فوز الدملوجي خيرٌ, للمرأة والرجل معا



بلقيس حميد حسن
2009 / 1 / 23

حينما عرفت ان عضوة البرلمان الأستاذة ميسون الدملوجي ترشحت لرئاسة البرلمان , فرحت أيما فرح وشعرت بالفخر, فمعنى ان تقود البرلمان امرأة وطنية لم يعرف عنها التعصب لطائفة على حساب اخرى, او لحزب دون الاخر , يعني ان العراق بخير , امرأة مثقفة مسالمة وهادئة تتحاور وتعمل مع الجميع على أساس الاحترام للرأي الآخر, امرأة تتحدث بلا عنجهية أو اسلوب آمر وبلا خُطب ومهاترات شغلتنا واخذت الكثير من الجهد والوقت, كما حصل للبرلمان بقيادته السابقة, فالدملوجي امرأة يهمها تقدم العراق, وتهمها حقوق الجميع, وبالأخص نصفه المغبون الا وهو المرأة, الذي جاءت كل أوزار الحروب والصراعات والاحداث المأساوية على رأسه. كما ان هذا معناه ان في البرلمان عددا لايستهان به, ممن يريدون للعراق الخروج من عنق زجاجة التخلف والتدهور التي دخلها عبر عقود القهر والموت والإهمال والتهميش لكل صوت نسوي وطني حقيقي, كما انه اثبات آخر بأن العراق يريد حقا النهوض من جديد بعيدا عن الفكر السلفي الذي يحاول شده الى الوراء والعودة به للعصور السحيقة , التي لا تشبه اي عصر في التاريخ الحديث , سوى عصر طالبان افغانستان , الذي دمر كل مابناه الشعب الافغاني عبر سنين تاريخه الطويل , بالتعصب والجهل رافعا اسم الدين لافتة تختبيء تحتها كل الأخطاء والجرائم والتنتاقضات المؤدية الى الخراب .
وبرغم من انني لا أتفق مع فكرة المحاصصة التي جاءت عليها تشكيلة البرلمان والحكومة العراقية ككل, لكنني كغيري من المستقلين والعلمانيين, لا أنظر لأعضاء البرلمان , او اقيـّمهم على اساس الانتماء الطائفي او القومي او السياسي , انما على اساس كفاءاتهم وامكانياتهم التي رأيناها ورصدناها عبر وجودهم في البرلمان والتزاماتهم بقضايا الناس , وحرصهم على العمل من اجل حل القضايا الأساسية التي يمر بها الشعب والوطن , وككل عراقي يهمه امر الوطن ومن فيه- خاصة حينما يكون العراقي لايزال في المنافي اذ لا يملك شبرا على ارض وطنه ,او عملا يستطيع من خلاله ان يرفع صوته امام الملأ معلنا الانتماء العراقي بلا غصة او عبرة تخفي وراءها صوته المهمش - فنحن بعيدون قريبون, نتابع اعضاء البرلمان, نعرف نشاطاتهم, حواراتهم التي تدور في اجتماعات البرلمان والتي تعكس شخصية كل عضو ومدى حرصه و قدرته على الوصول الى نتيجة مقنعة ونافعة في اتخاذ القرارات المهمة والخطيرة, والتي تعبر حقا عن ارادة الشعب العراقي..
وبرغم المحاصصات كما ذكرنا الا ان البرلمان يبقى برلمانا منتخبا من قبل ابناء الشعب الذي لم يتعود على الانتخابات الديمقراطية في تاريخه, ويبقى برلمانا وطنيا رغم كل الاختلافات التي ربما تصل حد العداواة التي تضمها مقاعده, لان شعبا رزح تحت نير طاغية مرعب لم يعرف التاريخ مثيلا له, وحروب طويلة طحنت عشرات الالاف من ابنائه ودمرت مادمرت من بناه التحتية والفوقية , حتما يكون حاملا لأنواع من الشرذمة المعلنة وغير المعلنة , وما المحاصصة الا نتيجة واحدة من النتائج, التي ستنهيها الديمقراطية حينما تتمكن حقا من عقول ابناء العراق, و حيث يوصلهم الاقتراع الى اختيار ماهو الافضل لهم, ومنح الثقة للقادر على تحقيق متطلباتهم الحياتية وحقوقهم الانسانية بعيدا عن المحاصصة والانحياز.
انه حقا انتصار ستحققه المرأة بانتخاب الدملوجي رئيسة للبرلمان,فهي التي اسست وعملت على الاهتمام بقضايا النساء من خلال مجلة "نون" الشهرية التي تعني بكل مايخص المرأة العراقية وحل معضلاتها وتطوير واقعها المعاش, وقد اثبتت الدملوجي حرصها الكبير على رفع الحيف عن المرأة العراقية المظلومة , بمواقفها الجريئة والصريحة من مواد الدستور التي تغمط حقوق المرأة وتريد العودة بها الى قوانين العشائر الجائرة .
ان الدملوجي ليست عضوة عادية وخاملة من عضوات البرلمان الكثيرات, اللواتي لم نسمع او نرى لهن رأيا واحدا او موقفا بارزا يثبت احقيتهن بالمقعد الذي يجلسن عليه , انما هي دافعت بكل شجاعة, وبوسائل نضال متنوعة, من اجل حل مشاكل الناس والإحساس بهمومهم في ظل ظروف الإرهاب والرعب والإنفجارات والإغتيالات التي امتدت الى مئات الاصوات الوطنية الحقيقية ..
اذن على اعضاء البرلمان من الرجال ان يثبتوا اليوم ديمقراطيتهم وايمانهم بحق الاغلبية المحرومة, وثقتهم بقدرة المرأة التي تتساوى معهم في حمل المسؤولية وبذات المجلس , فالنساء يشكلن الاكثرية في العراق وحينما نتذكر اعداد الارامل والثكالى ومسؤولياتهن ازاء الملايين من الأيتام والمتضررين , نعرف ان المعنى الحقيقي لكلمة الديمقراطية هو منح القيادة لمن يمثل هذه الغالبية من ابناء الشعب. وسوف لن يخرج معنى مصطلح الوطنية عن هذا المعنى لو دققنا به كثيرا . عندها سيكون الانتصار لقضية المرأة انتصارا لقضية الوطن وبالتالي لقضية الرجل معا
اخيرا , اضع يدي على قلبي , خوفا من خيبة امل تأتي من اعضاء البرلمان , و اناشدهم كأحرار, واخاطب ضمائرهم, وضمير كل من يريد رفعة هذا الوطن وسموه, ان يضع بين عينيه مصلحة الجميع ويركل فكرة المحاصصة التي رفضتها الدملوجي كشرط للترشيح , كما أناشد جميع النساء البرلمانيات ان يضعن ايديهن بيد الدملوجي , وليبتديء البرلمان دورة اكثر ديمقراطية, واكثر فائدة للشعب والوطن .