تمسك المراة بالروحانيات عادة مكتسبة



عماد علي
2009 / 3 / 4

اول ما ينبغي التحدث عنه فيما يخص الجانب العاطفي و الروحي للمراة و ما تلتزم و تتمسك بها اكثر من الرجل ، هو ايمانها العميق بما وراء الطبيعة ،و ربط نفسها بقوة تامة بالنظريات والابحاث الغيبية على العموم ، و ما يهمني هنا اكثر هو المتنورات و المثقفات التي يبنى المجتمع بما فيه على مدى تقدمهم العلمي و العقلي بشكل خاص.
ان تكلمنا معتمدين على النظريات و المثبتات العلمية و الابحاث الدقيقة و نتائجها التي تثبت بان تركيبة و مكونات مخ المراة و كيانها البايولوجي لا ينقصه شيء ولو خلية عن الرجل ، و العمليات الكيميائية التي تحدث لاجراء المعادلات المعقدة اثناء اداء وظائف الاجهزة الداخلية لها و بالاخص الجهاز العصبي العام مشابهة تماما للرجل من دون نقص او زيادة .
اما من الناحية الاجتماعية ، فالتاريخ القديم يدلنا على ان العقلية التي تميزت بها المراة لتسيير الامور العامة في المواقع التي كانت سلطانة فيها و مسيطرة على زمام الامور في المراحل المتعددة ، تثبت لنا ان للمؤثرات الاجتماعية من النواحي الثقافية و الاقتصادية دور بارز لاظهار شخصية المراة وقدرتها ، و الوسائل المتوفرة لديها من المادية كانت ام المعنوية هي التي تحدد اطر حكم المراة و مستواها من الناحية العقلانية او الروحية .
هنا لا نريد ان ندخل في المحاكات و المساجلات الدينية حول النصوص التي تخص المراة ، وهذا ليس من شاننا ، بل نحن يجب ان نعتمد على العلم والمنطق لبيان الحقائق ، و الاراء و المواقف الدينية هي منتقاة من الظروف العامة للفترات المختلفة من التاريخ و وضع المراة فيها ، و مضمون هذه المراحل التي عبر فيها عن نظرة الرجل اليها من منطلق عقلياته و مصالحه و ما كان يكمن في مواقفه ، و لم تكن الاراء منطلقا من الاتجاهات المحايدة استنادا على تاريخ الاديان و كيفية تطورها الى ما وصلنا اليه اليوم ،و تختلف التاويلات حسب خلفية المؤٌل والفقيه و عقليته و مستواه العقلي و العلمي و الثقافي و كيفية قرائته للنصوص ، وتدخل المصالح الشخصية الاجتماعية و الاقتصادية و في اكثر الاحيان السياسية في هذه العملية ، او متاثرا – بغير وعي- بتراكمات و رواسب ما خلفته ثقافات بلادهم و القت بظلها على فكرهم و عقيدتهم و تحيزهم لجانب معين دون اخر ، والمتضرر الوحيد هو المراة حتما ، نظرا لابوية الحكم و الفكر في كافة المجالات الحياة الاجتماعية الاقتصادية اوالسياسية ، من العائلة الى المؤسسات المدنية الى السلطة السياسية بشكل عام .
ان النظام العام للحياة البشرية الذي يجب ان يؤخذ بمجموعه ، و لا يمكن تجزئته بما يخص المراة و تفريقه عن القضايا الاخرى ، و عند الاخذ بنظر الاعتبار متغيرات المجتمع التاريخية ، و ما اثرت على وعي و المستوى الثقافي للمراة ، ستتوضح لدينا ان الصراع الدائم بين مكونات الجنس البشري قديما كانت واضحة المعالم الى ان وصلت الحال الى سيطرة العقل الذكوري بشكل مطلق في فترات متعددة و بالطرق المعلومة للجميع ، و فرضت على المراة ان تسلك طرق اخرى ليس لمصلحتها ، و للاسف اكثرها متوجهة نحو ماوراء الطبيعة في الخلق و العقل والتفكير و الخيال ، و توريثها للصفات التي تقلل من موقعها و شانها و احساسها بالنقص كعادة موروثة مكتسبة من الصفات المترسخة و المفروضة عليها في الواقع الاجتماعي اليوم ، و بالاخص في البلدان المتخلفة و ما فيها .
