يوم واحد للمرأة ... لا يكفي



مهند عبد الحميد
2004 / 3 / 19

.. باستثناء قرار الرئيس ياسر عرفات الذي اعتبر يوم المرأة العالمي، الثامن من آذار – عيداً وطنياً، فقد جاءت هذه المناسبة ومضت كما جاءت ومضت في الأعوام السابقة، رتيبة ورمزية، احتفل مئات من المتنورين وأنصاف المتنورين بيوم المرأة نيابة عن جماهير النساء الغفيرة – نصف المجتمع – . قدم البعض وروداً للنساء، وخرجت الطليعة النسائية (البيروقراطية) إلى الساحات . وذهبت عائلات النخبة إلي المطاعم. ومن اللافت للنظر التغيب الفادح للحوار النقدي حول المرأة وقضاياها، ليس في هذه المناسبة وحسب , بل وفي الأيام الاعتيادية، حتى المنابر المتخصصة بشؤون المرأة خرجت في يوم المرأة خالية من المعالجات العميقة والنقدية، واقتصرت على الأخبار والبيانات والانتهاكات الإسرائيلية وقليلاً من الآراء .
إن غياب الحوار لا يخلو من مغزى. فالرتابة والسكون يعنيان غياب المقاومة والاحتجاج الفكري والسياسي على الظلم الاجتماعي المتفاقم .ويعنيان التسليم بالأمر الواقع المأساوي . قد يقول البعض أن السلام الاجتماعي يعد أمراً طبيعياً وضرورياً في شروط مقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وبالتالي من المنطقي إعطاء أولوية للاستقلال السياسي وللحرية السياسية. غير أن هذا الموقف يتناقض مع اطروحات وبرامج القوى اليسارية والعلمانية الفلسطينية التي ربطت بين التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي . كما أثبتت تجارب حركات التحرر الوطني في سائر أنحاء العالم أن أي تحرر وطني بلا مضمون اجتماعي سيكون مآله الفشل واهدار للاستقلال . ولا يعني في كل الأحوال أن ربط النضال الاجتماعي بالنضال الوطني يغّلب التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي، أو المساواة بينهما . بالعكس فان النضال الاجتماعي الديمقراطي يدعم النضال التحرري الوطني ويختصر عليه الوقت والمسافة لتحقيق أهدافه . وبهذا المعنى فان يوم المرأة يعد مناسبة لتحفيز قضايا التحرر الاجتماعي وتحرير الطاقات الخلاقة في المجتمع. إن قضايا المرأة لا تخص المرأة وحدها بل تخص المجتمع برمته، والدفاع عن حقوق المرأة وحريتها هو دفاع عن قيم العدالة والتحضر والمساواة والديمقراطية . والذين يعزلون النضال الاجتماعي عن الوطني، هم الذين يعزلون عناصر النضال الاجتماعي عن بعضه البعض ويفقدونه مضمونه التحرري وأهدافه . فلا يمكن تجزيء مشاكل المرأة الفلسطينية والنظر لكل واحدة منها على انفراد . كما لا يمكن الفصل بين قضية المرأة الفلسطينية عن قضايا المرأة العربية وقضايا المرأة في العالم . ومن اجل التصدي للمشاكل الخاصة . من الضروري رؤية اللوحة الكبرى والمشهد العام .
قدم آخر تقرير لمنظمة اليونسكو حول المرأة عينة من المعطيات المرعبة : فالمرأة لا تتساوى مع الرجل، وتعتبر مواطنة من الدرجة الثانية في سائر أنحاء العالم المنقسم إلى بلدان متطورة وأخرى متأخرة، والتفاوت الموجود في اللامساواة بين بلد وآخر لم يرق إلى مستوى نوعي . وتحتل المرأة ثلثي الرقم الإجمالي من الأميين الذكور والإناث في العالم كما تحتل المرأة 70% من مجموع فقراء العالم ذكوراً وإناثا، علماً أن النساء يؤدين ثلثي الأعمال المتحققة على صعيد عالمي . والنساء العاملات هن الأقل أجرا، ودون تأمينات اجتماعية. ويتضح من المعطيات أن أوضاع المرأة تزداد سوءاً حتى في البلدان المتقدمة . وهذا يعود لطبيعة النظام العالمي وعولمته العسكرية المتوحشة التي وضعت البشرية جمعاء في شروط سيئة بل وفي محنة إنسانية بالغة القسوة . ولم تقدم لشعوب العالم غير المزيد من الإفقار والمجاعة والحروب والموت وتخريب البيئة وتسليع المرأة ، والاتجار بالنساء عبر القارات . وكانت المفارقة المضحكة المبكية التي قدمها الغرب حين ادعى بوش وبلير أن جيوشهما ضربت أفغانستان والعراق من اجل تحرير النساء! . أما الحقيقة المرة المستمدة من التجربة فهي تدهور وضع النساء في البلدين وتعرضهن لخطر الاغتصاب وتهديد حياتهن أكثر من أي وقت سابق .
