المرأة المعاقة في يوم المرأة العالمي



عدنان الأسمر
2009 / 3 / 9

لقد شهدت المجتمعات العربية تطورا نوعيا ايجابيا في المستويات التعليمية والثقافية والسياسية والاجتماعية بخصوص المرأة العربية. وابرز ما في ذلك أجراء التعديلات على التشريعات لضمان حقوق المرأة والحد من العنف ضدها والتمييز السلبي، وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص. إلا أن الحراك المجتمعي الذي يتم بمشاركة وفاعلية من التنظيمات النسائية والحركات السياسية والحقوقية، الهادف لتعميق التحولات الاجتماعية والثقافية الخاصة بحقوق المرأة، وتعزيز مكانتها بصفتها نوع اجتماعي، تساهم بفاعلية في التنمية الاقتصادية، والنهوض في مجالات الحياة المختلفة، والقيام بالأدوار المتعددة أسوة بالرجل.

إلا أن المرأة في مجتمعنا ما زالت تخضع لاضطهاد متعدد الإبعاد، وتلعب العادات والتقاليد دورا هاما في ذلك. بالإضافة إلى أن الثقافة المجتمعية حول تقبل قيام المرأة بادوار قيادية في مجالات أدارة المجتمعات المحلية، أو المؤسسات الاقتصادية اوالرسمية أو القضائية، بالإضافة إلى ما تعانيه من مشكلات مجتمعية واقتصادية، وأخطرها انتشار ظاهرة الطلاق والعنوسة والزواج المبكر وعدم المساواة في الأجر، وأحيانا الفصل من العمل بسبب الزواج أو الحمل، والتمييز ضدها من قبل الأسرة في مجالات التعليم أو الملكية أو الميراث، بالإضافة إلى التحرشات والعمل في مجالات السخرة أو بيع الأعضاء البشرية أو الرقيق الأبيض. وهي الأكثر تأثرا بآثار الفقر والبطالة والكساد التضخمي.

إن ظواهر الاضطهاد للمرأة تتعدد وتتعقد في حالة كونها امرأة معاقة. فهي مضطهدة بكونها امرأة وتعاني من اضطهاد مركب كونها معاقة. فكم هو مؤلم ومحزن ويتناقض مع كل القيم والمبادئ الإنسانية، أن تجد أنثى معاقة حبيسة خم دجاج. وإذا أتيح لها فرصة الحركة في ساحة المنزل فتراها تسير كالدجاجة، أو تزور أنثى أخرى معاقة فتجدها تعيش في مأوى طوله متر وعرض نصف متر. وهي تعاني من أعاقة عقلية دون أن يهتم احد بفراشها أو نظافتها الشخصية، معزولة على سطح المنزل، لا احد يحس بها إذا ارتجفت من البرد أو ضاق نفسها من حر الصيف. وأخرى تعيش معزولة خارج المنزل وتخفي عنها زوجة أخيها بطاقتها الشخصية كي تسلب منها ما يمكن إن تحصل عليه من إعانات، أو تجد أخرى تعاني من صمم وتزوجت وأنجبت طفلا، وتشكو من عدم صحوها من النوم إذا جاع الطفل وبكى. فهي وزوجها الأصم نائمان والطفل يبكي جوعا، وحماتها تلعنها وتضربها وتلعن اليوم الذي تعرفت به على الصم.

المرأة المعاقة تعاني من تهميش مضاعف، وعزل قسري دائم، وإهمال للاحتياجات الشخصية من مأكل وملبس وأدوات استهلاك وتسلية. من هنا تكتسب قضية المرأة المعاقة بأهمية خاصة واستثنائية. وتعتبر الأنشطة التي تستهدف المرأة المعاقة هي إحدى مؤشرات نجاح مراكز تأهيل المعاقين، أو مراكز البرامج النسائية واتحاد المرأة. حيث تتطلب القيم الإنسانية والمصلحة المجتمعية الاهتمام بقضية المرأة المعاقة في المجالات التالية :-

- تحسين مستوى المعيشة، ويشمل ذلك توفير ظروف سكن مناسبة وتزويدها بالمفروشات والأدوات الاستهلاكية، التي توفر لها جانب من الاستقلالية. كما يجب الاهتمام بالحالة الصحية، وتوفير دخل يؤمن للمرأة المعاقة حياة كريمة .


