نحو إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة/ ميراث المرأة..... بين الفقه والواقع



محمد عبد الفتاح السرورى
2008 / 11 / 22

الميراث.... في صدر الإسلام:
تقول لنا كتب التفاسير أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقي الحروب وقاتل العدو .... وعلى هذا الأساس فلم يكن للإناث ولا للأطفال نصيب من الميراث .... حيث لا بد ممن يحوز الميراث أن يمتطى ظهر الفرس ويحوز الغنيمة ولقد صدق الأستاذ خليل عبد الكريم حينما وصف ذلك بأنه "معيار يدل على البداوة ويؤكد أن الغنائم هي همهم الأول وشغلهم الشاغل". وهذا الأمر يكاد يكون مثبتاً في كتب التفسير وشرح أسباب نزول أية المواريث حيث روي الترمذي وأبو داوود وأبن ماجه والدار قطني عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع قالت يا رسول الله. إن سعد هلك وترك بنتين وأخاه فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وانما تنكح النساء على أموالهن، فلم يجبها في مجلسها ذلك. ثم جاءته فقالت يا رسول الله . ابنتا سعد؟ فقال رسول الله (ص) (أدع لي أخاه) فجاء فقال له (ادفع الي ابنتيه الثلثين وإلى إمراته الثمن ولك ما بقى) فنزلت آيه المواريث يتضح مما سبق أن وضع المرأة عند بدو الجزيرة العربية كان وضعاً دونياً (وهو لا يزال كذلك عند بدو القرن الحادي والعشرين سواء في شبه الجزيرة العربية أو في غيرها) حيث يدل الموقف السابق على أن حاله سعد بن الربيع أنما تمثل نسق في المعاملات فما أن توفى سعد إلا وذهب أخاه ليستولى على ميراثه تاركاً ابنتيه وزوجته بلا نصيب مما تركه وليهم وهو لم يكن يفعل ذلك الا اذا كان هذا هو التصرف المعتاد في مثل هذه الحالات وبطبيعة الحال لم تجد زوجة سعد بدا إلا أنه تذهب إلى رسول الله (ص) شاكية له حالها وحال بناتها بعدما تركهم عائلهم بلا مال...
ولكن لا يجب أن نرحل عن هذه الجزئية دون أن نعلق على ما قالت زوجة سعد بن الربيع حينما قالت (انما تنكح النساء على أموالهن) وهو القول الذي لم يستنكره رسول الله عليها حينما تلفظت به وهذا معناه أن (الرجال) حتى بعد أن دخلوا في الإسلام ظلوا كما هم قد ينكحون النساء رغبة في أموالهن فنعم الرجال كانوا؟!.
وهناك ملاحظة أخرى لا يجب أن نغفلها قبل أن نترك هذه الجزئية من رصد لحال ميراث المرأة قبل الإسلام هذه الملاحظة خاصة بآية المواريث وذلك بأنها مثلها مثل كثير من أي القرآن الكريم لم تنزل على رسول الله (ص) قبل بدء حادث أو تجنباً لوقوع محظور بل نزلت لظروف غيبية عن النبى حيث تمثل ذلك فى وفاه أحد اتباع النبي شهيداً فوقع التصرف العرفى من جانب أخيه استلزم فعل من جانب زوجة الشهيد استتبعه رد فعل من النبي الخاتم مؤيداً بالنص السماوي وفي هذا تبيان أن آيه المواريث في حد ذاتها لم تنزل كتشريع مستقل أو في سياق تأديب وتهذيب لسلوكيات البداوه وتقاليدها آنذاك بل هي نزلت حلاً لعارض لم يحسب له النبي حساباً وفي هذا الأمر يطول الكلام ولكن حسبنا أن كل لبيب الإشارة يفهم كما يقول المثل البليغ.
