آفاق الحرية الامريكية وماهيتها لدى المرأة الشرقية



جهاد صالح
2009 / 3 / 9

الحرية خبز الإنسان ومنتهاه في عالم رمادي وبلا ألوان، حرية نحاول كبشر أن نصوغها بما يتوافق مع أحلامنا وأمانينا في العيش بكرامة وكبرياء، نستطيع من خلالها تنقية البشرية من الغبار والشوائب وكل الغازات السامة،التي يخلفها الشرّ من ورائه.
والمرأة ككائن حيوي ورقيق تظل في شرقنا تحلم بالحرية إلى أبعد الحدود،ويظل الحلم في أثوابها مختبئا حتى حين تنتقل إلى مكان جديد وزمن أكثر بياضا وشفافية،لتحاول الإندماج داخل اللوحة الملوّنة والمزركشة، وأمريكا بما تحويه من دوائر الحرية وقوانينها والمساحات الشاسعة والفرص الحرة،تبهر المرأة الشرقية وتدهشها وقد تعميها، لتصبح في غمار الوقوف على خطوط التماس معها، أو الإحتراق بنارها حين الخطأ في الممارسة والفعل، ولكن كل واحدة تعيش هذه الحرية وفق نظرتها وقدرتها على الولوج إلى العمق الذي تريده، وتقتنع أنها حرّة، وبأنها الحرية التي سعت إليها يوما ما.
كيم آر.هولميس مديرة معهد الدراسات الدولية في مؤسسة التراث بأمريكا ترى :
( إن مفهوم الحرية مفهوم معقد،فالحرية طريقة تنظم حياة الإنسان وجهده،وتحترم كرامته،وليس كما يقال أنها رخصة تكفل للإنسان تحقيق ما يريده،فالحرية تعني مجموعة الأفكار التي تتعلق بحقوق الأفراد من حرية الحياة،حرية الفرد والملكية،ونوع الحكومة التي تكفل حماية هذه الحقوق.)

مازالت المرأة في المجتمعات تعاني من اضطهاد وحجب لحقوقها وخاصة في الشرق الأوسط الذكوري
وحين تنتقل الكثيرات منهن إلى الولايات المتحدة، تصبحن في غمار مجتمع آخر وحرية تتفاجئ بها المرأة.
فهل تستطيع المرأة الشرقية أن تندمج في المجتمع الأمريكي، وتمارس حريتها ككائن فاعل إلى جانب الرجل؟
أم أن هذه الحرية قد تحرقها وتسير بها إلى طرق ضيقة تنتهي بها إلى التهلكة؟

الحرية لها ارهاصاتها وألوانها وأشكالها ومفاهيمها، والمرأة الشرقية الأمريكية وقفت في ظلال ( الوارف) لتفتح قلبها وجرحها وتتحدث بجرأة الأنثى عن وعيها للحرية واستعابها لمداركها:

استيعاب الحرية وحقيقتها

المحامية (سهير الزغبي) التي تعيش في امريكا منذ عشرين عاما،تجد أن المرأة عليها فهم ماهية الحرية وتقول:

