المرأة .. والرصيف .. والقهر الشرقي



ابراهيم علاء الدين
2008 / 11 / 30

بين وحدي.. ووحدي .. كنت انا .. تائهة ضائعة أهرب من أحلامي بلا جدوى، تطارني كذئب جائع ، أقفز فتمسك بي ساقي ..أسقط فترقص الحيتان حولي ، أطير فتلحقني ، في أعماق البحر شققت دروبي ، ركبت سمكة قرش ولففتها بحزام اوهامي ، سحرتني فراشة ظنتها عمري فاحترقت مع أول خيط للشمس.
كذب ما يقال عن الهوى .. خدعة كبرى الحب في هذا الشرق المولع بالخداع ، اي حب ذاك من اول نظره ..؟ اي حب ذاك والحبيب يغرق في مخدع صديقتي، او جارتي، او زميلتي .. اي حب هذا الذي يمكن توزيعه بين اربعة .. وبالعدل ..!! اي حب هذا الذي يمكن توزيعه بين "وما ملكت ايمانكم" .. بعد ان شملت مساحة ايمانهم كل مواخير العواصم وبنات الهوى .. ومن يقعون بحبالهم ؟؟.
انا مسكينة .. ككل بنات الشرق .. ما ذنبي اذ تنطلق النيران من عيني تحكي قصة وجعي فتتلقفها الرغبة والشبق المكبوت في صدور الرجال ..؟ ذنبي اني استكين لاول طارق على حوافي القلب .. فأظنه حبا .. وتبدأ الرحلة الكبرى ، قد يكون عمرها يوما او شهرا او سنين .. وكلما امعنت قهرا في الزمن ابدع المحب في فنون الكذب.

لماذا اجلس على أرصفة القاهرة وصنعاء وكازابلانكا والكويت .. وكل عواصم العرب..ماذا انتظر ..؟ ومن انا ..؟ أأنا من وصفني نزار قباني شعري غجريا مجنونا يسافر في كل الدنيا..؟
لماذا كل هذا الصمت ..؟ لماذا لا اقول شيئا .. كلمة .. اشارة .. ايماءة .. لأقل شيئا ..!!

ماذا اقول.. انا غريبة كما كنت في اول الزمان .. انا كنساء الشرق ضائعة .. انا ناقصة عقل ودين .. هكذا تقول كتب التراث، والرجال قوامون على النساء في المجتمع الفاضل ..!! واذا قتلت كانت ديتي نصف دية الرجل .. وميراثي نصف ميراث الرجل، واذا قتلت فلا يعاقب قاتلي بالقتل، انا نصف انسان .. انا ضحية ثقافة الحرمان ومنع الاختلاط،، و فتاوي الفتنة، وثالثهما الشيطان، أنا المسبية حتى لو كان الشاهد شيخا أو كاهنا، كلاهما شهود زورعلى علاقة جسدية يغلفها وجع غائر في زوايا الوجدان، يسميه البعض زواجا .

انا مثل الاف السبايا اللواتي غنمها موسى بن نصير عندما فتح الاندلس، اقرأوا عني في كتاب الكامل لابن كثير: " بلغت غنائم موسى بن نُصير, فاتح المغرب سنة 91 هجرية , 300 ألف رأس سبي , بعث خمسها (60 الفا) الى الخليفة الوليد بن عبد الملك , وعندما جاء إلى دمشق استقدم معه ثلاثين ألف عذراء من الأُسر القوطية النبيلة ".
انا احداهن .. واحدة منهن .. وربما كنت من اولئك الذين تحدث عنهن القاضي الَرشيد بن الزبير في كتابه " الذخائر و التحف " : " كان من جملة ما قدَّم به عبيدة بن عبد الرحمن القيسي , والي أفريقيا وسائر المغرب , إلى هشام بن عبد الملك من هداياه في سنة 114 للهجرة 20 ألف عبد وأمَةٍَ , ومن صفايا الجواري المتميزة 700 جارية , ومثل ذلك من الخصيان ،ومنهن من وهب للحكام ليكن جواري وقينات واماء .. ومن من بيع رقيقا في اسواق النخاسة" .

