبل الرجل، وان ارتباطها بالمصلحة العامة يحررها من الكثير من القيود التي تحد وتعطل من نشاطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ان شعور المرأة بالأمان وقدرتها على تحقيق الاهداف التي تسعى اليها ومن ضمنها الاسرية والعامة يجعلها قادرة على الابتكار والابداع في مجال عملها ولكن هل هذا الشيء يتحقق بلا عوائق وقيود او اعتراضات او تحديات؟ سواء من النساء او من الرجال مع علمهم ان هذه الاقتراحات ايجابية وتنفع المؤسسة التي تعمل بها.
فهل يعود ذلك الى عدم الايمان بقدرة المرأة او الخوف من منافستها لهم في هذه المجالات.

وقد يكون فشل هذه المجتمعات يعود الى حبس طاقات الافراد على اختلاف جنسهم، وهذا من شأنه ان يجعل تلك المجتمعات راكدة ومشلولة ويسودها التشتت وعدم الانسجام في الآراء والافكار الى حد الاصطدام والتناحر.
وبشأن دور المنظمات النسوية بعد التغيير، اشارت الى ان هذا الدور لا يلبي الطموحات التي نأمل ان تتحقق ذات يوم، وهي تطلعات وآمال مشروعة اذ لابد ان تعمل المرأة في اكثر من مجال في سبيل تأكيد حقوقها السياسية سواء في البرلمان او من خلال المنظمات النسوية وفي اي مجال آخر مشروع يمنحها القوة والقدرة في تثبيت وجودها وحضورها بشكل مؤثر في الواقع واحداث تغيير يصب في خدمة المجتمع.