المرأة والرجل (1) صابرة وزوجها الثاني



عبد الكريم عليان
2008 / 11 / 22

المرأة والرجل (1 )
(صابرة وزوجها الثاني)
الكاتب/ عبد الكريم عليان
والشاعرة/ هدلا القصــــار
هدلا القصار : لا يغركم النقمة في ظاهرة الطلاق فقد تكون نعمة في ابتلائها ...
أيها الأصدقاء الأعزاء: يا من لمستم وعرفتم معنى الآلام، اعلموا أنه حينما تجتاحنا أمواج المتاعب لكل حادث جديد ينتابنا فزعاً شديدا، وتفكيرا عميقا في كل ما حولنا .وعندما تهب علينا رياح الحظ رقيقة، نفكر في التمتع بروح نستمد منها سعادتنا .وحين تنتابنا المخاوف، نرى غضب السماء في كل تهديد، وتطن في آذاننا نغمات لا تحوي أية تعويذة شافية .إن هذه التأملات والاستنتاجات هي التي دفعتني اليوم للكتابة بعد أن توقفت لعدة أشهر في تأمل عميق عن مسببات الطلاق، وما ترتب عليه من معاناة وقسوة وظلم بحق المرأة.. قابلت حالات كثيرة من الطلاق، تأثرت بها كثيرا.. سنحاول عرض بعضها لاستخلاص العبر، والخروج بتوصيات أو نصائح عسى أن نساهم في تخفيف المشكلة، أو الحد منها..
ربما تأثرت بعض العائلات والأزواج تحديدا من الوضع الاقتصادي والسياسي السائد في غزة . من معاناة نفسية ومعنوية بسبب الحصار، والبطالة المتفشية، وتعطيل الحركة التجارية التي سببت الغلاء الفاحش، والوضع المعيشي عامة، مما أدت هذه العوامل إلى الاختلال في العلاقات، وخاصة بين الأزواج في بقعة جغرافية لا تحتمل! كل ما يحصل فيها من خلافات عائلية، أو زوجية تؤدي في النهاية إلى الطلاق.
فالبعض من هذه الخلافات قد يكون محقا، أو منصفا، أو قد يكون ظلما وعدوانيا، والبعض منهم يكون لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا انقسم مدفوعين ومجبرين على أشياء لم تكن في الحسبان. ولا أنكر أن بعض من هذه المشكلات قد مستني بشكل أو بآخر.. وعايشتها بسبب اقترابي من بعض النساء اللواتي يجمعني بهن غربة الوطن، أو من خلال علاقاتي المهنية والإعلامية من جهة، والأدبية من جهة أخرى، ناهيك على أن الطرفين بالأساس من شريحة الموظفين والمثقفين، واليوم يلتزمون منازلهم بسبب الوضع السياسي المفروض على غزة تحديدا.
لن أطيل على القارئ في بعض التفاصيل لكنني قصدت أن أشير عبر هذه المقدمة محاولة (جوجلتها) والبوح بها بصوت مرتفع، ربما أتمكن أو نتمكن من التقاط حل لبعض هذه المشكلات .كما أحب أن الفت نظر القارئ إلى أن الأسماء التي ستذكر هي بالطبع ليست حقيقية وإنما هي مجرد أسماء وهمية لتسهيل السرد إن السيدة "صابرة" هذه المرأة التي طلقت قبل عشرة سنوات بعد زواج فاشل بسبب هجرة زوجها إلى دولة عربية شقيقة في مهمة عمل رسمية ثم قرر البقاء هناك والزواج من امرأة أخرى .فقررت هذه السيدة التي ما تزال في العشرينات من عمرها عدم الزواج من آخر والإبقاء على حضانة طفليها والتفرغ لوظيفتها في السلطة، لكن شاءت الأقدار بعد هذه السنوات العشرة الطويلة من هذا الزواج أن تصادف رجلا آخر وتتفق معه على الزواج.
