المرأة البحرينية تنتزع بعض حقوقها وما زال الكثير امام العربية



ابراهيم علاء الدين
2008 / 12 / 18

بعد اكثر من نصف قرن من الجهود المتصلة والمتواصلة بذلتها المرأة البحرينية ، اقرت البحرين هذا الاسبوع اول قانون وضعي لتنظيم الأسرة (قانون الاحوال الشخصية) يسمح للمرأة ان تشترط في عقد الزواج عدم زواج زوجها عليها، كما يسمح للمرأة بخلع زوجها ضمن شروط محددة مثل عدم الانفاق او الغياب ولا يحوز للولي ان يمتنع عن تزويج الفتاة دون مانع شرعي.
وقد شهدت الساحة البحرينية جدالا كبيرا ومتشعبا حول أهمية وضرورة إصدار قانون لأحكام الأسرة، أي قانون للأحوال الشخصية، وهو القانون الذي طالبت به الجمعيات النسائية البحرينية ولجنة الأحوال الشخصية على مدى أكثر من نصف قرن، لكن مجلس الوزراء حسم الامر هذا الاسبوع وأحال إلى البرلمان مشروع قانون أحكام الأسرة لينظم الزواج وآثاره الشرعية بالنسبة للمذهبين السني والجعفري، بما في ذلك الخطبة وإنشاء الزواج وموانعه والولاية والتوثيق والإذن بالزواج، كما يشتمل مشروع القانون على أركان الزواج وعقده وشروطه وحقوق الزوجين، بالإضافة لذلك يحدد مشروع القانون أنواع الزواج وآثاره بما فيها أحكام النفقة وثبوت النسب بوسائله وكذلك يحدد مشروع القانون أحكام الطلاق وبأنواعه وشروطه بما في ذلك المخالعة والتطليق للضرر والشقاق والعلل وللغياب والفقدان وعدم الإنفاق، فيما يشتمل مشروع القانون أيضاً على آثار الفرقة بين الزوجين بما فيها عدة الوفاة والحضانة وغيرها .

وتؤكد خطوة الحكومة هذه ان مسيرة التاريخ ماضية الى الامام بالرغم من المعيقات التي تحاول ايقافه او تعطيل مسيرته، ويؤكد ان التغيير صفة من صفات التطور الحضاري، لا بد منه لمواكبة شروط العصر. ويؤكد ايضا ان التطور الاقتصادي والتعليم يؤدي حتما الى التطور الاجتماعي والقوانين المنظمة له بالرغم من المعارضة الاسلاموية السياسية الشيعية المدعومة من ايران والتي خرجت بتظاهرات لرفض تعديل قانون تنظيم الاسرة.

وكانت البحرين سباقة دوما في مختلف الميادين بين دول الخليج، وخصوصا في المجالات المتعلقة بالمرأة ، والحريات الاجتماعية عموما، مما وفر اجواء ملائمة لنمو نخبة مثقفة ورائدة في مختلف المجالات، السياسية، والثقافية، والفكرية، والفنية، وساهمت الكفاءات البحرينية في دعم ومساندة عمليات التطوير والتحديث في كل دول الخليج، وبالتالي فان نجاح المرأة البحرينية في اقرار قانون عصري ومعاصر ينظم شؤون الاسرة سينعكس على دول الخليج كافة.

وهذا الانجاز الحضاري لم يكن هبة او منة من احد، فهو احدى ثمرات التطور الاقتصادي والثقافي والتعليمي في البحرين، وهو ايضا حصيلة نضالات قاسية خاضتها المراة البحرينية خلال عقود طويلة، وتقول المحامية زينات المنصوري إن المطالبة بقانون الأحوال الشخصية بدأت منذ عام 982 مع تشكيل لجنة الأحوال الشخصية التي تشكلت بمبادرة من الجمعيات النسائية العاملة في ذلك الوقت مع عدد من الشخصيات المستقلة والمؤيدة لإصدار القانون، وقد جاء تشكيل اللجنة بناء على ما لاحظه مؤسسوها من مشاكل تعانيها الأسرة البحرينية بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص من مشاكل بسبب غياب القانون المنظم للعلاقات الأسرية، والتزامات وحقوق أفرادها المتبادلة في مراحلها المختلفة، وافرازات غيابه السلبية على الأسرة وعلى الأحكام أو القرارات التي تصدرها المحاكم الشريعة عندما تفصل في المنازعات المحالة إليها التي كان ومازال يغلب عليها انحياز الثقافة الذكورية التي هي ثقافة المجتمع السائدة.

