ختان الاناث جريمة، بل إنه من أقسى درجات المحرمات حسب منطلق كافة الديانات السماوية والإنسانية! – كتبت رانية مرجية



رانية مرجية
2009 / 2 / 1

ختان الاناث جريمة، بل إنه من أقسى درجات المحرمات حسب منطلق كافة الديانات السماوية والإنسانية! – كتبت رانية مرجية
ليس سرًّا أن هنالك ثلاثة عشائر كبيرة في منطقة النقب لا زالت تؤمن بوجوب ختان الإناث، استنادا إلى بعض الأدلة التي أكل عليها الدهر وشرب،ولا تصلح لعصرنا هذا: منها الأحاديث (من أسلم فليختتن)، إن الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء، حديث أم عطية بأن الرسول صلعم قال: "أمشي ولا تنهكي"!
عدا أنه يقي الفتيات من أمراض عدة، والتي تأتي من وجود إفرازات وبكتيريا وفيروسات تتراكم، وتسبب الالتهابات وسرطان الرحم، وتنتقل إلى الداخل لتحدث عقما أوليا، وإضافة إلى أنه يضبط الشهوة، ويكبح جماح استهتار الفتيات، وبهذا يضمنوا للفتاة المحافظة على عذريتها!
والمثير للجدل هنا، إن كان الختان حقا مكرمة للنساء، فلماذا لم يختتن الرسول العربي الكريم محمد بناته، وزد على ذلك، أنه لم يَرِد بالقرآن نص واحد يشير إلى الختان، فليس الإسلام مَن أوجد الختان، إنما جاء الإسلام ووجد الناس يمارسون الختان كتراث، منذ أيام أبونا إبراهيم وليس كشريعة،
ولو عدنا إلى التاريخ، لاكتشفنا أن مَن روى حديثا أن الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء، هو الحجاج بن أرطأة وهو مدلس، وراوي حديث أم عطية، وقد وضع 4000 حديثا، وقتله الخليفة المنصور بتهمة الزندقة!
البحث إزاء هذا الموضوع لم يكن أبدا بالسهل، وقد استنفذ مني طاقات هائلة، فعلى مدار سنة كاملة، ومرة كل أسبوع، كنت أقضي يوما كاملا بالنقب لجمع الإفادات وتدوينها، وأعترف أنه لولا مساعدة إحدى الطالبات المُجدّات ممّن يتعلمن في إحدى الجامعات، لما استطعت أن ألتقي ب 50 فتاة وامرأة، تتراوح أعمارهن بين 18 – 50 عام، يجمعهنّ عاملٌ مشترك، أن عملية الختان التي أجريت لهن، تركت بأعماقهن شعور بالنقص وبالقهر، واختفاء مشاعر الأنوثة الطبيعية!
الحالة الأولى: رشيدة 23 عاما تعمل في أحد المقاهي في شمال البلاد، وهي في غاية الأناقة والأدب والجمال، وقد تزوجت بابن عمها، وكانت آنذاك 13 سنة، وتطلقت بعد سنتين، ومن ثم هربت لملجأ، وتعرفت على شاب من شمال البلاد عندما بلغت 19 سنة، آخاها وتعيش وتعمل معه: افادتنا بما يلي
بسبب الختان الملعون دمروا حياتي وإنسانيتي وأنوثتي، لقد قتلوني بسبب عادة سيئة، ولا أنسى ذلك اليوم الذي كنت فيه بالسابعة من عمري، فجاءت القابلة وعصبت عيني حتى لا أرى شيئا، وأمسكت أمي وجدتي بقدميّ، شعرت بكل شيء وكنت أصرخ من شدة الألم، لم يكترثوا لي ولآلامي وبكائي وصراخي، ثم زوجوني ابنة 13 عام رغما عني من ابن عمي، طفلة لا تملك أن تقول نعم أو لا أو أن تعترض، ولكني فشلت بتلبية رغبات زوجي الذي يكبرني بسبعة أعوام، لم أشعره باللذة ولا هو كذلك، رغم أنني أحببته وكان وحده يتفهمني، وجنّ جنونه عندما علم بما فعلوه بي، كنت أتعذب وأنا معه فهربت من عائلتي إلى هوستل، إلى أن بلغت السابعة عشرة، وتعرفت على شاب يبلغ من العمر 27 عام، أحببته وأحبني وساعدني بإيجاد عمل!
وتابعت تقول: إحدى قريباتي توفيت وهم يجرون لها عملية الختان، كانت في الثالثة عشر من عمرها، حدث نزيف قوي ولم تستطع القابلة فعل شيء، أعلم أنها توفيت رغم أني كنت يومها في الثانية عشر، إلا أنهم دفنوا الجثة في مكان ما دون إعلام الشرطة، وتستروا على جريمتهم!
