تمثيل مصطنع... وفاعلية مزيفة



إيمان أحمد ونوس
2009 / 3 / 8

إن المتتبع للحركة النسوية يدرك أن ظهورها جاء مع تشكّل التيارات والأحزاب السياسية اليسارية والتيارات المعتدلة الديمقراطية لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما نشأت جمعيات ثقافية واجتماعية تُعنى بقضايا المرأة، فكان لها دوراً لا بأس به في التأثير على الأوساط الثقافية والاجتماعية آنذاك.
ومنذ منتصف القرن العشرين حظيت المرأة بمواقع هامة في الحياة الاجتماعية والثقافية بعد أن دخلت ميداني العلم والعمل، وساهمت فعلاً في عملية التنمية، لكنها وفيما بعد بقيت(إن وجِدت سابقاً) ومازالت مقيّدة في مواقع صنع القرار لعدة أسباب أهمها:
أولاً: بسبب الموروث القيمي الاجتماعي- الديني:
صحيح أن المرأة حاولت دخول ميادين الحياة السياسية والثقافية إلاّ أنها بقيت أسيرة معتقدات المجتمع وأفكاره التقليدية والدينية المسيطرة، إضافة إلى أنها لم تتحرر داخلياً من عُقَدِ النقص التي تهيمن عليها وخضوعها اجتماعياً لسيطرة الرجل، لأنها مهما ارتقت في مناصبها( العلمية والسياسية) تبقى تحت عباءة الرجل ولا يمكنها الخروج من ظلّ هذه العباءة طالما انه بإمكانه(أو أنها تقبل أحياناً) أن يتزوج ويطلق متى يشاء ويمنعها من السفر دون إذنه. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في تعامل المجتمع مع المرأة من جهة، ومع المساواة بين الجنسين في الحقوق من جهة أخرى، إذ اعتبر العمل السياسي من اختصاص الرجل، وبرأيه لا يليق بالمرأة على قاعدة:( ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)
ثانياً- نظرة المرأة لدورها السياسي وطريقة تعاطيها فيه:
صحيح أن المرأة دخلت المعترك السياسي منذ زمن ليس بالقليل بالنسبة لبعض التيارات ولأحزاب السياسية( الحزب الشيوعي، حزب البعث، و... الخ) إلاّ أنها ما زالت حتى ضمن هذه التنظيمات تحتل المرتبة التالية للرجل إن كان في قيادة هذه الأحزاب، أو في التمثيل النيابي والسلطات الأخرى، وهذا نابع من تمترس تلك القيادات بشكل غير مباشر وراء المنظور التقليدي- الذكوري للمرأة متذرّعة بقلّة عدد النساء في هذه التنظيمات قياساً لعدد الرجال، وبالتالي هذا الواقع يفرض ذاته رغم إرادتهم.
إضافة لأن المرأة ذاتها غير مقتنعة ضمنياً بجدوى دورها ومدى فاعليتها في هذا المجال من جهة، ومن جهة أخرى فهي تتعامل مع تلك المناصب التي وصلتها بعقلية ذكورية بحته تصل أحياناً حدّ التشدد أكثر من الرجل ذاته، بغية إثبات وجودها وتحقيق ذاتها من وجهة نظرها، لاعتقادها أنها كلّما كانت أكثر صلابة(ورجولة.!) كلما متّنت موقعها وأجادت عملها، متناسية أن المرأة وللخاصيّات التي تتصف بها من مرونة في التعاطي والتعامل مع الأشياء، إضافة إلى خاصية الأمومة وما يتبعها من مزايا أعمق إنسانية بما يجعلها أكثر قرباً من الناس وتلمّس مشاكلهم وهمومهم، ويمكّنها أيضاً من حلّ القضايا العالقة بكثير من الصبر والتأني والرحمة أكثر من الرجل، وهذا بدوره يفضي لمجتمع يسوده كثيراً من العدالة والتطور الإنساني.
وللأسف هناك نماذج من النساء موجودة في السلطة هي أبعد ما تكون عن قضايا المرأة أولاً، والتي ربما تقف ضدها أحياناً كثيرة( والأمثلة عديدة) ومن ثم عن قضايا المجتمع ثانياً بحيث تعتبر الكثير من الظواهر التي تعيق تطور المجتمع ومسألة حقوق المرأة من الأشياء التي لا تمثل ظاهرة تستوجب الوقوف عندها. ونماذج أخرى تترأس تنظيمات نسائية هي أبعد ما تكون عن آلام المرأة ومشاكلها، بل بالأحرى تعمل على اضطهاد المرأة من خلال كون هذه المسؤولة زوجة ثانية.
