أسئلة الثامن من آذار الفلسطينية



ريما كتانة نزال
2009 / 3 / 8

أسئلة عديدة تطرح ذاتها على الحركة النسائية الفلسطينية بمناسبة يوم المرأة العالمي.. أسئلة تتعلق بالواقع الراهن على الصعيدين الوطني والاجتماعي، وأخرى تتصل بالدور المستقبلي للمرأة في ظل التغيير المضطرد على المشهد الفلسطيني العام.
أولى الاسئلة وأهمها؛ تلك المتعلقة بتحديد رصيد حساب ميزان الأرباح والخسائر، عن فترة الحصاد البرنامجي العام في جانبيه الوطني والاجتماعي، وبمعنى آخر ما يحسب للحركة النسوية من انجازات باتجاه الهدف، وما يسجل على أدائها من ملاحظات، وبما يلبي تحديد علمي وواقعي يرصد المخرجات الكمية والنوعية المتبلورة على شكل مكاسب حقوقية وقانونية أو على صعيد الاعتراف المجتمعي بالدور، أو لجهة التقدم في المشاركة القيادية للمرأة، وعلى الصعد المختلفة التنموية والتعليمية والاجتماعية والتوعوية والتثقيفية، وربطها جميعا بالمتحقق على صعيد عملية التغيير الفكري المجتمعي اتجاه حقوق النساء..!
وفي الوقت ذاته فإن مثل هذا التقييم لا بد وأن يرصد المتحقق على صعيد الدور الوطني للمرأة، وعلى دورها في استعادة الوحدة الوطنية، وتحديدا وقد انطلق الحوار الوطني، وأن يؤخذ ذلك كله بالاعتبار في الحد الأدنى لدى استشراف الخطط المستقبلية، ولدى الإجابة على أسئلة مستجدات البرنامج؛ والتساؤلات حول التطور على الأداة التنظيمية، وتحديدا عن دور الأطر النسوية واطار المرأة الموحد والمعبَر عنه بالاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.
واذا كان هناك ثمة إجابة أو احتمالات إجابة، لابد من قراءة المشهد النسوي ضمن الصورة الفلسطينية الكلية، وفي الخلفية لا بد من أن تظهر صورة الانقسام وتداعياته وانعكاساته على الأداء وتغيير الأولويات. ولا تتم القراءة كذلك دون نتائج الحرب العدوانية الشاملة على غزة وفي الضفة.
بشكل عام فان محصلة الحصاد النسوي تتسم بالمراوحة، حيث تعمل المرأة في ظل واقع هش وظروف عامة قلقة،الأمر الذي يستدعي حراكا على طبيعة الخطط والاستهدافات في كثير الأحيان وتحديدا في الجوانب الوطنية، وهو المحور الذي مسه الشلل والتراجع. حيث تراجع الدور المبادر المنظم للمرأة في الفعاليات المواجهة للاحتلال، وبدت عديد الفعاليات في مناطق الجدار والاستيطان في اطار المبادرات الاهلية والمحلية، ولم تستطع القياديات أن يغطين على نقص المشاركة العامة من خلال مشاركتهن الرمزية، مما يؤكد ما ذهبت اليه من حكم على الأداء النسوي على الصعيد الوطني. فالمظاهرات الجماهيرية النسوية باتجاه الجدار والاستيطان كانت محدودة ، والمشاركة النسوية في الفعاليات الاحتجاجية في بلعين ونعلين والمعصرة وجيوس كانت محدودة بالمفهوم المنظم والمستهدف ومندغمة مع باقي القطاعات المحلية.
على صعيد البرنامج الاجتماعي والديمقراطي والقانوني:
بشكل عام يجدر ملاحظة التقدم النسبي على محاور العمل النسوية ذات البعد التعليمي والتنموي والحقوقي. فعلى الرغم من تجميد العمل بالاجراءات ذات الصلة بالقوانين، الا أن الحراك النسوي في مجال تحضير مسودات القوانين، او الجهد التوعوي التثقيفي للقاعدة بمثالب بعضها على خلفية التمييز الممارس ضد المرأة لا زال مستمرا. كما يمكن ملاحظة التقدم في التحصيل العلمي في وسط الفتيات، وتحديدا في مجال الكليات العلمية. كما أن نسبة الفتيات والنساء اللواتي يغشين سوق العمل بأعمال غير نمطية وتنموية أيضا في ازدياد. وعلى صعيد المشاركة في مراكز القرار المختلفة، يمكن ملاحظة التقدم الحاصل على أعداد النساء اللواتي يرتقين الى مراكز رفيعة في مستويات القرار على صعيد الوظيفة الحكومية وكذلك في سلك القضاء بما فيها على صعيد التشكيل الحكومي الذي يمتاز بوصول ثلاث وزيرات للوزارة.