زغلول النجار نموذجاً
على صفحات جريدة الأهرام الوقورة (وهي وقورة بالفعل) كتب الدكتور زغلول النجار مقالاً تحت عنوان عام (من أسرار القران) وقد وضع في صدر مقاله الآية الحادية عشر من سورة النساء (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وصال بنا الدكتور زغلول وجال في ثنايا معاني الآية موضحاً لنا الحكمة البليغة من هذا الحكم الذي نزل للسبب الذي أسلفنا توضيحه يقول الدكتور زغلول "من القضايا التي حسمها القرآن الكريم حسماً قاطعاً قضية المواريث"، وذلك لأن المال الموروث مات عنه صاحبه ويتصور كل فرد ممن كانوا محيطين به أنه أولى الناس بهذا المال وهنا يلعب الشيطان دوره الخبيث في الإفساد بين أشد الناس قرباً ولذلك حسم القرآن الكريم هذه القضية الشائكة بأمر من الله تعالى الذي يعلم كل شئ) وفي الحقيقة أنا أتفق تمام الاتفاق مع الدكتور زغلول النجار في قوله بأن الله يعلم كل شئ ولكن الدكتور زغلول لم يوضح لنا وهو بكل تأكيد يعلم ظروف وأسباب نزول اية المواريث لماذا والله يعلم كل شئ لم يبادر الخبر الإلهي بنزول الآية قبل سؤال زوجة سعد بن الربيع ولماذا والله يعلم الغيب والشهادة كان انتظار حدوث واقعة الاستيلاء على أموال اليتامي فلماذا أنتظر الوحي السماوي هذه الواقعة وجعل منها حجة في تقسيم الميراث؟ والفرق كبير في المعنى والمبني الفرق كبير في متن الحكم حين يأتي سابقاً على واقعة منشئاً لحكم وبين أن يأتي حلاً لمعضله أو رداً على سؤال وبيان الفرق هو أن الحكم عندما يكون رداً على تساؤل فانما يكون خاصاً بصاحب السؤال ويكون اللفظ والمعنى مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً لا تنفصم عراه من مجمل ظروف وملابسات الواقعة محل السؤال والاستفهام ولكن فقهاء المسلمين (السلف) وهم من غير ذوى( الوحي) قطعوا الطريق على المجددين من الخلف بوضعهم قاعدة صارت بتقادم الأيام في حكم القواعد المقدسة حتى أظن أن قد ارتقت وصارت (تابو) لا يمكن الحيدة عنه والقاعدة الفقهية التي أقصدها هنا هي قاعدة (أن العبره بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب) والدخول في حوار ومناقشات مع الفقهاء والمفكرين المؤيدين لهذه النوعية من القواعد الفقهية هو حوار ميئوس منه فنحن وإياهم طرفي نقيض هم يقفون على أعتاب الماضي لا يرغبون منه فكاكاً ونحن نرنو إلى المستقبل لا نقبل بغيره هدفاً وأملاً..... المشكلة ها هنا أن مسألة مثل الميراث لا تخضع للأهواء الشخصية والمعايير الفردية في إقامة أوامر ونواهي الدين مثل غيرها من الأمور التي وأن كانت محل خلاف ألا أنها في نهاية الأمر أمور متعلقة فقط بأصحابها مثل الزي وغيره من الشعائرالتى لا تلزم إلا صاحبها .... ولكن قضية مثل قضية (ميراث المرأة) وإصرار الفقهاء على الثبات على (نص) الحكم فيه دون النظر لأي اعتبارات أخرى لا يخضع لها أصحابها فقط بل ينطوي تحت لوائها كافة النساء سواء رغبة في تطبيق (نص النص) عليهن أم رفض لأن المشكلة هنا تتعلق بصياغة قانون عام وليس زي او سلوك خاص لا يملك أحد فرضه على غيره من احاد الناس
ولم يكتفى الدكتور زغلول النجار بطرح وجه نظره دون أن يمارس الهوية المفضلة لدى عموم رجال الدين (أي دين) والهواية المرصودة هنا هي (السباب) أن أفهم أن يصدر السباب من رجال السياسة أو رجال الرياضة أو أي مجال أخر أما أن يصدر من علماء الدين (مع التحفظ على كلمة علماء وذكرهم هنا بوصفهم علماء أنما لانهم يجوزون بعض العلم أيا كان رأينا فيه وفيهم) أقول أنه من غير المقبول أن يصدر من هؤلاء الناس لفظاً فيه سباب للآخرين فعندنا يصف زغلول النجار المخالفين في الرأي بأنهم (شياطين الأنس) فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً فالذين يفقهون موقفاً مناهضاً لقضايا مثل شهادة المرآة أو ميراثها ليسوا من شياطين الأنس ولا من ملائكته ولكنهم بشر لهم من العقل والمرجعية ما لا قد يتفق مع الفقه المورث وقواعده وأسسه التي أسس لها بشر آخرين قد يأتيهم الباطل من بين أيديهم من خلفهم ولكن يبدو أن ثقافة السباب قد نالت حظها الوافر حتى من أناس يفترض فيهم الجلال والوقار.
ثم يذكر الدكتور زغلول النجار اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة) واصفاً إياها بأن فيها من المخالفات الشرعية ما لا يتسع المجال لعرضة وياليته عرض علينا هذه المخالفات والتي أظن أن لجميعها مخرجاً شرعيا من الشرع الذي لا يستنكف ان يعترف بسنة النسخ والالغاء والتعطيل والولاية لولي الأمر وغير ذلك من المخارج التي يقبلها الضمير الديني.
