تراجيديا المرأة فى مجتعنا - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة...



طارق حجي
2009 / 3 / 5

يستطيع الإنسان أن يكون مطمئنا على صواب ما يقول عندما يؤسس حكمه على شخص أو جماعة أو شعب أو ثقافة أو حضارة على أساس أو على ضوء موقف أى من هؤلاء على المرأة أو على النساء. فالعلم والتقدم والعقل المتمدن المستنير يؤكدون أن المرأة (على الأقل) مساوية مساواة مطلقة للرجل ؛ وإن كانت تفوقه أهميه لكونها فوق أنها نصف المجتمعات فإنها التى تربي النصف الآخر. ويستطيع الإنسان أن يدمغ بالتخلف والدونية والتعصب والجهل (بل والإجرام) كل من يقول بأن المرأة لا تصلح لأي أمر أو منصب أو موقع أو مسئولية ... ومن فضائحنا الحضارية والثقافية أن بين ظهرانينا من يؤمنون بأن المرأة يجب أن تعيش وفق ما يقول به رجال مثل رجال الدين فى واقعنا وجلهم أجهل من الجهل ... ودائما ما يضحكني تصور رجل دين فى مجتمعاتنا البائسة أنه يصلح لإصدار الأحكام التى ينبغي على إمرأة مثل مدام كوري (العالمة التى حصلت على جائزة نوبل فى العلوم مرة أولي سنة 1903 ومرة ثانية سنة 1911 ) ... وليتخيل القراء معي أن مدام كوري تأتمر بفتاوي رجل خارج من الكهف (كهف البداوة والقرون الوسطي وندرة الغلم والتحضر والتمدن) مثل مفتي السعودية الحالي أو سلفه الظلامي الأكبر (إبن باز) ... العالم يحتفل الآن بيوم المرأة بينما نغرق نحن فى مستنقع وضع الأحكام التى (ينبغي) أن تسير عليها المرأة ؛ بل ونترك هذه المهمة لبشر (من بينهم رجال الدين والفتوي) لا يملكون واحد فى المائة من المحصول المعرفي لأي مثقف معاصر كبير ... والأدهي أن نظم الحكم فى مجتمعاتنا تسمح بحدوث تلك المهزلة ... العالم كله بات يعرف أن التقدم والنهضة واللحاق بركب ومسيرة التمدن والإزدهار تبقي كلها مستحيلة التحقق فى ظل أي أوضاع يكون فيها نصف المجتمع (ومربي النصف الآخر) خاضعا لأحكام ونظم متخلفة وضعها رجال معقدون ومهوسون بالتحكم فى المرأة ويحلمون بعالم أسود متخلف يقرر فيه الرجل للمرأة ماذا تفعل وماذا لا تفعل ؛ بما فى ذلك قيادة السيارات ونوع الثياب وماهية عليم والعمل والأنشطة المناسبة وغير المناسبة لها ... إن كل من يقول بأن المرأة غير مساوية للرجل (مساواة مطلقة) وأنها لا تصلح لبعض الوظائف أو المواقع أو المهام ... وأنها خلقت لخدمة الزوج والأولاد هو ثمرة عطنة لشجرة خبيثة بذرتها التخاف وتربتها الثقافة الذكورية التى تجاوزها العلم والتمدن والتحضر وداستها بأقدامها حركة حقوق الإنسان التى تجسد أسمي إنجازات العقل والضمير الإنسانيين . إن كاتب هذه السطور يعتقد أن المجتمعات الناطقة بالعربية هى ليست على مستوي الصفر بين مجتمعات العالم المعاصرة ؛ وإنما هى دون الصفر بالكثير من المسافات . وأننا لن نصعد لمستويات التقدم والتمدن والتحضر التى بلغتها شعوب ومجتمعات أخري إلا إذا إستئصلنا من مناخنا الثقافي والإجتماعي ثلة الأفكار الآسنة التى لا تضع المرأة فى مكانتها التى تستحقها كشريك كامل للرجل فى المواطنة والإنسانية دون أى تحفظات أو إستثناءات ... ولا يمكن بلوغ ذلك ما لم يحجم الدور