المرأة العراقية و الدستور المؤقت و المستقبل



باقر جاسم محمد
2004 / 3 / 26

لئن كان الموقف من المرأة قد حظي باهتمام الفلاسفة و المفكرين و الديانات كافة ، فان ذلك
يسمح لنا بأن نضيف أن نضال المرأة لنيل حقوقها يمثل جزءا أصيلا من نضال الإنسان من أجل مستقبل أفضل . ذلك النضال الذي التقت فيه طاقات و تضحيات الرجل و المرأة في أحيان كثيرة
حتى ليمكن القول أن الموقف من المرأة يعد معيارا حاسما و جوهريا في توصيف أخلاقيات الفرد و المجتمع معا. و فضلا عن ذلك فأن وضع حقوق المرأة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في
مجتمع ما تصلح مؤشرا دقيقا لقياس و تحديد مدى تقدم المجتمع و رقيه و انفتاحه . و لعلنا نكشف حقيقة مهمة إذا ما حاولنا مقارنة جغرافية التقدم/ التخلف مع وضع حقوق المرأة المذكورة سابقا . فحيثما تكون المرأة تتمتع بحقوق متساوية مع الرجل في المجتمع و الأسرة يكون هنالك تقدم و تطور و رفاهية ، و حيثما تفقد المرأة تلك الحقوق أو بعضا منها يكون هنالك تخلف و جمود و بؤس و ظلم . و لنا أن نراجع خارطة الأرض في شتى بلدانها لنكتشف صدقية هذه الفرضية و خطورتها التي تنبع من كونها تبرهن حقيقة تاريخية و اجتماعية شاملة تتجاوز التفاصيل الجزئية لتغدو دليلا يمكن الركون إليه عن التلازم الوثيق بين قضية المرأة و التقدم و التنمية .
إن المقدمة أعلاه تصلح مدخلا لمناقشة قضية المرأة و حقوقها و مكانتها في عراق المستقبل الذي نرجو له أن يخرج من دخان الحروب و شرور الاحتلال قويا معافى . فالكلام في مستقبل العراق لا يساوي الكلام عن الماضي و نقده و إنما قد يفوقه في الأهمية . فماذا يمكن أن نقول عن المرأة و قانون إدارة الدولة ( أو الدستور المؤقت ) ؟
سنركز على هنا على ما احتواه هذا القانون* من تنويه بمكانة المرأة و قد ذهب إلى أبعد من ذلك بأن خصص للمرأة نسبة عددية في الهيئات التشريعية ة و التنفيذية في الدولة بما يضمن لها دورا مهما في صوغ ملامح مستقبل العراق . و قد انتهت النقاشات إلى إقرار نسبة ما لا يقل عن 25% من أعضاء المجلس التشريعي أو الجمعية الوطنية الانتقالية . و هذا ما ورد في نص قانون إدارة الدولة . و رب قائل أن هذه النسبة غير منصفة لأن نسبة النساء إلى الرجال في العراق تفوق نسبة 50 % ، و هو قول وجيه ، و لكننا نعتقد أن تمحيص الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن لا يسمح بأكثر من ذلك فضلا عن أنه يمثل بداية سليمة . كما قد يرفض البعض بهذه النسبة بدعوى أنه لم يرد نص مثيل لها في دساتير أخرى ، و يمكن الرد على أصحاب هذا الرأي بالقول إن الدول الأخرى هي أما لا تعاني أصلا من مشكلة تمس البنية الاجتماعية مثل مشكلة المرأة في بلادنا ، و هو ما يصدق على الدول المتقدمة ، و أما تعاني من المشكلة نفسها لكنها لم تحض بفرصة لتصحيح الوضع و معالجة هذه المسألة الحيوية ؛ في حين يتمتع العراق بفرصة ذهبية في إرساء العلاقة بين الرجل و المرأة في المجتمع على أسس سليمة . فالمرأة العراقية قامت و تقوم بأدوار اجتماعية و اقتصادية كبيرة ، و لكنها لا تكاد تتمتع بحقوق سياسية توازي ما قدمته من تضحيات فضلا عن تخلف وضع حقوقها الأخرى عما تطمح له . و يمكن أن نضيف أن المرأة العراقية قد عانت ما عاناه الرجل من مظالم السياسية السابقة ، و بخاصة نظام صدام ، و ربما على
على نحو مضاعف فضلا عن معاناتها من موقف الرجل تجاهها و هو موقف متدن يغض من مكانتها الاجتماعية و الإنسانية و يقضم كثيرا من حقوقها ، وهو أمر أشارت إليه دراسات اجتماعية أكاديمية كثيرة و نبهت إلى خطورته و تأثيراته الضارة . و لنا أن نحصر ملاحظاتنا على وضع المرأة المأمول في الآتي :