اندفعت السيدة "صابرة" في عاطفتها لدرجة أنها تكلفت معه في جميع نفقات زواجهما وصداق مهرها؛ لان الرجل كان متزوج من أخرى ووافقت أن تعيش في غرفة واحدة في بيت هذا الزوج وأرسلت ولديها للعيش مع عائلتها بشكل مؤقت، لكن ما حدث فيما بعد أن هذا الزوج بعد مضي شهرين فقط ! أصبح يمارس عنفا جسديا ولفظيا على الزوجة ضدها حتى وصل به الحد إلى طرد أطفالها خلال زيارتهم لها، وان يعتدي عليها بالضرب المبرح ولم يتوارى من طردها وإخراجها من منزله ليلاً، وكما تعلمون فقدت وجدت هذه المرأة المصدومة بزواجها الثاني في مأزق حين علمت أنها حاملا، عدا عن ذلك فقد كانت تخشى إدانتها بسبب قرارها بالزواج للمرة الثانية، وان تجد نفسها أيضاً مطلقة للمرة الثانية من رجلين، فقررت أن تتحمل وان تصبر، ولعلي سميتها "صابرة" بسبب ذلك، فقررت إقناع زوجها أن تنتقل للعيش هي وولديها إلى المنزل التي تملكه هي بالأصل قبل زواجها من الثاني، إلى أن بلغت معاناة هذه المرأة ذروتها حين اكتشفت أن زوجها أصبح يلاحقها بطريقة ماكرة أحيانا، وعنيفة أحيانا أخرى، وذلك للضغط عليها حتى تبيع شقتها التي هي من حق أبنائها وهي آخر ما تملكه بعد أن نفق كل مالها ومدخراتها على هذا الزوج الطماع والقاسي، لأجل ذلك اخذ يضيق عليها الخناق بعزلها عن جميع صديقاتها وعائلتها بشكل أو بآخر، كما تعلم السيدة "صابرة" أن زوجها يحاول الآن إقناعها ببيع شقتها، لكنها لا تعرف ماذا تفعل بعد كل هذه المعاناة.. "على عكس السيدة نداء" التي سأتكلم عنها فيما بعد، ترى ما هو الخيار الذي تواجهه صابرة في مثل هذه الحالة ؟ أليس الطلاق هو الحل وهو بمثابة النعمة؟
للتنويه: حتى لا يعتقد البعض أنني بهذه الأطروحات أحصر سلبيات الرجل وحده، أو أحمله نتائج الطلاق، بل هناك نساء تتحمل مثل هذه الأخطاء، وربما أكثر، وهناك الكثير من الأزواج يجهلون حسن التصرف في فوضى المشكلات التي تجتاحهم وهي ساخنة، حتى لو كانوا أطباء أو فلاسفة.
(ملاحظة بهذه السطور اعترف أنني ربما اختصرت أشياء كثيرة واختزلت أشياء أخرى، وأعتقد أنني أبرزت أهم ما في الموضوع).

عبد الكريم عليان : ما لم تقله ـ هدلا في حالة ( صابرة )
قبل أن نبدأ بعرض رأينا وأفكارنا حول زوج " صابرة " لا بد أن نقدم الشكر للشاعرة " هدلا " التي فاجأتنا برؤيتها وأفكارها .. فاجأتنا برقة مشاعرها تجاه قضايا المرأة والمجتمع في غزة، بعدما ظننا أنها تعيش اغترابا لا حد له في المجتمع الغزي، وإذ بها تنبش قضايا اجتماعية عميقة تعزز صدق انتمائها، وتؤكد لنا حقيقة: أنها لن تتخلى عن قضاياها التي هي قضايانا جميعا..
عندما نتحدث عن زوج " صابرة " لا بد أن نذكر أن شاعرتنا لم تعش في غزة مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ولا شك أن الحياة كانت مختلفة أدواتها وقيمها، وكما يقولون: "وسائل الإنتاج هي التي تحدد سلوك البشر.." فحياة الصحراء مثلا تختلف عن حياة القرية، وكذلك حياة المدينة تختلف عن الاثنتين، وأيضا حياة المجتمعات الصناعية تختلف عن حياة المجتمعات الزراعية، وما يهمنا هنا هو: أن المجتمع الغزي يعيش منذ عشرين عاما في حالة غير مستقرة نوعا ما إذا ما قورنت بالسابق، حالة يسودها العنف بكل أشكاله وفي شتى المجالات، وكذلك التناحر السياسي وما يسوده من عنصرية وتفكك في النسيج الاجتماعي، وما أفرزه من تدمير في منظومة القيم والمفاهيم التي كانت سائدة إلى أن توجت أخيرا بمحاولة أدلجة المجتمع الغزي بفكر جديد بعدما فقدت الكثير من الزوجات أزواجهن بفعل الاحتلال، أو بفعل الهروب من واقع غزة الذي أصبح لا يطاق خاصة من فئة الشباب الذي أفادتنا آخر استطلاعات الرأي: " أكثر من 45% منهم يرغب في الهجرة من غزة.."