هل تغير الحال عن ذاك الزمان .. يقال كذبا في شرقنا انه تم الغاء السبي ، ونظام الرق والعبيد والاقنان والخصيان وانتهى عصر الجواري . وان هناك اعلان عالمي لحقوق الانسان، وآخر للحيوان ، وتبوأت المراة مكانة رفيعة فمنها الرئيسة ومنها الوزيرة ومنها الحاكم ومنها السفيرة ..

ليس هذا في بلاد الشرق يا سادتي نعم يا سادتي فما زلتم سادتي رغم كل ما يقال في دساتيركم عن المساواة .. صحيح ان المسبية كانت قديما هي المخطوفة قهرا او حربا .. وقد تصبح محظية اذا كانت جميلة فيحبها الشخص الذي غنمها او وهبت اليه او اشتراها من سوق النخاسة ليستفرد بها لنفسه ويخصها بحبه، وربما يفك رقبتها ويحررها ويتزوجها . وغالبا ما تعود جارية ويبيعها في السوق بعد ان يأخذ شهوته منها. لكن غالبية السبايا اللواتي يوهبن او يتم بيعهن بالاسواق تكون جارية وظيفتها خدمة سيدها وطاعته وتنفيذ اوامره ورغباته والجنسية منها ..
لم يتغير شيئا يا سادتي..عصر الجواري والسبايا لم ينته، تغيرت اساليبه ووسائله وطرقه ومسميات الجواري، وأوصافهن ووظائفهن .. فما زالت المرأة تسبى .. باسم الدين .. وباسم الحب .. وبدافع الفقر .. أو الوظيفة ..أو القيم .. أو الاعراف .. أو الفضيلة .. أو القانون.

فثقافة السبي والاسترقاق والجواري ما زالت متغلغلة حتى الاعماق في اذهان المجتمع، الموروث الديني الشائع ما زال يزدري المرأة ويضعها في مرتبة دونية، وما زالت تلك القيم والاعراف القبلية شائعة ، ومفاهيم الرق الاقطاعي سائدة ، حتى القوانين الوضعية الحديثة المتعلقة بالنساء مستمدة من الشريعة ، كما ان الاوضاع الاقتصادية المتخلفة دفعت نحو 80 بالمائة من افراد المجتمع للسقوط في اوحال الفقر وغالبتهم من النساء. وما زالت المفاهيم الملتبسة عن الحب في ثقافة المرأة والرجل على السواء.

بماذا اهذي انا .. مما انا هاربة .. الحمد لله .. فقد تبين بعض علماء الدين انه الرجم للزانية ليس من شرع الله .. وان مائة جلدة تكفي لعقاب الزاني والزانية، لكني لست زانية والعياذ بالله .. فانا امرأاة طاهرة شريفة عفيفة .. لكن لماذا اعاقب بالجلد اذن دون سياط جلدية .. لماذا اجلد بالكلمات وبالحرمان وبالاضطهاد وبالتمييز وبالضرب وبالتحرش الجنسي وبتزويجي طفلة، واجباري على اخفاء نفسي بخيمة سوداء..!! لماذا لا يكون لي حق الطلاق .. وحق منح ابنائي جنسيتي .. وحقي بميراث ابي كاخوتي . لماذا انا الضعيفة القاصر التي تحتاج وليا .. لماذا ولماذا ولماذا ..؟

انهضي يا بنت .. غيري هذا الرصيف وكفي عن الهذيان .. لكن اين اذهب؟ فكلها أرصفة لا فرق بينها .. فهناك رصيف في المطبخ، واخر في غرفة النوم، وثالث على الشرفة، ورابع في الاسواق الفاخرة الحديثة، وخامس في مكتب الشركة او الدائرة الحكومية، وسادس في المطاعم والفنادق الراقية، وسابع رصيف كهذا وسط الزحمة والقاذورات وهدير محركات السيارات.