ويضاف إلى قائمة المرأة العربية المزيد من القيود والمزيد من الظلم والاضطهاد المشرع في منظومة من القوانين المستمدة من القراءات المغلوطة للنصوص الدينية والاحاديث غير المثبتة والمدسوسة، ومن العادات والتقاليد والاعراف البالية . فالرجل له الحق في تعدد الزوجات الى أربع دون قيد او شرط – من الناحية الواقعية – وتحرم المرأة من منح الجنسية (جنسيتها) لابنائها او تورثهم اسمها ونسبها . ويحق للرجل طلاق زوجته متى شاء، ولا يحق للمرأة ممارسة هذا الحق الا في حالات استثنائية . ويحق للزوج رفع دعوى الطاعة على زوجته . وتميز القوانين بين المرأة والرجل في العقوبات . فاذا قتل الرجل زوجته . يعتبر دفاعاً عن النفس، أما اذا قتلت المرأة زوجها فيطبق عليها قانون الجنايات . وتحرم المرأة من تولي وظيفة القضاء .وتحرم المرأة من حقوقها السياسية كحق الترشيح او الانتخاب او تولي المناصب السياسية الا في حدود ضيقة وفي بعض البلدان العربية . ويفرض على المرأة زي معين "الزي الشرعي الذي يتضمن الحجاب" مقابل حرية الرجل في اختيار الزي الذي يرغب به وغالباً ما يكون زياً غربياً .وتتعرض المرأة للتشوه جراء الختان ،وتخضع لنظام الزواج المبكر وزواج المتعة والمسياروالزواج من كبار السن .ويكفي الشك بسلوك المرأة لتكون تحت رحمة أشد العقوبات –القتل-في العديد من المجتمعات العربية . وتتعرض المرأة للاغتصاب ، ولظاهرة الضرب والترهيب ...وغير ذلك كثير .
لقد وجدت المعتقدات الخاطئة والمتخلفة والاعراف والتقاليد طريقها الى الدساتير وقوانين الاحوال المدنية التي تنظم الحياة اليومية . وشكلت هذه المنظومة أداة لاستعباد واضطهاد المرأة واخضاعها لسيطرة الرجل وسلطته الذكورية في اطار التحالف التاريخي بين السلطتين السياسية والدينية . وساهمت المؤسسة الايديولوجية الاقتصادية القوية للاسلام السياسي في تدعيم وتعميق التحولات الرجعية، وفي فرض تراجع تلو الآخر على السلطة السياسية في القضايا الاجتماعية وقضية المرأة على نحو خاص .
قديماً قيل: قام الفلاسفة بتفسير العالم ولكن الأهم هو تغييره ،وحديثاً يمكن القول: ان تقارير المنظمات الدولية "يونسكو"، "تنمية" و "حقوق انسان" اضافة لاستطلاعات الرأي وثورة المعلومات قدمت تشخيصاً دقيقاً للواقع المأساوي . البعض تماهى مع الواقع والبعض الآخر تعايش، والبعض ينتظر، وقليلون هم الذين يقاومون ويرفعون الصوت .ولكن من المؤكد انه بدون نضال اجتماعي ومقاومة عنيدة لا يمكن وقف عجلة التدهور. والنضال الاجتماعي الديمقراطي يبدأ بتشخيص المشكلة وتحديد أسبابها . وبوضع هدف التحرر في مركز العملية الديمقراطية .وبعدئذ يصار لخوض نضال فكري وجماهيري .والتأكيد على أهمية ربط هذه العوامل مع بعضها البعض .وفي هذا المجال ما أحوج الاجيال الجديدة للاطلال على تراث التنويريين الاسلاميين أمثال ابن رشد وقاسم أمين وجمال الافغاني والطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين.والتوقف عند انجازات التنويريون الجدد أمثال خليل عبد الكريم ونصر حامد ابوزيد وهويدي ومحمد دكروب وغيرهم كثر . وما أحوج الاجيال الجديدة للتوقف عند تراث الفكر الانساني التحرري والتجارب المميزة قديما وحديثا بما في ذلك الفكر الجديد ورموزه العالميين والعرب ،ومن نماذج ذلك روزا لوكسمبرغ وكولونتاي وفاطمة المرنيسي ونوال السعداوي و...غيرهن .ويكتسب العامل القانوني في النضال أهمية فائقة ، الامر الذي يستدعي التسلح بكافة القوانين والاتفاقات الدولية التي تضع تشريعات لتحرر المرأة وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية لازالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة . والنضال من أجل تبني تلك القوانين ، وسن قوانين إلغاء التمييز في كل بلد ومؤسسة وموقع عمل .ويبقى العنصر الاهم وهو النضال الجماهيري من وسط جماهير النساء وبالاشتراك معهن ،فلا يعقل الانفصال عن النساء والاستعاضة عن ذلك بالانابة والتمثيل عن بعد ، لا يعقل عدم جذب الجيل الجديد من النساء ، وتفادي الحوار معه وتركه تحت رحمة الثقافة الاستهلاكية والسلفية. ان الخلل الرئيسي في عمل الحركة النسائية الفلسطينية -المؤسسات الاهلية والمنظمات النسائية والاتحاد العام للمرأة- هو التوقف عن استيعاب دماء نسائية جديدة والانفصال عن جمهور النساء، ومن تشك في هذا الزعم عليها التوجه للمسيرات والندوات والاعتصامات ، وسوف تتبدى لها الحقيقة بلا رتوش . والخلل الاكبر من ذلك هو عدم التوقف عندهذه الازمة من أجل معالجتها ، واستمرار التمثيل عن بعد!! . 16-3 2004

مهند عبد الحميد