سواء كان وجودها في القصور الأثينية أم في مساكن الصين، أو أكواخ الخام البدائية الوحشية في استراليا أو فوق السطوح مع الفراخ في مصر، فإن المرأة في أي مكان تجمعها أعراف أياً كانت طبيعتها التي تقف وراء الإضطرابات الإجتماعية.
في الشرق لا زالت المرأة ترزح تحت قوانين الأحوال الشخصية التي تعود لعهود مضت. أما في أمريكا ما زالت تسعى ليس فقط لنيل حقوقها، بل أيضا لمعالجة مضاعفات تلك الحرية المكتسبة. بالرغم من أنها لا تعاني كمثيلتها في الشرق من حبسها بين أربعة جدران أو حرمانها من قيادة السيارة أو السفر بلا محرم أو دراسة بعض التخصصات أو ابعادها وحرمانها من المناصب والوظائف والعمل الحر بلا وكيل، إلا انها أكثر سعياً من المرأة الشرقية لتغيير وضعها الراهن من معالجة وتغيير مضاعفات الحرية التي قد تسيىء استخدامها، هي نفسها بنفس الحجم استغلال الرجل لها.
في البلدان النامية حيث قلة انعدام الوعي وضمنها عالم الوحشية الشبه المتحضر والمتمدن فلا يزال التمييز المنهجي والعنف ضد المرأه عائقاً أمام مسيرتها في تحرير روحها الأنثوية.
لذا فالجهود المبذولة لهذا التحرير من القوانين والأعراف لا بد لها أن تستثمر في تقديم درجة من الوعي الكافي للمرأه وخاصة الشرقية، لأن التحدث عن حرية المرأة لأعطاء الطابع الحضاري لا يقف عند الأمور السطحية فقط ،بل الوقوف عند جوانب الحقيقة الكامنة لمعنى هذه الحرية.
وفي أي من الأحوال كأمريكية من أصول شرقية أفضل العيش في ظل الحرية الأمريكية وبحماية القانون الأمريكي والتعايش تحت ظله بكرامة، من العيش تحت مظلة القوانين الشرقية الغير مطبقة التي تزعم بتكريم وحماية المرأة.
الديمقراطية الأمريكية متنفس المرأة الشرقية
القاصة اليمنية( مريم القحطاني ) تقيم في الولايات المتحدة منذ عام 1999 تحتمي بالحضارة الامريكية وديمقراطيتها لتتكيف مع عالمها الحر والكبير وتعيش كينونتها بآفاق لاحدود لها:
تربكني المفاهيم، خاصة الشائكة منها كمفهوم الحرية و الديمقراطية. لا أعرف إن كنتُ حقاً صالحة للإجابة على سؤال مُفخخ بهذا الحجم قد لا تنفعه تجربة عشر سنوات من الإغتراب. إلا أن المشكلة في السؤال، حقاً، تكمن في مفهومنا للحرية و طريقة ممارستنا لها. ما تعرّفه المجتمعات و الثقافات العربية كحرية، موجود فيها. و ما تعرّفه المجتمعات الغربية كحرية موجود أيضاً فيها. كون التعريف في حد ذاته مسألة نسبية متفاوتة، فإن ذلك يعوق الجواب، إن لم يمنعه تماما. ما يحدث في الواقع للمرأة العربية ليس انصدامها "بالحرية" بقدر ماهو انصدام للمفاهيم نفسها ببعضها البعض أمامها. ما يترك المرأة في دائرة من الإستفهامات و إعادة تأسيس للمباديء التي تربت عليها كي تتوافق مع المباديء التي انتهت إليها، و التي يُفرَض عليها أن تتبناها كي تتمكن من السير مع المجتمع الذي هي فيه و تصبح عنصراً عادياً متماشياً على الأقل، أو مميزاً بالضرورة. و ليس مجرد عيّنة بشرية مُصنّفة ضد أو مع التيار. المرأة العربية عندما تخرج من دائرتها، فإن خروجها لا يكون إلا فيزيائياً فقط و غير نهائي. ما يعني أنها إن لم تسكن الوطن، فهو يسكنها، و العكس. و ليس هذا حديثاُ مثالياً، لكنه ما يحدث فعلاً و يبدو واضحاً في كثير من المناسبات و المواقف. المرأة العربية عندما تأتي إلى هنا، لا يزدها ذلك شتاتاً أو شعثاً، بل غنىً و إبداعاً و خيالاً. يتكون لديها مدّخر ثقافي كبير و متنوع يخولها للإبداع و الإنطلاق و الطموح. و ذلك يبدو واضحاً على أكثر من صعيد و في أكثر من منطلق. فهي الكاتبة و الطبيبة و المحامية و الزوجة القادرة على الإبداع و التفوق و إثبات ذاتها و قدراتها مراراً و تكراراً. إلا أنها، و كنتيجة طبيعية للإنسلاخ النسبي، تتوقف كثيراً عند محطة المفاهيم و القاعدة التي ترتكز عليها من عادات و تقاليد و غيرها من التسميات، التي تعمل كسيف ذو حدين. و التي تعوقها و تمنعها و تدفعها و تحمسها في ذات الوقت. فالمرأة العربية المتفرعة الصلات و النسب، لا تستطيع أن تتخلص تماماً من "السلطة الذكورية" و من شبح المسؤولية (المفروض و اللائق و الصح و الخطأ) التي بناها مجتمعها في تركيبتها مسبقاً، و التي قد لا تتوافق بالضرورة مع واقعها، بل قد تحتم عليها العودة دائماً كلما تقدمت. هذا الشبح قد يكون والدها الذي يعيش في أقصى الأرض، أو زوجها الذي لم يحدد موقفه تماما من الثقافة الغربية و العربية، أو قناعاتها العميقة المتأصلة التي لم تُصهر بعد. طبعاً، نادرا ما تلجأ هذه المرأة للإحتماء "بالديمقراطية" من هذا الشبح، ليس لأنه أداة أو وسيلة لم تتعرف عليها تماما و على ماهيتها، بل لأنها لا تحسن أو لا تريد التمرد على نفسها (التقاليد، سلطة الأهل، القناعات المسبقة) إلى هذا الحد، و إن أحسنته فإنها لا تجروء على استخدامه أو إعلانه.