الم اقل لكم انني سبية .. احيانا اكون اميرة، واحيانا جارية، واخرى عبدة، وبينهما قد اكون محظية على الاقل لفترة من الزمن .. لكن الا يدعي البعض ان الدين الاسلامي حرر المرأة واكرمها ..!!
لا تسلبني عقلي ايها المتمرد في في ثنايا رأسي .. فكل ما املكه هو نصف عقل الا يكفي انني حرمت من النصف الاخر قبل 1400 سنة، وكل ذلك لانني امنت بالله الواحد الاحد وبمحمد عبده ورسوله. وأول من آمن في الإسلام كان امرأة هي "خديجة".‏ وأول من استشهد في سبيله امرأة "سمية بنت خُياط".‏فهل اصدق ما قاله ابو هريرة ان الرسول الكريم يمكن ان يقول " الكلب والمرأة والحمار" تُقطع الصلاة إذا مرت أمام المصلين ".
وهل اصدق ان رسول الله يمكن ان يقول ما نقله الحافظ المنذري عن النبي "لو أمرت أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". مع انه يناقض قول الله عز وجل (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ).

لا .. لا.. انني اهذي فعلا ، فحالي ليست اسوأ حالا من البوذية والهندوسية والزرادشتية واليهودية والمسيحية، ف "كلنا في الهم شرق " ففي الدولة السومرية كان الرجل يمكن ان يقتل زوجته او يبيعها وفاء لدين .. وكان اذا زنا الزوج فهذه نزوة ، اما ان زنت المراة فعقابها الموت.
اما اليهودية فقد اعتبرت المراة شيطانا وانها مصدر الشقاء، ولا بد من خضوعها التام للرجل، والزواج عند اليهود اشبه بالشراء، وسمحت شريعتهم للرجل باتخاذ خليلة ، وتتدخل المراة في تركة الزوج ويحق لاخيه ان يرثها.
وفي الزرادشتية كانت المراة الفقيرة " قنا" يجوز بيعها وقتلها واهدائها، وفي الهندوسية كانت المراة تمثل مصدر العار ولا بد من بقائها على الدوام تحت سيطرة الرجل، واذا نادته فتقول له يا سيدي او يا الهي ، ولا تأكل معه ، بل تنتظر لتأكل ما تبقى من طعامه، وتسير خلفه بمسافة، واذا مات تحرق الزوجات انفسهن احياء من جثة .
وفي الصين سخرت الفتاة للبيت وتربية الاولاد ، وفي اليابان الرجل يسيطر سيطرة مطلقة على البيت وعلى الزوجة ان تخضع لسلطته الاستبدادية وله حق طلاقها دون سؤالها او مراجعتها.

يا الهي الم اقل لكم انني اهذي لقد تغيرت الاحوال بالصين واليابان وحازت المراة على كامل حقوقها، لكني وبنات جنسي في بلاد العرب ورثنا اسوأ ما في الزمن السومري والبابلي والاشوري والاكدي واليهودي والمسيحي والبوذي والهندوسي، جمع الرجل في بلادنا اسوأ ما انطوت عليه تقاليد كل من سبقنا، فالمراة في بلادنا تسير خلف الرجل بعشر خطوات ويبيعها (يطلقها او يهجرها او يتزوج عليها) وكلها انواع من البيع،لأتفه الاسباب، ويضربها على مزاجه ويجوعها متى شاء، ويحرمها بارادته او مجبرا من كثير من الاشياء، ويمنعها من حتى من المشاركة في بيت عزاء والدها اذا اراد.

لقد حان الوقت لصدور القرار لاذهب الى المحكمة لاسمع ماذا سيقول القاضي .. فلعل وعسى يرق قلبه وينصفني، فانا لا اريد شيئا سوى ان يأمر بحضانة طفلتي، لان حياتي معلقة بها، ولم ارتكب جريمة حين تزوجت، فزوجي طلقني ، وتزوج باخرى، فلماذا من حقه الزواج، وليس من حقي ؟
في قاعة المحكمة .. القاضي يحضر تسبقه هيبته .. الكل وقوفا بعدما قال الآذن " محكمة" جلس القاضي فجلس من بالقاعة .. دقات قلبي تتسارع .. ترتجف يداي .. ثم قدماي .. صوت دقات قلبي يسمعها كل من بالقاعة .. نظرات اشفاق او استدراج تلاحقني .. القاضي غير ابه بمن في القاعة يقلب باوراقه .. اسمع اسمي فيسقط قلبي بين يدي .. حاضر سيدي .. حكمت المحكمة بنقل حضانة طفلتك واسمها .... الى طليقك فلان ابن فلان .. سقطت على الارض مغشيا علي .. ولم اصحو الا بسيارة الاسعاف .. كم تمنيت لو انها في طريقها الى المقبرة.