مطلوبة حية أو ميتة (مقالة بلسان المرأة العراقية)



عبدالوهاب حميد رشيد
2008 / 12 / 12

نعم، مطلوبة حيّة أو ميتة، والأفضل ميتة أو نصف حية... وطالما أنها ليست حيّة تماماً، فهي ميّتة أو نصف حيّة.. إنها المرأة العراقية... أكدت تقارير عديدة موتها، وشرحتْ جثتها، وأعلنت أسباب موتها.. ويمكن قراءة هذه الأسباب في سياق السطور التالية...
العنف ضد المرأة العراقية في تصاعد مستمر، ولم يكن محل اهتمام حكومة الاحتلال الطائفية في بغداد ولا المحتل.. ولا "المجتمع الدولي." والصمت المطبق يُغطي ويحجب هذه الجثث.. الجثث الميّتة أو نصف الحيّة لنساء العراق، وفي ظل "حرية" الاحتلال والممارسات البربرية الأمريكية وسماسرتها في بغداد وإيران.
العنف المستمر في تصاعده ضد المرأة العراقية، يُعبّر عن نفسه من خلال وسائل متعددة:
الاغتصاب- الأكثر حدوثاً وبروزاً في العراق "المُحرّر",, والرجال (من حثالة الاحتلال) يتمتعون بحرية اغتصابنا، لأننا، وبعد كل ما حدث، صرنا لا شيء، سوى وسيلة معروضة للمتعة.
قتل شرف (غسل العار)- والرجال الآن أحرار في اتهامنا بالزنا adultery وقتلنا.. بطبيعة الحال، فمغازلتهم للأخريات، انحرافاتهم الجنسية، وممارساتهم الزنا مسألة غير محسوبة هنا..
الحرق بالأسيد- ونفس الرجال، هم الآن أحرار أيضاً في حرقنا بالأسيد إذا كان جمالنا أكثر من المعتاد، أو لم يُحجَب بشكل كاف عنهم احتراماً لشهواتهم الحيوانية. وطالما أنهم غير قادرين على ضبط حركة ذكورهم penises، فهم مضطرون لضبطنا بحرقنا وتشويه وجوهنا.
التحجب الإجباري forced veiling- هنا تتعدد المقاصد من الحرق بالأسيد.. أولاً إجبارنا على لبس الحجاب، ولكن إذا ما زلتَ يا (رجل) غير قادر على مقاومة جمال المرأة العراقية، تستطيع دائما أن تحرقها، وبذلك يمكنك أن تتأكد بأن شهوتك لمن هي ليست مُلكك.. تحت السيطرة..
التعذيب- الأسلوب الآخر المتكرر المختلف قليلاً عن الاغتصاب، والمرتبط به. وجِدَ في السجون، العراقيات المعتقلات، وفي الغالب من طائفة (الأقلية)، ممن اتهمن بالعلاقة مع (المتمردين)- المقاومة الوطنية العراقية. ولا حاجة للقول بأنهن لا يواجهن تهمة ولا محاكمة. وأنا لا أُغطي عليهن. التعذيب، الاغتصاب، التشويه الجنسي genital mutilation، وقتل النساء العراقيات بأيدي فرق الموت death squads العاملة بحماية الاحتلال وتابعة إلى جيش المهدي وفيلق بدر لطائفة (الأغلبية) ومليشياتها، وهي معروفة ومشهورة بجرائم الاختطاف والقتل.. هذا دون الحاجة لذكر عناصر وزارة الداخلية.
القتل المباشر straight kill- إذا فشلت كافة "الطرق" السابقة مع المرأة العراقية.. هل يمكن ذلك.. وبعد كل جهودك؟ على أي حال، لك يا (رجل) أن تغتصب أياً منهن.. عدا أمك، بالطبع..
وإذا لم تكتفِ بكل تلك الممارسات، يمكنك دائما أن تُرتب لها "حفلة فاخرة" من المضايقات والإساءات من خلال: إذلالها، قذفها ووصمها بالعار، إجبارها وإكراهها، ومن ثم ضبطها والسيطرة عليها، وبما يجعل من المستحيل على المرأة العراقية الإحساس بالعودة إلى حياتها الاعتيادية بأي شكل من الأشكال.
هذا ولا داع لذكر ملايين المشرّدات والمهجّرات.. إفقارهن، تحويلهن إلى أرامل، دفعهن إلى الاستجداء والبغاء.. وكل هذا بفضل جهودك "التحرير". لكن هذا فقط "استثنائي" parenthesis.. أليس كذلك؟
ولكن لماذا قد يتصور البعض أنك قد تهتم؟ لقد أجبرتنا واغتصبتنا من خلال ما قدمت لنا "التحرير"، أليس كذلك؟ وهذا هو الأمر الأكثر أهمية لك، لتُبرهن بأنك قادر على أن تغتصب وتقتل باسم "الحرية". رجالك ونساؤك مشتركون complicit في هذه الإبادة الجماعية genocide. عليه لا تُحاول المجيء وتزعجني بموعظتك، لأنك أحد هؤلاء حثالات الاحتلال.. فأنت مستعد أن تغتصب أمك من أجل حفنة دولارات، ولإرضاء أنانيتك وغرورك، حقارتك، ومعتقداتك المريضة الفاسدة.