- التعليم، حيث يعتبر التمكين المعرفي هو أفضل أساليب تأهيل المعاقين. فالمرأة المعاقة التي تسمح أعاقتها بمواصلة التعليم، يجب العمل على أجراء التكييف المناسب لها في المنهاج، والبناء والمرافق المدرسية، وتشكيل لجان الأصدقاء، ورفع كفاءة المعلمين حول خصائص المعاقين وأساليب تدريسهم، وذلك لإتاحة فرصة أكمال التعليم والترفيع إلى الصفوف الأعلى.


- التمكين الشخصي للمرأة المعاقة بهدف تحقيق استقلاليتها وإتاحة الفرصة لها للمشاركة في الأنشطة المجتمعية، والخروج من الحبس المنزلي وتحقيق الدمج من خلال إجراء التعديلات اللازمة في المنزل والشوارع، والالتزام بكود البناء الخاص بالمعاقين، وتزويد المرأة المعاقة بالأجهزة التعويضية، من كراسي متحركة وسماعات وأجهزة الكمبيوتر الناطق، والأجهزة الأخرى حسب خصائص الإعاقة.


- تشكيل التنظيم الذاتي للمعاقين بصفته أحد المؤشرات الهامة على دور المجتمع الايجابي نحو قضية الإعاقة. فالمرأة المعاقة، من خلال صيغة تنظيمية تستطيع عرض مطالبهن وحقوقهن وتتبناها، بما في ذلك حق المرأة المعاقة التي تسمح أعاقتها بالعمل والاحتفاظ به والترقية والحصول على الأجر المساوي، وحقها في التدريب المهني، وحقها في مستوى عيش كريم تكفله الدولة، أو جهات شبه رسمية. فالمرأة المعاقة لديها خصوصية تحول دون زواج الكثيرات أو العمل أو الاستقلال في السكن والعيش، مما يجعلها اعتمادية بالكامل على الأب أو الأخ. وبما أن الإعاقة لها كلفة أضافية، من حيث اللوازم أو الأدوية أو العلاجات، فمن هنا تأتي أهمية توفير دخل ثابت للمرأة المعاقة، بما في ذلك العمل على تقديم العون والمساعدة لضمان عيش كريم.


أن التطور التقني والمعرفي الذي نعيشه في هذه الأيام اضعف التعريف التقليدي للشخص المعاق بأنه الشخص الذي يعاني قصور كلي أو جزئي مؤقت أو دائم في الأداء الوظيفي الجسدي أو الحسي أو العقلي أو النفسي، مما يحول دون قيامه بالإعمال التي يقوم بها غيره من نفس الفئة العمرية، وغير قادر على التكيف وانجاز الكفايات الاجتماعية أو المسلكية الملائمة.

إن الشخص المعاق حاليا هو الذي يواجه مجتمعا معاقا، بمعنى أن المجتمع الذي لا يتضمن التعديلات البيئية أو الحقوقية أو الاتجاهات الايجابية نحو المعاقين، هذا المجتمع الذي يجعل من الشخص معاقا، وخلاف ذلك يكون بمقدور الشخص ذوي الإعاقة تحدي أعاقته واثبات موجوديته في مجالات التعليم أو العمل أو الفنون. والأمثلة على ذلك كثيرة، فهناك العديد من السيدات ذوات الإعاقة اللواتي اثبتن حضورا يستحق أن نحني هاماتنا لهن إجلالا وتعظيما واعتزازا.