الجدير بالذكر هنا ، اننا لم نسمع من اصحاب العقول المثالية او الروحانية المعتمدة على النصوص الدينية يوما ان افكارهم و اعتقاداتهم تقلل من مكانة المراة في الحياة الدنيا كما يدعون . اما لو حللنا نحن و بخلفيات حيادية ما يدعون و ما موجود فعلا على الارض و في مضمون عقائدهم و كتبهم ، و ما نلمسه واقعيا من تطبيقات افكارهم و توجهاتهم يثبت لدينا ان التطبيق و التنفيذ شيء مخالف للادعات النظرية لديهم حقا ، و الامثلة كثيرة في جميع نصوصهم و ما يطبقون و في جميع الاديان دون استثناء ، و لكن باختلاف في الكو و الكيف . و الدهى من كل ذلك تحدثهم عن حرية المراة و حقوقها المتعددة الجوانب في الحياة و مساحة تفكيرها و ما يجب عليها ان تنفذه ، و كل ما يعتقدون يجدون له الوسائل و التبريرات ، و لا يهم ما ينتقدون عليه و يفسرونه على انه الوضع الملائم لما تتميز به المراة ، و انها العقلية الخاصة بحفظ مكانة المراة و ما يرتبطون بها من الملصقات من المفاهيم التي فرضتها الحالات الاجتماعية فقط و لا غيرها ، من الشرف و الكرامة و العزة و غير ذلك من المطلحات الاجتماعية المقيدة لعمل و تفكير المراة . ان ما اضر بالمراة ليست نفسها و المؤثرات التي فرضت تدني وعيها في كثير من بقاع العالم فقط، و انما تحديد خصوصياتها وما يمسها من كافة الجوانب من قبل الرجل بالذات دون تدخلها ، و في مقدمة معوقات سير تقدمها تلازمها البيت و محاولة الرجل لابعادها عن ساحة العمل و الاختلاط و الانتاج ، يعتبر اكبر معوق لتفهمها الحياة و ما فيها ،او اختصار عملها على ما يعينها لها الرجل من باب الشفقة و الصدقة ، و التاريخ شاهد و يثبت لنا و يدلنا على نجاح المراة في كافة انواع العمل و المهمات و ان تطلبت العمليات الجهود البدنية و العضلية . كل تلك الاسباب الموضوعية ، وما اكتسبتها المراة بنفسها من الصفات التي تتمسك بها هي بنفسها ، اما ضعفا في الارادة ، او مجبرة لاسباب اقتصادية او اجتماعية او ثقافية ، من الاسباب الهامة لبقاء المراة و عقليتها في مساحة صغيرة من دون علمها او على الاقل عدم ادراكها بذاتها لما هي عليه ، و هي اسباب ذاتية محضة ، و هذا ما يوضح لدينا العوامل التي تفرض على المراة التوجه الى الغيبيات و التمسك بالروحانيات و المثاليات اكثر بكثير من الرجل ، وايمانا منها بما يقال لها من التوجيهات الصادرة من الاعتقادات ماوراء الطبيعة و ليس لضعف في كينونتها و تركيبتها المادية و الفكرية ، و انما لعدم تلائم الظروف و الارضية لخروجها من المربع المثالي الاول ، و سيطرة الخيال على قدرتها الفكرية ، و هذا ما يمكن ان نقول بان الوضع الاجتماعي العام فرض جوا يجعل المراة اكثر ترددا في قطع خطواتها في التقدم ، و ما موجود في المجتمع من العادات والتقاليد المتوارثة تعتبر من العوائق الرئيسية لجعل المراة اكثر تمسكا بهذه الصفات اكثر من الرجل ، و لاسبابها الموضوعية التي ذكرت سابقا ايضا .السبب الرئيسي الاني لما فيه المراة في الوقت الحاضر هو تدني المستوى الثقافي و التعليمي ، بالاضافة الى افرازات الافكارو المعتقدات المثالية الروحانية البحتة ، و بازالة المسببات ستكون الطريق مفتوحا امامها دون ان تؤثر تركيبتها الطبيعية على عقليتها كما يدعي الاخرون ، اي ما تتمسك به المراة من العادات و التقاليد و الروحانيات تتوارثها و تكتسبها من محيطها الاجتماعي ، و هي سهلة الازالة و لكن تحتاج الى كسر الطوق المفروض بارادتها و عقليتها بذاتها لوحدها و ما تتطلبه مصالحها الخاصة ، و ليس اعتمادا على احد .