الحالة الثانية فاطمة 18 سنة، كانت حزينة ومتعبة، قالت لي: عشت بتل أبيب طوال عمري، أبي أصوله من هذه القرية، منذ خمس سنوات مات جدي، فجئت إلى هنا لنستقر في بيته ليظل مفتوحا، وفوجئت بأن الجميع بدؤوا يحرضون أمي على "طهارتي"، هكذا يسمون الختان، أبي كان مترددا وأيضا أمي، لكن أهل القرية أقنعوهما، كنت خائفة خاصة أن سني متقدمة وعندي مشاكل في ضغط الدم، رأيت كل شيء، وشعرت بكل شيء، كنت خائفة وخجلة، أمي وأبي أمسكوا قدميّ، وكنت منهارة بعدها، وتعبت جدا ظللت شهرا لا أستطيع أن أحنى ظهري؛ لأن القابلة خيطت لي مكان الجرح خوفا من النزيف!
تكمل فاطمة وهي تبكي: عندما رأتني أمي بعد العملية وأنا أتألم ومنهارة كانت تبكي معي، شعرت بندمها، وشعرت أيضا أني ضعيفة، وكان يمكن أن أكون أقوى من ذلك وأرفض، وبقيت طويلا لا أعرف حتى الجلوس، وعندما أسمع الآن كلمة الختان هذه أشعر بالخوف، وكأني سأمر بنفس التجربة مرة أخرى، وأتذكر نفس المشاهد وأحزن ويرتعش جسدي، وأخجل من نفسي، وأكره كل الناس!
وتضيف فاطمة: أبي وأمي يلعنون اليوم الذي عدنا به للقرية، ولكنهم يعلمون أني لن أغفر لهم، وتكشف فاطمة لنا أن من قامت بإجراء العملية لها إحدى العجائز، من أميات القرية المفتقدة لأية مهارة جراحية، والتي استخدمت طرقا بدائية لإيقاف النزيف، ولولا وجود طبيب بالعائلة لربما كنت مت، ولكن للأسف، فالطبيب الذي كان من المفروض أن يبلغ عن الجريمة التي اقترفت بحقي، فضل صمت النعاج، لأن اسم العائلة أهم له من القسَم الذي أقسمة يوم رسم طبيبا!
الحالة الثالثة وداد -22 سنة، لم تتزوج بعد وتعمل في مدرسة ابتدائية، قالت: لا أنسى ذلك اليوم كنت فيه بالتاسعة من عمري، فجاءت القابلة وعصبت عيني حتى لا أرى شيئا، وأمسكت أمي وخالتي بقدميّ، شعرت بكل شيء، كنت أصرخ من شدة الألم، وعندما أتذكر ذلك اليوم الآن أشعر بالحزن والخجل، يقولون إن هذه العادة هذه تمنع البنت من المشي في طريق الخطأ، والشباب والشابات أكثرهم مقتنعون أن هذا كلام لم يَعُد صحيحا، فالأصل في التربية وليس بالختان، لكن المشكلة في الناس الكبيرة في السن، مثل الجدات والأجداد الذين يصرون على الحفاظ على هذه العادة، والمدهش في بعض القرى، أنهم يجرون الختان للفتاة مرتين، فبعد شهرين من العملية الأولى يكشفون عليها مرة أخرى، وإذا وجدوا شيئا متبقيا يجرون العملية مرة ثانية، حتى يقضوا على كل شيء، لكن مع هذا هناك من بدأ بالفعل يقتنع بمضار هذه العادة، خاصة عندما يجدون عالما في الدين يؤكد أنه ليس لها علاقة بالشرع، ومنهم أخي نفسه الذي قرر ألا يجري الختان لابنتيه، وبعض النساء اللاتي عانين من الختان بدأن يواجهن الأهل ويقلن لن نختن بناتنا، لكن هذه الأعداد ما زالت محدودة بعائلتنا!
رغم احتجاج الجيل الصاعد من الإناث على عملية ختان الاناث، لتأثيره السلبي عليهن، إلا أن سبعة من أصل 10 مسنات من النقب، أكدوا لنا الأمر التالي، أن الختان يعمل على تهذيب أنفسهنّ، والحدّ من إثارتهنّ الجنسية، وهنّ جيل فاضل ليس كجيل اليوم، وفقط، عملية الختان تساعد الفتاة على المحافظة على طهارتها!
أخيرا، إن الفصل في شأن الختان نستطيع تلخيصه بكلمة واحدة، أنه جريمة، بل إنه من أقسى درجات المحرمات حسب منطلق كافة الديانات السماوية والإنسانية! وأنا أدعو كافة العائلات في النقب التي تؤيد مسألة ختان الإناث، من هنا ، للتوجه لأهل الذكر إن كانوا لا يعلمون حجم الأضرار الجسيمة المترتبة على ختان الإناث، أوليس مبادئ الإسلام القاطعة ترجح وتقرر لا ضرر ولا أضرار، فالضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف، ومنع المفاسد أولى من جلب المنافع