إن القانون الجديد ، في تخصيصه لنسبة 25% من الهيئات التشريعية و التنفيذية للنساء إنما يكون قد اجترح سابقة مهمة و خطيرة في تأثيراتها المستقبلية المنظورة إن في العراق أو في الوطن العربي . فالمرأة بذلك ستتحفز و تسعى ، و بزخم أكبر ، الى تحرير نفسها من الصيغ التقليدية التي تجعل من الحصول على الحقوق مقرونا بشيء من الاستجداء . فالحقوق ، إذا ما أعطيت للمرأة فهي " مكرمة " من الرجل . و عليها في مقابل ذلك أن تقدم له فروض الطاعة والولاء . و نعتقد أن العدد الذي سيمثل المرأة سيكون حافزا لحراك اجتماعي عميق و شامل لا تشترك فيه المرأة و منظماتها النسوية فقط بل كل الأحزاب و الحركات السياسية في العراق . و سيتجسد ذلك في الآتي :
1. سيحدث تسابق بين الأحزاب و الحركات السياسية لكسب المرأة و بخاصة المرأة المؤهلة للعب دور سياسي محوري و قيادي في المجتمع و د فعها للترشيح للانتخابات و الوقوف إلى جانبها في الحملة الانتخابية و ذلك من أجل زيادة النسبة العددية لكل حزب أو حركة داخل الهيئة التشريعية . و هذا يعني تغييرا في بنية هذه الأحزاب و الحركات السياسية نفسها إذ ستتجه إلى كسب النساء و إعطائهن دورا قياديا لم يكن لهن سابقا .
2. سيؤدي التسابق المنوه عنه أعلاه إلى تطوير موقف الأحزاب و الحركات و القوى السياسية من قضية المرأة . فهي ستسعى لتحقق اقترابا أكثر من النساء و من مشكلاتهن الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية حتى تكسبهن إلى صفوف هذه القوى . و يعني ذلك أيضا تخليا ، ربما تدريجيا ، عن المواقف ذات الطابع السلبي عن المرأة بخاصة في أوساط الأحزاب و القوى المحافظة .
3. و سيترتب على ذلك أن تمتلك النساء عامة و الناشطات في مجال حقوق المرأة مقدرة أكبر في التأثير في القرارات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية على مستوى الدولة . فالقرارات التي تصدر عن مجتمع يسهم فيه الجنسان على نحو متوازن ستكون أكثر رصانة و فاعلية و تستجيب لروح الممارسة الديمقراطية السليمة . هذه الممارسة التي لن تحرم البلاد من حكمة و حنكة الرجال و إنما ستزيد عليها حنكة و رهافة و حصافة المرأة.
4. سيكون حضور المرأة في الهيئات التشريعية داعما لمكانتها الخاصة و يحمي مكتسباتها من أية هجمة ذكورية جديدة كما أنه سيفرض على المرأة تطوير قدراتها و ثقافتها بما يتناسب مع دورها الجديد إن على مستوى النخبة النسوية التي ستلعب أدوارا سياسية مهمة كونها نائبة أو وزيرة أو مديرة عامة أو على مستوى القاعدة النسوية التي تعاني الآن من تخلف مريع قد يؤدي إلى إجهاض مشروع التغيير الديمقراطي برمته .
5. سيؤدي أداء المرأة لدورها الجديد إلى تحرير إرادة المجتمع كله و ليس إرادة المرأة فحسب . فالمجتمع ينهض و يحلق ، كما الطائر ، بجناحيه لا بجناح واحد . فالحضور السياسي الجديد للمرأة سيؤثر على بنية المجتمع و الأسرة معا . ذلك أن دور المرأة الجديد يتطلب تفاهما و انسجاما من الأسرة قبل المجتمع حتى تتمكن المرأة من الاضطلاع بدورها عن مقدرة و ثقة بالنفس و شعور عميق بأهمية ما تقوم به للمجتمع دون إهمال لدورها في الأسرة .
6. إن المأمول من دور المرأة في المجتمع العراقي الجديد يمكن أن يثير في وجهها عاصفة من رواسب الثقافة الذكورية السائدة ، كما قد يدفع إلى محاولة التشكيك بالمرأة و قدراتها القيادية . و لذلك فأن جهود المرأة وحدها قد لا تكفي لإنجاح هذه التجربة الفريدة و إنما يجب أن يسهم المثقفون التقدميون و في معركة المرأة العراقية ، فالنصر في هذه المعركة هو نصر للمجتمع جميعه و ليس للمرأة فحسب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الإشارة إلى أن في الدستور المؤقت الجديد بعضا من نقاط الضعف التي تستحق الوقوف عندها و مناقشتها فضلا عن نقاط إيجابية ، بيد أن المقام يقتضي التركيز على هذه النقطة لعلاقتها بقضية المرأة .