طوفان التناقض وأفاعيل الغيوبة
والسؤال ... إذا ساقت العقلية الدينية حجة ثم برهن الزمان ووقائع الأحداث على بطلانها ترى هل سوف تغير العقلية الدينية موقفها أم أنها سوف تثبت على حجتها بحكم ثبات (نص) المرجعية؟ أن طرحي لهذه السؤال أنما سببه هو ما ساقه الدكتور زغلول النجار من حجج على وجوب ديمومه الثبات على الحكم بأحقية الذكر في الاستيلاء على ضعف نصيب الأنثى من الميراث. ولتوضيح ما أقول أسوق لكم ما يقوله الدكتور زغلول النجار في حكمه الشرع من تضعيف نصيب الذكر وتنصيص نصيب الأنثى يقول الدكتور زغلول (التمايز في الميراث محكوم بقدر العبء المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين وهذا هو المعيار الذي يستوجب تفاوتاً بين الذكر والأنثى الأخوة والأخوات لان الذكر مكلف بإعالة زوجة أنثى بينما اعالة أخته الأنثى الوارثة هي فريضة على الذكر المقترن بها إذا كانت متزوجة وعلى اشقائها الذكور أن كانت غير ذلك)
والسؤال الذي أود أن أطرحه على الكتور زغلول ماذا لو كانت الزوجة هنا هي المعليه وليست المعالة لحالة مثل مرض الزوج أو الأخوة الذكور مثلاً هل يعد هذا مسوغاً لترث ضعف أخيها المعال أم أن النص في هذه الحالة أيضاً ثابت لن يتغير؟ المفارقة أن الدكتور زغلول النجار في النقطة السابقة على هذه الحجة يذكر في مقاله أن هناك حالات ترث فيها الأنثى أكثر من الذكر إلى أنه قد نقض ضمنياً حجته التالية بأن الأنثى دائما في كنف من يعليها لهذا أوجب لها الشرع الحنيف نصف الميراث فقط فبأي عقل يخاطبنا زغلول النجار؟! بل بأي عقل يخاطب نفسه؟! وليس هذا فحسب بل يزيد الدكتور في متناقضاتة وذك بأن هناك ما يزيد عن عشر حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل ....ياألهنا بأي عقل يفكر هؤلاء، وبأي منطق يحدثوننا...؟! إلا يقولون لنا أنها ترث النصف لانها دائما في الكنف والرجل دائما هو الكانف المكلف بالاعالة فكيف يسمح لها الشرع في موضع أخر أن ترث أكثر منه وقد تكون في كنف (رجل) يعليها بعد ميراثها ولو النصف الا يعد هذا الوضع غبناً وظلماً للرجل المكلف بالقوامه عليها؟ ولكن ماذا نقول في العقلية الدينية التي تقبل الشيء ونقضية في آن واحد.
وليس.. ختامه مسك
ثم يختتم الدكتور العالم مقاله بالهجوم على أزمنة التغريب وفي الواقع أنا لا أعرف في أي واقع يعيش الدكتور المذكور فنحن لا نعيش في أزمنة التغريب ولكننا نعيش في أزمة (االتديين) سواء كان (أسلمة) أو (نصرنه) ولو كنا نعيش فعلاً أزمنة التغريب ما استطاع هو أن يكتب مثل هذا المقال( الذكورى) ولا أن ينشره في جريدة فى حجم ومكانة الأهرام بل وينشر فيها أسبوعياً فعن أي تغريب يتحدث الدكتور النجار؟!
كلمة أخيره
وفي النهاية لنا كلمة ... أن موضوع وقضية ميراث المرأة (وجميع قضايا المرأة بصفة عامة) تحتاج لبيان أكثر وتفصيل أدق ولكننا في هذا المقام كنا معنيين بالرد على ما ذكره الدكتور زغلول النجار في المقام الأول.
ثانياً ... إن من يطالبون بإعادة النظر في مجمل أحكام الشريعة الإسلامية ومدى ملائمتها ومسايرتها للعصر الذي نحيا ليسوا من شياطين الأنس ولا يريدون هدم الدين هم يريدون فقط أن يكون الدين دافعاً للأمام أو على أقل تقدير غير مانع للتقدم على عكس ما يحدث دائما فما إن يظهر في الأفق بوادر تحريك لأي راسخ من الرواسخ الفقهية إلا ويهب في وجوهنا من يظنون أنفسهم حراس العقيدة واعين الإسلام الساهرة.
ومن الأهمية أيضاً أن نذكر في آخر مقامنا هذا أن الاتهام بالتغريب وغيرها من الاتهامات الجاهزة أصبحت لا محل لها من الأعراب فكثير من يحملون على عاتقهم محاربة هذا الراسخ السلفي هم من أبناء هذا الدين وابناء أوطانهم وليسوا خائنيين لله ورسوله ولو كانوا كذلك من عانوا من مرارة الواقع وقسوة الحياة وما دافعوا من أموالهم ثمن كتاب أو كلفوا أنفسهم عناء الكتابة. ويبدو أنه ليست المرأة وحدها هي التي تعاني من التمييز ولكن الذي يعاني منه أيضاً هو (الأخر المختلف) والذي يحتاج لاتفاقية عظمى تنقذه من سطوه هذه الأغلبية الصارخة في الميكرفونات والفضائيات ومن سخرية الواقع أن هؤلاء الأغلبية إذا خرجوا للخارج صاروا هم الاقلية وقد يؤيدوننا آنذاك في ضرورة وجوب احترام الاخر وذلك بحكم وجودهم هناك ولسوف نراهم يتحدثون حينئذ بلسان فقه الضرورة الذي نتحدث به الآن ... لنا الله واياك أيتها المرأة يا أم البشر.