المراة والمشاركة في القرار السياسي



فاطمه قاسم
2008 / 12 / 20

مقدمة:
لعله من الإجحاف الشديد أن ينظر إلى الحراك الواسع في دور المرأة وموقعها في النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي على انه وليد العقود الأخيرة من نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي الحادي والعشرين ،ففي الحقب التاريخية المتقدمة ،حدثتنا الوثائق بكل أنواعها ،كما حدثتنا الكتب السماوية ،عن العديد من النساء اللواتي بلغن شانا عظيما في حياة المجتمعات الإنسانية ،وهو شان سياسي بامتياز ،من خلال مشاركتهن في صنع القرار السياسي وأحيانا التفرديه ،وان هذا الدور للمرأة وان كان يغلب عليه طابع الفردي الاستثنائي ،إلا انه لم يكن قادرا على التجسيد في الواقع دون قبول واسع من الرجال والنساء على حد سواء .يكفي أن نذكر أمثلة سريعة على حضور المرأة السياسي منذ حقب التاريخ المتقدمة ،انه حتى في المثيالوجيا اليونانية كان هناك عدد من الإناث في مجتمع الآلهة المتربعين على قمم جبال الاولمب ،ونفس الشيء تقريبا في مصر الفرعونية التي امتد حضور المرأة السياسي فيها من آلهة الخصب والنماء ،إلى حتشبسوت التي اغتصبت الحكم من أخيها الأصغر ،إلى كيليوباترا التي أدارت نوعا من الصراع الدولي ،مرورا بالملكتين بلقيس وأروى بنت احمد اللتين أدارتا مملكتين مزدهرتين في أقصى جنوب الجزيرة العربية ،إلى زنوبيا ملكة تدمر السورية التي خاضت حربا في مواجهة روما ،وصولا إلى الحقب الزمنية القريبة التي سميت باسم ملكيات قويات فعلا مثل فيكتوريا والعصر الفيكتوري ،في الجزر البريطانية ،وكرتينا في روسيا القيصرية ،وصولا إلى نساء في الشرق والغرب ،في الشمال والجنوب في دول العالم الأول الأكثر غنى وقوة ،ودول العالم الثالث الأكثر فقرا وضعفا ،وجدنا نساء كثيرات يقدن بلادا مضطربة تحتاج قيادتها إلى حكمة وقوة عزيمة في آن واحد .
من خلال هذا الاستعراض البسيط ،فانه لامجال مطلقا للادعاء أن المرأة لم تكن في التاريخ البعيد شيئا ،وأنها تتلمس دورها السياسي في السنوات الأخيرة فقط ،وان كان دور المرأة في المشاركة في صنع القرار السياسي ألان ،يحتاج إلى النظر من عدة زوايا ،والبحث عن المحفزات الجديدة ،والأثر الايجابي الواسع التي تتركه هذه المشاركة .
حضور المرأة في صلب القرار :
بما أن الحياة المعاصرة في تراكيبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية شديد التعقيد ،فان الضرورات والضغوطات لا تتيح للمرأة أن تبقى مقصية جانبا من المعركة اليومية ،معركة الحياة ،وحتى البلدان الثيقراطية لم تستطع أن تقصي المرأة بل اضطرت أن توسع من دوائر انخراط المرأة في هذا الصراع اليومي ،فزجت بها في أسواق العمل بكل أشكاله ،وأتاح انتشار التعليم ،وثورة الاتصالات ،وتقنيات العلاقات الإنسانية السريعة الإيقاع ،أتاحت للمرأة بفعل الضرورة حتى في الأوساط الثيقراطية المحافظة جدا ،قدرا كبيرا من الحضور ،حضور معترف به في الواقع الاجتماعي أولا ،وفي القوانين وخاصة قوانين الأحوال الشخصية التي تستمد قواعدها الرئيسية من الكتب السماوية ،الأمر الذي جعلها بطيئة التطور ،قرآنيا محاولات واسعة النطاق لتوسيع فهم النصوص الدينية في تطبيقات الزواج،بين زواج ديني وزواج مدني ،وبين زواج تقليدي وزواج تخريجي مثل الزواج العرفي وزاوج المساير .......الخ ووجدنا المرأة تخترق الحواجز المعيقة حتى في المهن التي كانت شبه مغلقة ،سابقا مثل الخدمة في سلك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ،بل لقد وجدنا نساء من الشرق والغرب على حد سواء، يحملن حقائب وزارات الدفاع ،والداخلية في العديد من الدول الغنية والقوية ،والدول الفقيرة والضعيفة أيضا .