واضافت المحامية البحرينية في حديث صحفي سابق على احالة مشروع القانون للبرلمان ، ان غياب القانون جعل أحكام المحاكم الشرعية بمنأى عن الرقابة القانونية من محكمة التمييز، حيث تصبح الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف التشريعية هي أحكام نهائية لا يمكن الطعن فيها بعد ذلك بأي شكل من الأشكال حتى وان كانت صادرة بالمخالفة لأحكام الشريعة باعتبارها النظام الواجب التطبيق.

واشارت إلى أن غياب القانون أدى إلى وجود خلل كبير وواضح في فصل سلطة التشريع عن سلطة القضاء إذ أصبح القاضي هو من يضع ويحدد التشريع الذي يراه ملائما للفصل في النزاع المنظور أمامه أو في إصدار أي قرار بشأنه، ثم يفصل أو يقرر بناء على ذلك وقد أدى هذا الأمر مرة أخرى إلى صدور الأحكام وفقا لثقافة القضاة وموروثهم الاجتماعي فجعلت الأحكام تتناسب مع تفكير وثقافة القاضي، وقد ساهم هذا الأمر في ايجاد حالة عامة متأصلة من غياب الثقة بين المتقاضين والقضاة بشكل خاص، وحالة عامة من غياب الثقة في المحاكم الشرعية بين الناس. (المصدر شبكة أمان).
والمرأة البحرينية ليست وحدها من ناضلت وتناضل من اجل تعديل الاجراءات التي تنظم شؤون الاسرة والتي يرجع بعضها الى مئات السنين، ولا زالت تستمد قوانينها من الشريعة ومن الاعراف والقيم البدوية لعصر سابق عن التطور الحضاري الذي تشهده البشرية. فالنقاش حول قانون الأحوال الشخصية في العديد من الدول العربية ، لم يتوقف منذ سبعين سنة تقريبا ، وشمل الحقوق التي تتمتع بها المرأة أثناء الحياة الزوجية وتلك التي تنشأ عن عقد الزواج، وحقها في إنهاء العقد فسخا أو تطليقا أو تفريقا أو خلعا، والحقوق في حال وفاة احد الزوجين والحقوق بعد الطلاق أو الوفاة .
وبذلت مجموعات من النساء العربيات الرائدات جهودا ضخمة لتخفيف الاضطهاد الذي تتعرض له المراة وفي مقدمته حق الرجل بان يلقي يمين الطلاق على زوجته لأي سبب ودن أي مبرر ودون سابق إنذار، وحقه أيضاً أن يردها خلال فترة العدة دون أن يستأذنها أو حتى يخبرها مسبقاً، ومن حقه أن يهينها كيفما شاء فقوانين الأحوال الشخصية لم تحترم آدميتها وسخرتها جارية لزوج لا يرحم .
وسعت المؤسسات والهيئات المدنية في كثير من الدول العربية الى تحديث القوانين على الاقل بشان موضوع الطلاق بحيث تلزم الزوج بأن يكون الطلاق أمام المحكمة وبإنذار مسبق للمرأة، من أجل حسم مسألة النفقة ورؤية الأطفال والحضانة أيضاً . وبحيث يجبر الرجل على ابلاغ زوجته الأولى والمحكمة بأمر زواجه الثاني. ووضع شروط صارمة لموضوع تعدد الزوجات لما له من انعكاسات سلبية على الزوجة والاسرة والابناء وعلى المجتمع عموما. وان يتم ضبط كافة السلوكيات التي تؤدي الى اهدار حقوق الزوجة، والجور على حقوق الاطفال وحرمانهم من حقهم الطبيعي بحياة كريمة.