لكن أمريكا وإيران ووكلائهما ليسوا الأطراف الوحيدة التي تقع على عاتقها هذه الجرائم البشعة.. رجال العراق مسؤولون أيضاً. هذا الاحتلال دفع كافة قذاراتهم الظهور على السطح.. الجوانب الأكثر قباحة، بشاعة، وشناعة لجنس الذكور، عادت للظهور من خلال الاحتلال.. هذا الاحتلال.. كأنما عبّد الطريق وهيأ الأرضية لإنطلاق الفاحشة الكبرى، ثم ظهرت بعدها بقية الفواحش تباعاً..
من "الأرحام" wombs الميّتة عادت الرغبات الفاسدة للانطلاق والتي لا يمكن أبداً الانحراف عن أهدافها: انقلبت المحبّة إلى كراهية.. وتحولت التمايزات المخففة gender frustration بين الرجل والمرأة إلى القوة وسيطرة الرجل.. وتبدل الصبّر إلى غريزة الموت death instinct.
لقد قُمتَ بعمل "عظيم" تجاه الرحل العراقي.. الآن لديه سلطة حرّة غير مقيدة لإظهار وتنفيذ نزواته البدائية، وليمحق أخيراً كل الإناث المغمورات اللائي كنّ يُلازمن حياته منذ قرون طويلة... مرحى.. مرحى..
والمرأة التي لا تتمكن من تملكها، تقوم بقتلها.. بطريقة أو بأخرى.. موت سريع أو موت بطيء.. ليس مهماً، طالما أنها ميتة أو تظهر أنها ميتة بدرجة كافية.. وكل ذلك من أجلك وذكوريتك..
آه، أخيراً، فهذه المرأة العراقية ليست لها حول ولا قوة.. إنها مكسوة بالسواد.. تعيش الحداد والانتحاب.. محرومة، مسلوبة الإرادة.. مغتصبة، معذّبة ومقتولة.. وأخيراً، فأنت قد نجحت... ولكن إلى حين فقط..
أخيراً، فكل تلك الحقوق التي اكتسبتها المرأة العراقية على مدى عقود طويلة، اصبحت لا تُزعجك الآن بأي شكل.. أخيراً لن تفتح فمها أبداً.. أخيراً صارت جامدة في مكانها، مشلولة بسبب الخوف من القتل.. وأخيراً، يمكن أن تعتبر نفسك ألـــــــــــــ "رجل".
قهقه.. هي ضحكة طويلة أسمعها من بعيد آتية من التوابيت والقبور... قهقهة، هي ضحكة تُُهاجمني بعنف قادمة من جثث نساء العراق، ومنهن أنصاف أحياء.. قهقة... هي أصداء وظلال لنساء العراق، ومنهنّ أنصاف أحياء، وشعورهن الطويلة تتبعهن في رقصات ممتعة... قهقهة... عشتار ترفع رأسها إلى الخلف في ضحكة عارمة...
لا أُريد أن أزيد جنون عظمتك وكراهيتك للنساء.. لكن، دعني أبوح لك بسري.. نحن قادرون دائماً، ونريد أبداً أن نضحك عليك وعلى وضعك... علّمتنا عشتار كيف نفعله.. إنها قوة المرأة العراقية التي تتخيل بأنك سحقتها وطمرتها في باطن الأرض مع مقاتليها من أجل حريتها...
لقد ظهرنا وتقدمنا مرة واحدة، عندما برز بينكم رجلاً، أُلهِمَ من خلالها ومن خلالنا، لكننا الآن اختفينا وصرنا في باطن الأرض، ومع ذلك لا زلنا نضحك عليك.. هو أيضاً يضحك عليكم، ونضحك معه.. ونضحك عليك.
هذا هو نوع القوة التي لا تستطيع أبداً السيطرة عليها، إخضاعها لجبروتك أو إكراهها أو قتلها بأية طريقة كانت... إنها تأتيك من الأعماق، من مكان لم تُشاهدها أبداً، من مكان مخفي جيداً.. من مغارة منحوتة عميقاً في قلب جبال شاهقة.. مكان عميق، مُختلى في باطن الأرض.. القوة التي عليك أن تحسب حسابها ليوم واحد، وعاجلاً.. إنها تُسمّى الوجه المخفي لـ حواء، وأُسمّيها الوجه المخفي للإله.
رجل آخر في التاريخ، حسب لهذا الأمر، ومعها أيضاً. كان نبياً لكنك قتلته أيضاً... أو تأكدتَ أنه مات ببطئ... بالضبط كما قتلتنا. لكن المواريث legacies لا زالت حيّة.. وهذه، لن تكون قادراً على قتلها أيداً.. مطلوبٌ دائماً وأبداً: حياً أو ميّتاً؟ لك أن تُراهن!
مممممممممممممممممممممممممـ
Wanted : Dead or Alive.,(Layla Anwar, An Arab Woman Blues), uruknet.info, December 9, 2008.