لا أحب تحديد أو تقنين مفاهيمي و ثقافتي، إلى ثقافة عربية أو ثقافة أمريكية. لأني ببساطة متمردة على أي تقنين أو تصنيف من أي نوع، و قد تعديت مرحلة الحصر هذه و التي لم تناسبني بالمرة كوني أكثر من ذلك. ثقافتي هي ثقافة متوسعة دائماً، بها العربي و بها الغربي الذي أفخر به و بها العالمي، أيضاً، و الشاسع و الإنساني و الروحاني الذي أقدره و لا أرى نفسي متنازلة عنه. تخلصي من السلطة الذكورية هو من الأشياء التي مازلت مشغولة بتحديدها إذ يربكني تعريف هذا المصطلح "سلطة ذكورية" و لا أرى الفرق بين السُلطة و السَلَطة هنا، خاصة و أني مازلت في حالة تمرد و إتقلاب على الكثير من المفاهيم الآن تحديداً. أما الديمقراطية الأمريكية، فقد ورطت فيلاً في جُحر سنجاب، إلا أني لا أستطيع أن أنكر أني أرى نفسي حتى الآن، في هذا النظام، في مكان مناسب جداً خولني للإبداع و الإنطلاق، يكفل لي الكثير من الحرية الفكرية و العملية التي أحتاجها، أو احتجت إليها و قد أحتاج إليها.

هل أشعر أني حرة؟ نعم أشعر أني حرة جداً. هل أنا حرة فعلاً؟ هذا شيء مختلف، يعود بنا مرة أخرى إلى مصيدة المفاهيم. ما حققته ليس بشيء إذا قارنته بما أريد أن أحققه، و لستُ هنا في موضع يخولني تعريف أو تحديد ما تريده أي فتاة عربية، إذ أن الأهواء و الطموحات لدينا، العربيات الأمريكيات خاصة، متفاوتة بشكل كبير جداً و متباين. حرية المرأة العربية مصانة إلى حد كبير إذا قارنتها بحرياتها في موطنها الأصلي، و لا أعرف إن كان هذا أمراً مؤسفاً أم لا.