وبالرغم من الخطوات الهامة الهامة التي حققتها المراة في بعض الدول العربية مثل تونس والمغرب ومصر، الي حدثت قانون الاحوال الشخصية ووفرت للمراة مستوى لا باس به من الحقوق، الا ان غالبية نساء العرب يرزحن تحت طائل قوانين فيها الكثير من الاجحاف والتمييز والاضطهاد، ولا تناسب مطلقا مع المتغيرات الهائلة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبالتالي في العلاقات الاجتماعية. وما زالت هناك عقبات كبيرة لمواجهة التعقيدات التي تفرضها القيم والاعراف والمفاهيم الدينية عدا عن التنوع الطائفي والعقائدي والمذهبي في بعض المجتمعات العربية.
لكن اهم عقبة على الاطلاق هو مفهوم رجال الدين لتنظيم الاسرة عموما، والنظرة الى حقوق المراة على وجه الخصوص، الذين يعتبروا ان أي تعديل او تطوير لقانون الاحوال الشخصية يناهض الشريعة، وان التعديلات ما هي الا محاولات للهيمنة الغربية على (هويتنا وتقاليدنا الاسلامية)، وانها محاولات لافساد الاسرة والمجتمع، ولا تهتم بها حكومات العرب الا بوحي من الخارج.
ويتوزع رجال الدين هؤلاء على الاحزاب والجماعات والمنظمات الدينية مثل مجموعات السلف المتعددة، الى جماعات الاخوان المسلمين، الى جماعات القاعدة، والعديد من المنظمات المجهرية تحت مسميات مختلفة.
وما زال هؤلاء يقاوموا بشدة تحرر المراة من ربقة مفاهيم ما قبل العصور الوسطى بينما العالم يتحدث عن اعادة الحياة بعد الموت، وعلى وشك اكتشاف سر خلق الكون.
وكل هذه المقاومة الدينية لماذا ..؟؟ لان مفاهيم تحرير المراة، وقوانين الاحوال الشخصية، من وجهة نظرهم تنكر القوامة (الرجال قوامون على النساء).
احدى الداعيات الخليجيات ردت على طالبة تعترض على الزواج لان الرجل يريد من زوجته ان تكون (خادم خاص)، بقولها (هذا حرام يا بنتتي انك تكفرين فانت تنكرين القوامة، وبهذا انكار للشرع).
وتذهب الداعية بعيدا في نفي حقوق المرأة، واتهام الداعين لها بانهم صهاينة وماسونيين، فتقول "ما سمعتوه لم يأت عفوا، ولم يأت بين عشية وضحاها؛ إنه تغريب مخطط، استمعوا إلى الأدلة والبراهين، لا إلى العواطف: في "بروتوكولات حكماء صهيون": (علينا أن نكسب المرأة؛ ففي أي يوم مدّت يدها إلينا ربحنا القضية). وقال يهودي آخر: (لا تستقيم حالة الشرق إلا -إلا ماذا؟- إلا إذا رفع الحجاب). يا ليته وقف عند هذه النقطة -لا- قال: (إلا إذا رفع الحجاب، إلا إذا رفعت الفتاة الحجاب عن وجهها، وغطت به القرآن).
وباسلوب الداعية المحترفة التي تتصنع صوتا عاطفيا باكيا تقول .. نعن نعم يا اخواتي ، قال أحد قادة الماسونية: (كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات ).
وتتابع قولها ان من يقول لا بد من مراجعة قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة، ومحاولة الدفع باتجاه دراسة قانون الأحوال الشخصية العربية الموحد، أي القانون العلماني. هم يرفضوا حتى الأحوال الشخصية على ضوء الإسلام؟
انهم يرفضون الاسلام تتابع الداعية بصوتها الباكي وتضيف .. ما هي القوانين التي تطبق لها ألف عام؟ هي قوانين الإسلام. أعوذ بالله. ولهذا أقول: إن المخطط رهيب.