المستفحل لرجال الدين والفتاوي وإيقاف نوغلهم وتغولهم السرطاني والذى يجعلهم (وهم البسطاء عقلا ومعرفة) المرجع فيما كان (ولا يزال) المنطق والعلم يحتمان ألا يكونوا المرجع فيه ... وهم الذين وصفهم على عبد الرازق فى رسالة بعث بها للعميد طه حسين منذ أقل قليلا من تسعة عقود بأن واحدا فقط منهم يكفي لإظلام مدينة عظيمة مثل باريس (العاصمة النور) ... ويقتضي الحديث عن وضع المرأة العربية اليوم أن أؤكد أن
جل الحكام وكبار المسؤولين فى المجتمعات العربية شركاء (بنسبة لا يستهان بها) للمتعصبين والظلاميين والماضويين وأبناء ثقافة التراب والخيمة والرعي فى معاداة المرأة ؛ ولو قالوا بخلاف ذلك. فإذا كانت العبرة بالأفعال لا بالأقوال ؛ فما الذى يمنع الحكام العرب من تكليف سيدة برئاسة الحكومة (كما حدث فى أكثر من أربع دول إسلامية كبري غير عربية) ؟ ... وما الذى يجعل هؤلاء الحكام يكتفون يتمثيل نسائي شكلي ومظهري فى حكوماتهم (وهم فى مجتمعاتهم الآمرون الناهون ) ؟ ... ولماذا لا يتم تعيين نساء على نطاق واسع كمحافظين ورؤوساء مدن ورؤوساء جامعات وعمداء كليات ورؤوساء هيئات تشريعية وقضائية ؟ ... السبب الأوحد هو أن عددا غير قليل من هؤلاء الحكام إما أنهم ليسوا بقادة رأي حقيقيين ؛ وإما أنهم شركاء للمتعصبين والظلاميين وأبناء ثقافة التراب والخيمة فى معاداة المرأة. إن المتشدقين بالدفاع عن حقوق الإنسان وأهمها حقوق المرأة لا يتعدون دوائر الكلام (الصادق أو غير ذلك) عندما لا ينادون بحتمية المبادرة بتنصيب نساء كثيرات فى جل المواقع القيادية وكذا عندما لا ينادون يإعادة النظر فى المنظومة القيمية الآسنة التى تؤدي لتراجع مكانة المرأة عن مكانة الرجل فى المجتمع وهى منظومة قيمية يروج لها (بوعي وإدراك أو بدونهما) من خلال المؤسسات التعليمية (وهى تحت سيطرة الحكام الذين يدعون مناصرتهم لحقوق المرأة) وبنفس القدر من خلال المؤسسات الإعرمية والثقافية والدينية (كالأزهر فى مصر والمؤسسة الدينية الديناصورية فى السعودية). كما أن المرأة ذاتها فى مجتمعاتنا بحاجة لإعادة التأهيل بعد أن صيرتها الثقافة الذكورية الآسنة المعربدة فى مجتمعاتنا لأحد أهم مروجي هذا الثقافة الظلامية والرجعية والمضادة للتقدم والمعادية للتمدن والإنسانية. فما أكثر ما نجد نساء فى واقعنا يدافعن عن أوضاعهن الراهنة والتى هى أدني لوضعية الإماء والجواري فى العصور الوسطي ويتحدثن عن التكريم (!!!) الذى يحظين به فى ظل المنظومة الحالية والتى تقع فيها مكانة النساء فى نقطة وسط بين مكانة الرجل العربي ومكانة ممتلكاته الأخري من جماد وحيوان . يقول نزار قباني فى ديوانه العبقري "يوميات إمرأة لا مبالية" : ( ثوري ... أحبك أن تثوري ... ثوري على شرق التكايا والبغايا والبخور ... ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير !!! ) ... وهذا البعد من الوضع الراهن للمرأة العربية والذى يشبه وضع الأقنان الذين يدافعون عن مزايا وسجايا نظام الرق هو نتيجة طبيعية لعربدة الثقافة الذكورية والتى أوصلت المرأة المصلوبة على صليب تلك الثقافة للتغني بمزاياها والحديث عن مكرماتها