حالة " صابرة " هي حال الكثيرات وإن كان لها مشكلتها الخاصة حسب ظرف زواجها الأول والثاني، لكن كثيرات هن الصابرات اللواتي يعانين من ظروف حياتهن.. وإن كانت صابرة الصغيرة والجميلة قد وجدت لها زوجا يكبرها بعشرين سنة تقريبا؛ فغيرها وربما أصغر منها لم تجد إلا كهلا.. هذا يدفعنا إلى التساؤل عن مورثونا الثقافي والديني الذي كان على صابرة وغيرها أن تفهم في أي وسط تعيش؟ من حق صابرة وغيرها أن يكون لهن طموحهن العالي في حياة هادئة وهانئة، وحتى يتحقق ذلك لا بد من ثورة على المفاهيم والتقاليد الاجتماعية المصبوغة بطابع ديني تتباين حوله المذاهب الشرعية.. وما تريده الشاعرة هدلا وغيرها من المناضلات في نعمة الطلاق هو: أن يكون طريقا لزواج ناجح، بحيث لا تعيش المرأة بعدها فريسة لذئاب المجتمع..
الغائب في حالة صابرة هو الزوج الأول، والذي لا نعرف كيف سمحت صابرة لنفسها أن تقبل بأن يغادر زوجها الوطن في رحلة عمل كما ذكر في المقال، وهي تعرف أن زوجها الشاب لا يستطيع الحياة بدون زوجة خاصة إذا كانت هذه الرحلة طويلة، ونعتقد أن صابرة هي التي طلبت الطلاق منه، أو قامت هي بتطليقه بعدما غاب عن فراشها المدة الشرعية، هل كانت تعتقد أن بإمكانها أن تتزوج الرجل الذي تريد؟ وفي غزة التي يعتمد فيها الزواج على الحظ ؟ وواضح أنها كانت واهمة تماما في زواجها من الرجل الثاني الذي لم تتعرف إليه فترة لم تتجاوز الشهر، فأخطأت حين اعتقدت أن هذا الرجل بثقافته المزيفة والتي ساهمت هي بتزييفها أنه الزوج المناسب الذي يمكن أن يسعدها ويحميها... خصوصا أنها كانت تعرف أنه رب أسرة كبيرة، وتدور حوله مشاكل عديدة أهمها المال كما ذكر، حيث تكلفت هي بكل تكاليف زواجها منه بما في ذلك مهرها.. هي قررت ذلك تماما، ولو كلفت نفسها وأهلها برهة من التفكير والبحث عن هذا الرجل لما وقعت في هذا الخطأ، لكن المسكينة وقعت ضحية قلبها الذي طغى على تفكيرها.. أما هذا الزوج الذي وجد في صابرة طريقه إلى المجد والشهرة وأنها مناسبة تماما لحالة ( البريستيج ) الجديدة قد اصطدم بواقع أسري جديد لا يمكنه الاستمرار بين صابرة التي تخلت عن أولادها من الأول وتريد منه أن يتخلى عن أسرته الكبيرة، وبين زوجته الأولى التي تقوم على تربية أبنائه.. فذهب إلى محاولة ابتزاز صابرة ليجبرها على بيع شقتها حتى يجمع الاثنتين في منزل واحد يعيش فيه مستقرا.. هل يمكن لصابرة أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد وتتخلى عن طموحها الغير واقعي، وغير منطقي في مجتمع بطريركي مازالت فيه العائلة الممتدة متجذرة؟!
لنسأل أنفسنا إن كانت الحالة السابقة مبنية على أسس لزواج سليم؟ وما هي مفاهيمنا عن الزواج؟ هل الزواج هو علاقة جنسية؟ وإن كانت كذلك، ما هي متطلباتها حتى تكون ناجحة؟ أو أن الزواج مؤسسة لها أسسها وقوانينها ونظمها وتحتاج منا إلى تأهيل وتدريب جيدين بشكل يدفعنا إلى النجاح والتقدم؟ ماذا يمكننا أن نفعل حتى نخفف، أو نحد من ظاهرة الطلاق؟ هل نحن بحاجة إلى تشريعات قانونية تلائم الظروف والحياة المستجدة في واقعنا؟ أسئلة كثيرة منها ما يتعلق بالمجتمع ومنها ما يتعلق بالدولة لكن الإجابات عليها تساهم إلى حد كبير من حل المشكلة والتخفيف من حدتها...
إلى اللقاء في الحلقة القادمة مع قصة أخرى ورأي جديد ...