متى ننصف المرأة.. ولو على الورق؟!



عماد الدين رائف
2009 / 2 / 19

تنادي منظمات المجتمع المدني العربية برفع كافة التحفظات على مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتخاذ كل الإجراءات من أجل ملاءمة التشريعات مع مواد هذه الاتفاقية، وكذلك التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بها باعتباره أداة ضرورية لتفعيلها وتطبيقها والتصدي للانتهاكات الفردية والجماعية لحقوق النساء ومناهضة كافة أشكال العنف اللاحق بهن. وقد وجهت المنظمات غير نداء لكافة قوى التقدم في العالم لدعم حملة "المساواة دون تحفظ"، التي تتخذ من الرباط منطلقاً لها، إذ تتوخى هذه الحملة حث البلدان العربية على سحب تحفظاتها على اتفاقية الأمم المتحدة التي صادقتها ثلاث دول من دون تحفظات لغاية اليوم هي اليمن عام 1984، جيبوتي عام 1998، وجزر القمر عام 1994 أي بعد مرور 15 عاماً على صدورها.
الواقع العربي - اللبناني
انضمت إلى اتفاقية "سيداو - 1979" معظم الدول العربية، وقد أرفقت انضمامها بمجموعة تحفظات لتشكل الدول العربية المنطقة التي أبدت أعلى مستوى من التحفظات في العالم على الاتفاقية متناقضة بذلك مع جوهر الاتفاقية وموضوعها وغايتها. فنجد أن كلا من مصر، تونس، العراق، ليبيا، الأردن، المغرب، الكويت، الجزائر، لبنان، البحرين، سوريا، الإمارات العربية المتحدة، وعمان، لديها تحفظات تلاقت بمجملها على مواد محددة، أما العربية السعودية وموريتانيا فقد تحفظتا تحفظاً عاماً على الاتفاقية. فيما لم تبادر دول أخرى كالسودان وقطر والصومال على تصديق الاتفاقية.
تلاقت التحفظات العربية بشكل عام على حق منح الجنسية، المتمثل في الفقرة الثانية من المادة التاسعة منها، والتي تنص على منح الدول الأطراف "المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما"، وعلى الرغم من الوضع المأساوي للنساء المتزوجات من "أجانب" في دول عربية مختلفة، وحرمانهن من منح أطفالهن للجنسية، وبالتالي لكثير من الحقوق المدنية، إلا أنه كان للمشرعين المحليين تبريرات تكاد تكون مضحكة في بعض الأحيان، كما أتت تبريرات المشرع اللبناني الذي صادق على الاتفاقية عام 1996 بعد مرور 17 عاماً على صدورها، بموجب القانون 572، تحت وطأة ضغط كبير من منظمات المجتمع المدني اللبناني والجمعيات المعنية بحقوق المرأة على وجه خاص، ومن مبررات تحفظ لبنان إدراج تحفظه ضمن خطة سياسية لمنع توطين الفلسطينيين على أرضه تماشياً مع أحكام القانون الدستوري فيه، وسائر الاتفاقيات المناهضة للتوطين هذه الفئة من السكان الذين حرموا من معظم الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية على الرغم من مرور ستين عاماً على تواجدهم القسري على الأراضي اللبنانية.
زواريب المذاهب
كما تلاقت التحفظات بشكل عام على الفقرة الأولى من المادة السادسة عشرة من الاتفاقية، والتي تنص على التساوي في "نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه" و "نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول"، وكذلك "نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول"، وكذلك "نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق باختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل". هنا، نجد أن التبرير الذي قدمه لبنان لتحفظه خضوع بنود هذه الفقرة لقوانين الطوائف والمذاهب المختلفة، والتي تتناقض أحياناً مع التزامات يقدمها المشرع والسياسي اللبناني بين الحين والآخر، لاسيما البيان الوزاري الذي منحت بموجبه الحكومة الحالية الثقة صيف 2008، وتشير الفقرة الخاصة بشؤون المرأة فيه إلى أن الحكومة ستستمر في العمل على تعزيز دور المرأة في الحياة العامة ومشاركتها في كافة المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما ستعمل على تنفيذ التعهدات التي التزم بها لبنان والواردة في الاتفاقيات الدولية التي وقعها أو التوصيات التي وافق عليها.
فعلى الرغم من أن الدستور اللبناني يكفل المساواة بين الجنسين، وعلى الرغم كذلك من السعي الحثيث للمجتمع المدني المحلي نحو سن قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، يكفل حل آلاف القضايا العالقة زواريب الطوائف والمذاهب، إلا أن تحفظات "لبنان الرسمي" على الاتفاقية لا تزال سارية المفعول ولا يزال الزواج في لبنان خاضعاً لقوانين الطوائف والمذاهب المختلفة، ما يحرم المرأة اللبنانية من أي فرصة للمساواة مع الرجل حتى على الورق.