إن هذه النماذج تذكرنا بالأسطورة ميديا التي رغبت في تسلم السلطة فطلبت المعونة من الآلهة التي وضعت لها شرطاً لذلك عليها تحقيقه كي تصل مبتغاها، فما هو شرط الآلهة..؟ إنه على ميديا أن تقوم بقتل أبنائها كي تتسلم زمام السلطة، وما كان منها- أمام إغراء وجاه السلطة- إلاّ أن قتلت أبناءها لتصل لمبتغها.
ثالثاً- طريقة التعامل مع الوجود النسائي ونسب تمثيله في السلطة التشريعية والتنفيذية، فالمتابع لعمل البرلمانات العربية واللجان المنبثقة عنها يجد أن تمثيل المرأة فيها لا يعدو كونه واجباً تفرضه سياسة النظام الحاكم، أو سياسة التحالف مع أحزاب أخرى، بينما هذا التواجد النسائي يبقى غير فاعل في معظم الأحيان، لعدم كفاءة وقدرة الكثير من النساء اللواتي وصلن البرلمان على التعاطي مع مجمل القضايا المطروحة وفي مقدمتها قضايا المرأة، بل على العكس مما هو مطلوب منهن، فإنهن أحياناً يقفن ضدّ مشروعات قوانين تعمل على النهوض بواقع وحقوق المرأة خدمة للجهات التي أوصلتهن قبّة البرلمان مدعّمات بنسبة تمثيلهن الضئيلة في السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي لا تتجاوز12%
وفي هذا الصدد يقول د. طيب تيزيني:
((يكفي أن نشير إلى واقعتين اثنتين: أما أولاهما فتتمثل في أن الكثير من مجالس البرلمان العربية، ومعها السلطات التنفيذية المعنية، ترفع أصواتها، معلنة أن عددَ كذا أو كذا من النساء يشغلن هذه المجالس، وأن هذا العدد في ارتفاع مستمر فيها. وتظهر هذه الواقعة بشيء أو بكثير من المرارة السوداء والاستفزازية خصوصاً في تلك "المجالس البرلمانية"، التي يمثل وجودُ النساء عضوات فيها صيغة من صيغ الزينة والدعاية الساذجة. ويحدث ذلك يداً بيد مع التأكيد على وجود اتحادات نسائية ملحقة بالدولة هَمُّ العضوات اللواتي يوجدن فيها هو الاحتفاظ بمناصبهن بالدرجة الأولى.))
ولا يغيب عن ذهننا أن المجتمع، والذي يفرز ممثليه في تلك السلطات وبضمنها السلطة القانونية، يقف من قضية المرأة موقفاً متبايناً نتيجة موروث اجتماعي- ديني ترسخ عبر مئات السنين لصالح الرجل.
ومن هنا تأتي عدم فاعلية وجدوى هذا التمثيل النسائي(الكوتا) في كافة السلطات الموجودة، وليس فقط في البرلمان، لأنها لم تعزز أو ترسّخ أبداً مشاركة النساء في اتخاذ القرارات, أو تبوء المواقع القيادية تمهيدا لتحقيق المساواة الحقوقية والثقافية والاقتصادية والسياسية الكاملة للنساء كافة.
ولا تبتعد عن هذا التوجه كثيراً بعض المؤسسات والجمعيات الأهلية والمنتديات التي تُعنى بقضايا المرأة ومشكلاتها، وترفع شعارات تجذب جماهير النساء المقهورات، لأنها على الغالب تُبقي أنشطتها وعملها في إطار التنظير والمسوحات الممسوخة وغير الواقعية في معظم الأحيان، أو التي تكون مقتصرة على شريحة معينة من المجتمع، وهذه الشريحة لا تُعنى كثيراً بهذه القضايا لأنها، إما غير مؤمنة بما يُطرح عليها، أو غير مستعدة لهذا النضال لما تمتلكه من إمكانات الحياة المحترمة.
ومع ذلك لو أدرك القائمون على هذه الأمور أهمية المرأة على مستوى التنمية المستدامة للدولة والمجتمع لعرفوا كم نحن بحاجة إلى تفعيل حقيقي لدور المرأة ومسألة تمثيلها في جميع هذه السلطات، ولا سيما التشريعية منها، بحيث نبتعد بها عن التمثيل النسبي(الكوتا) لنقترب من تمثيل حقيقي قائم على مؤهلات وكفاءة وفاعلية المرأة المنتخبة من قبل جماهير النساء، وإيمانها الحقيقي والعميق بحل قضايا المرأة العالقة لتكون مساوية للرجل في الحقوق والواجبات القانونية وليست شبيهاً له، لأنهما اجتماعياً وعاطفياً وإنسانياً يكملان بعضهما البعض، واختلافهما حق وعنصر إغناء للمجتمع ولحقوق المرأة.