ان انقسام المجلس التشريعي قد أوقع الضرر على سلاسة صدور القوانين الضرورية للمجتمع بشكل عام، ومنها قوانين ذات صلة حيوية بالمرأة، كذلك فإن اصدار قوانين في غزة سيزيد في تعقيد الأمور لدى استعادة المجلس وحدته. ويجدر الملاحظة بأننا الآن أمام واقع وجود ثلاث مسودات قانون الأحوال الشخصية، أحدها قانون مقدم من ديوان الفتوى والتشريع كان قد بوشر العمل به قبل الانقسام، والآخر مقدم الى المجلس التشريعي في غزة، والثالث مقدم من قبل المؤسسات القانونية والنسوية.
ومن جهة أخرى، يصعب القفز عن البرامج التي تقوم بها المراكز والجمعيات المتخصصة بقضايا المرأة، والتي تسلط الضوء على العنف المجتمعي الممارس ضد المرأة، والى البرامج التي تهتم بالتمكين والتأهيل بأنواعه، السياسية والتعليمية والقانونية والمهنية والانتاجية والاقتصادية والنفسية، وخاصة التي تربط ما بين التأهيل والتمكين مع تقدم الدور القيادي في العمل العام والمجتمعي.
على الصعيد الديمقراطي والانتخابات الداخلية: استمرت المؤسسات النسوية في توفيق أوضاعها القانونية بعقد انتخاباتها الدورية وتجديد هيئاتها، كما قام الاتحاد العام للمرأة باستكمال انتخاباته على مستوى المحافظات، وعليه يقع عبء استكمال الانتخابات للهيئات القيادية في المدى العاجل. ان الاتحاد الذي يرتبط بعلاقة عضوية مع منظمة التحرير الفلسطينية بموجب لوائحه الداخلية، لا بد وأن يأخذ باعتباره العمل على تجديد رؤياه البرنامجية استنادا إلى مستجدات الواقع، وأن يحدد نظرته لطبيعة وشكل علاقته بالمنظمة آخذا بالاعتبار المستجدات التي قد تطرأ على المرجعية الأم أمام احتمال مشاركة قوى جديدة في المنظمة وما قد يترتب على ذلك.
يتضح مما سبق بأن توصيف الحصاد النسوي بالمراوحة لا يجانب الصواب، فقد وقع التطور والتقدم على الصعيد الاجتماعي، بينما أصاب التراجع في التأييد على صعيد محور العمل الوطني. وهذا ما تسنده استطلاعات الرأي العام المتخصصة، وتحديدا ما جاء في استطلاع مركز أوراد الصادر في بدايات عام 2008، حيث أوضح الاستطلاع المذكور بأن نسب المؤيدين والداعمين لنيل المرأة الحقوق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية في ازدياد، بينما تراجع التأييد للكوتا الانتخابية وللمشاركة النسوية في مراكز صنع القرار. واذا كان لا بد من قراءة النتيجة وتحليلها، فلا بد من ارجاع انخفاض التأييد للمشاركة السياسية للمرأة ولآلية "الكوتا" الانتخابية بالقانون قياسا باستطلاعات رأي سابقة، إلى عوامل الخلاف والانقسام ومشاعر الاحباط من سوء الأداء القيادي على الصعيد السياسي المؤثر في النتيجة. أما بخصوص التقدم في المجال الاجتماعي، فلا بد من إعادته الى الأثر الايجابي التراكمي الذي أحدثته البرامج التوعوية والتثقيفية النسوية، ولإسهامها في تغيير الوعي حول حقوق المرأة في المجتمع الى الأمام، كما لا يمكن تجاهل الأثر الحاصل في تغيير نظرة المرأة لذاتها ولدورها العام، وما حققته من تقدم علمي الذي مكنها من تعزيز ثقتها بذاتها وطور وضعها في نطاق أسرتها.
ان عملية التقييم محطة ضرورية للتوقف عندها بهدف فحص الخطط وأداءها؛ ولتمحيص التوجهات والسياسات لتثبيت وتقوية وتطوير الايجابي منها وادراجه مجددا من جهة ثانية. ويجب أن يولى الاهتمام لكل ما يتصل بخطة تفعيل الدور الوطني الأهمية الكبرى، وبما يلبي الفعاليات الخاصة بالمرأة باتجاه مواقع المصادرة والجدار والاستيطان وعلى رأسها القدس ومحيطها والمخططات الجهنمية اتجاه المدينة المقدسة، كما وأن تستوعب الخطة بجانبها الوطني وبآلياتها تفعيل العمل بالقرار 1325 حول المرأة والأمن والسلام،بما يضمن تشكيل لجنة وطنية للقرار للإسهام في قيادة التوجهات النسوية نحو الأمم المتحدة، وأن يكون القرار منصة لحملة من أجل محاسبة ومسائلة دولة الاحتلال على جرائمها المرتكبة في غزة والضفة وللمطالبة بحمايةالمرأة الفلسطينية.