اثر هذه المشاركة في القرار السياسي:
قبل أن نسال عن مدى الأثر الايجابي لاتساع رقعة مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي ،لابد أن نسلم بقاعدة رئيسية أن الضرورة هي سيد الأحكام ،ولولا ضغط هذه الضرورة ،وجدواها ،والاحتياج الواسع لها ،لما وجدنا امرأة تجلس في مقعد رئيس الوزراء ،أو في مقعد رئيس البرلمان ،أو في مقعد وزير الدفاع والجيش،ووزيرا للداخلية والأمن ،ولما وجدناها حتى في قلب العملية الاستشهادية أثناء عمل المقاومة ضد الاحتلال كما يحدث في فلسطين .
الضرورة إذا هي التي دفعت إلى هذا التطور ،وليس الأمر هدية من طرف أخر ،ليست منة من الرجل إلى المرأة ،بل هو الاحتياج الضروري الذي أنتج نفسه بهذه المساحة الواسعة من المشاركة ،وقد رأينا في السنوات الأخيرة نماذج لهذه المشاركة تجتاز الحواجز ،مثل الارتفاع المتصاعد لنسبة المشاركات في الانتخابات في بلدان متفاوتة جدا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في أسيا وارويا ،كما أن مشاركة المرأة في القرار السياسي ساهم في انجاز الكثير من القوانين هنا وهناك التي لها مساس أكثر بشرائح المرأة نفسها ،مثل رفع سن الزواج ،واشتراط فحوصات الدم قبل الزواج ،وكذا القوانين المتعلقة بالأطفال ،وذوي الاحتياجات الخاصة ،والعقوبات ضد التحرش الجنسي ،وتطوير قوانين الأحوال الشخصية ،والكفاح ضد القوانين الجائرة المتعلقة بقضايا القتل على خلفية الشرف ،وحقوق رعاية الأطفال ،وقوانين واعتمادات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ،وقضايا العنف ضد المرأة ،وتطوير مناهج التعليم ،بل إن ألاف التفاصيل في حياتنا الإنسانية قد تغيرت إلى الأفضل بسبب اتساع رقعة مشاركة المرأة في القرار السياسي ،من خلال حضورها في الانتخابات ،والحركات الاحتجاجية ومن خلال المواقع السياسية التي وصلت إليها وسلطت من خلالها أضواء كاشفة قوية على جوانب كثيرة من الحياة .
بطبيعة الأمر:
فان خط التطور بالنسبة للمرأة ،ووصولها إلى دوائر صنع القرار ليس سهلا وورديا دائما ،فهناك قوى كثيرة في المجتمعات الإنسانية دون استثناء ما زالت تقيم الحواجز ،وما زالت تتذرع بفهم خاص لقدسية النصوص ،وما زالت تأخذ من المرأة صوتها لتصل به إلى الحكم ثم لا تعطيها شيئا بالمقابل ،ولكن الحواجز على اختلاف أنواعها تتساقط وراء بعضها مثل لعبة الدمينو،وتجد هذه القوى الرجعية نفسها في كثير من الأحيان خارج إطار الزمن ،تحتكم إلى قوانين وأعراف ميتة بينما ثورة الواقع تستمر بالتقدم إلى الأمام.