الرجل قد يجرح المرآة ولكن لا يقتلها



أحمد فؤاد جهاد
2009 / 3 / 8

يوم بعد يوم تتصاعد عدد الصفحات التي تخط على قضايا المرآة ، وتأتينا صور العويل والبكاء كلما اكتشفت المرآة مكانتها من هذه القضية ... بكاء ونواح تمرست عليه المرآة قروناً ، وهكذا اضطرت المرآة إلى أخفاء الرقم الحقيقي لخسارتها ... يلفت النظر في مناحة النسوة هذه ، إنها اتخذت ما يشابه ظاهرة العصيان المدني وتقريع الرجال ، والذي يتأمل في صور الندابات يرى في العيون ما هو أبعد من الحزن : أنه الحس بالخديعة والغضب ، بل والدهشة .. أجل دهشة غاضبة مذهولة ، لأن هناك من خدعها وتخلى عنها ، ومع العصر تتصاعد الصيحات المطالبة بإقصاء الرجل عن ( الكارثة ) التي سببها للمرآة ...
ولكن لماذا يكون في الأمر كارثة وغير عادية ؟؟؟
لأن هناك أكذوبة ( لسوبرمان ) أطلقها الرجل على نفسه وهو أول من صدقها تنُص بنود هذه الأكذوبة على أن الرجل قد يجرح المرآة ولكن لا يقتلها ، وأن حرب الإبادة النفسية التي يشنها على المرآة لن تقتلها ..
ليس بين شعوب الأرض كلها على طول تاريخها من دخل حرباً وهو على هذه الدرجة من الغرور ، وغسيل الدماغ من قبل الكثير من المؤثرات منهم من أتخذ جانب الدين وغيرهم العادات والتقاليد والخ ، إلى حد التوهم بأن الحرب يستعص فيها القتل ، أن من يتابع مسيرة الرجل وأساطيره على مر العصور تذهله ظاهرة لا وجود لها ، على هذه الدرجة من الحدة في أي تراث إنساني ، أنها ظاهرة البطل الذي دائماً ما يكون متميزاً ومتفوق على مخلوقات الأرض ، وهذا التمييز يمنحهُ عذراً للقتل والإبادة على الأقل ممارسة الخداع لو أحتاج الأمر ..
لذا الذي يقرا ويتابع قصة الرجل عبر التاريخ تذهله هذه الظاهرة ـ بعضهم أطلق عليها ( جنون العظمة ) أي ( بار انويا ) واستمرارها في أكثر نتاجهم وذريتهم عبر العصور ، وثمة تصاعد في هذا الجنون خلال القرن الحالي ، ومن هنا كانت الحرب السريعة الخاطفة هي المفضلة لدى الرجل وأسبابها كثيرة أهمها نفسية وسيكولوجية تتعلق بطبيعة الرجل والوهم الذي يعيش فيه ، ومن هنا كانت الحرب الطويلة الأمد مع المرآة محتومة وضرورية وبمثابة العلاج الوحيد للرجل من هذا الجنون وهذا الوهم ...
فهل يا ترى تُعلم الحرب هذا الرجل بأن كل من يَقتل من الممكن أن يُقَتل هو أيضاً ، حتى وأن كان بطلاً ، وهل تجعلهم الويلات ويلات الحرب المحتومة مع قضايا المرآة يعون إنسانيتهم المنسية ، ويفهمون أن ما يشنوه على ذلك المخلوق ( المرآة ) بحجج لا قاعدة لها ...


أحمد فؤاد جهاد
كاتب
[email protected]