ويقول احد الدعاة المصريين من جماعة الاخوان المسلمين " ولكن قوى الكفر والإلحاد حاولت طمس حقائق الإسلام والتقيم على مبادئه وخاصة في مجال الأسرة فحاولت جاهدة أن تضرب هذه المنظومة الرائعة رويدا... رويدا، فظهرت المؤتمرات الدولية والمواثيق التي تخاطب المرأة كفرد وليس كعضو في أسرة ثم سرعان ما تحولت هذه الأفكار الهدامة إلى بعض الدول الإسلامية والعربية عبر تحريرات في مدونات وقوانين الأحوال الشخصية بدعوى المحافظة على حقوق المرأة وللأسف أصبحت بعض النساء يتعلقن بمثيلاتهن في المجتمعات الغربية ويحاولن محاكاتهن وتقليدهن.

واضاف " نلاحظ أن الغزو الثقافي عمد إلى استبدال مصطلح "نظام الأسرة" " أو تشريعات الأسرة" بمصطلح الأحوال الشخصية في محاولة لعزل الأسرة وبلبلة المعاني والمفاهيم فالإسلام لا يعرف التجزئة كما عرفتها العقلية والثقافة الغربية فالأسرة ليست شأن شخصي أو أحوال شخصية ولكنها شأن مجتمعي بل هي أساس المجتمع بها يبدأ وعبرها يتمدد وبها يحفظ عقيدته وهويته".
ويستشهد الداعية بمؤسس الاخوان المسلمين "يقول الشهيد سيد قطب في كتابه [نحو مجتمع إسلامي] تسمية قوانين الأحوال الشخصية ليست تسمية سليمة وكذلك يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه (كفاح دين) لا وجود لهذه التسمية في ميدان الفقه الإسلامي فشرائع الأسرة ليست أحوال شخصية فهم أصحابها وحدهم ومن حقهم أن يبقوها إذا شاءوا أو يغيروها إذا شاءوا".
ويعترض الداعية على قانون الاحوال الشخصية في مصر فيقول "للأسف الشديد فقد صُدمنا في هذا القانون الجديد فقد جاء مُلغيا لدور الرجل في (القوامة)" ، ويعترض الداعية على حق الخلع، وحق الزوجة بالسفر دون اذن الزوج ويقول "والسماح لها بالسفر من غير إذن الزوج فيه إسقاط صريح لحق الزوج في (القوامة) وخروج على النص الحاسم وهو قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء الآية 34].
ويعكس الداعية فكر الاخوان المسلمين بصورة واضحة بشان حقوق المراة وحريتها فيقول "والزوجة في عصمة رجل هو الزوج فلا تخضع إلا لأوامره، والأصل في عقد الزواج وما يترتب عليه من حقوق للزوج على زوجته هو الطاعة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن حق الزوج على زوجته فقال: السمع والطاعة".
كما ترفض التيارات والجماعات والاحزاب الاسلامية رفع سن الحضانة إلى 15سنة، فيقول الداعية الاخونجي " وهذا أيضا مخالفا للشريعة الإسلامية" كما ترفض رفع سن الزواج الى 18 سنة كما قال هذا الشيح الداعية، وعلى حضانة الام لاطفالها وفق النظم الحديثة. التي يعتبرونها تتعارض مع الدين ومع شرع الله، ومع جوهر الاسلام.
وترى هذه الجماعات انه يجب ابقاء النظم القديمة، فالولي شرط اساسي من شروط عقد النكاح، وانه يجب الا تتخلى الزوجة عن طاعة زوجها؟، او التخلي عن مفهوم اشراف المراة على البيت وتنظيم شؤونه، وترفض بشدة نظم الاسرة الحديثة لانها توجب توثيق الطلاق وإعلام الزوجة،ولانها تعتبر مجرد الزواج بأخرى ضرر يحق للزوجة طلب التفريق لسببه. ولان هذه القوانين اقرت أن يكون السكن حقا للزوجة الحاضنة بعد طلاقها. ولانها اعتبرت خروج الزوجة لعملها رغما عن الزوج ليس نشوزا.
وتقف التيارات الدينية موقفا مناهضا وعدائيا من حركات تحرير المراة ويقولون بشانها انها استهدفت منذ قامت والتي حمل لوائها اتباع العلمانية في العالم العربي ، محاولة تحقيق مجموعة من الأهداف ترمى إلى إلغاء (قوامة) الرجل وتجريده من دوره الذي قرره الشرع ودفع المرأة بعيدا عن الطريق السوي.
فالقضية المركزية عند شيوخ الدين وتلك التي قوم عليها افكار الجماعات الدينية هي "قوامة" الرجل أي تفضيل الرجل على المراة وبمعنى معاصر تمييز الرجل عن المراة، والذي ينظم ذلك قوانين شرعية لم تغلي نظام الاماء والجواري وما ملكت ايمانكم.
انها ما زالت مهمة كبيرة يا سيدات العرب .. ولكن كل ما يدور في هذا الكون معكم يساندكم ويثبت خطاكم، ولن يستطيع حراس الماضي من الوقوف طويلا في وجه عجلة الزمن والتقدم والتطور.