الحرية الأمريكية وطن الموازين الأنثوية

(سهيلة بورزق) كاتبة وصحافية جزائرية مقيمة بأمريكا منذ ست سنوات ، استعادت ذاتها الانسانية وتنفست الحرية بعد ولوجها مع نصوصها وشخوصها وظلالها إلى الأرض الأمريكية وسمائاتها، تقول بابتسامة:

نحن لا نتورط في الوطن كجغرافيا ، نحن نتورط فيه كحلم يمنحنا الحقيقة عن غربة.
عندما دخلت " أمريكا " تأكدت من أنّني سأقطع إلتحامي مع حالتي العقيمة المتخمة بالتخلف كأنثى هاربة من شرقيتها وعقدها وخوفها من السيّد الرجل ، و عندما عرفت أنّ من حقي الحياة من دون شروط ، في وطن يؤمن باٍنسانيتي، قررت دخول ذاتي من جديد ، و التعرف عليها عن قرب ، والتمتع بأفكارها وفوضاها، تأكدت حينها أن الكاتبة بداخلي أصبح لها صوت عال يسمع باٍحساس مختلف.
أؤمن أن لكلّ كاتبة عربية خصوصية ما تتقنها وحدها في الحياة ،لكن الخوف من التقاليد هو سبب اٍنكسار العديد من الأقلام النسائية .
لقد اٍستطاعت " أمريكا أن توقض بداخلي الوهج ، وتمنحني الثقة ، وتحيلني اٍلى شعلة لا تعرف الاٍنطفاء، بدليل أن التعلم هنا لا تعيقه مشكلة السن ولا الحالة الاٍجتماعية ، ولا الأب ولا الزوج ولا التقاليد المريضة، هناك مساحة واسعة من الحرية التي تمدك بالاٍستقلالية وتدعوك للاٍنفتاح على العالم الكبير من خلال قناعاتك الذاتية وعميق أفكارك المطروحة بشكل منطقي غير مخالف للعرف الاٍنساني في كلّ بقعة من الأرض.
لقد كتبت عن أمور كثبرة في وطني " الجزائر " ووصفت بأنّني كاتبة متمردة ، كنت أصرخ في نصوصي ، كنت أقول ان المرأة لم تخلق للفراش فقط لكن ذاكرة القارىء لا تحمل غير صور السوط والكآبة وفوضى المتعة.
لم يكن الحلّ في الصمت ، لم يكن القتال واجبا فقط ولم أكن أنا مهيأة للقتال بعد، وهذا هو الفرق بين هنا وهناك ، الفرق أنني اليوم مهيأة للقتال والموت باٍبتسامة عريضة ،لأن أفكاري معرّضة للنقاش والتحليل وليس للحرق .
أمريكا هي وطن متعتي الأخلاقية في النّص ، وهي سفري الدائم في الفكرة، وهي القلق الذي يمنحني الحلم عن طموح ، وهي العنوان الوحيد الذي لم تختل فيه موازين أنوثتي ، أمريكا هي الوطن غير المشروط وهي نصوصي القادمة بعشق ، وهي فرصتي الأخيرة ، لذلك لن أتوقف عن الغناء حتى الموت .
أعيش في أمريكا كعربية مسلمة، أحمل قناعاتي بداخلي ، ولم أشعر يوما أنها تعيقني في ترتيب علاقاتي الأمريكية، لا سيما وأن الكاتبة بداخلي اٍنسانة معتدلة لا تحب أن تخسر شيئا من حولها، أنا الجزائرية الآتية من حقول الشعر والمطر والأغنيات.

الإيمان بالحرية هو سر النجاح

إذا الحرية تتحول إلى فسحة مضيئة للمرأة الشرقية حين تعرف وتدرك آلية ممارستها، وتتكيف مع الحياة الجديدة بمرونة وشفافية، وتعمل لأجل تحقيق الذات والتطهر من الموروث السلطوي الذكوري وشوائبه، وتسير داخل الحياة بشعور الكائن الفاعل والمنتج داخل المجتمع الأمريكي.
وكل هذا التحول والتفاعل الأنثوي نحو فضاءات الحرية أساسه الإيمان بالذات الحرة.
تقول ( نانسي بيلوسي) المرأة الأمريكية الأولى التي تولت رئاسة مجلس النواب الأمريكي، في كتابها ( إعرفي قوتك):
لاتفقدن الإيمان ، لقد انتظرنا السنوات الطويلة من النضال حتى نحقق أهدافنا، لاتفقدن الإيمان،ها نحن نعمل من أجل الوعد الأمريكي الذي يرتكز حول مساواتنا مع الرجال.