تحقيق / وظيفة المرأة ليلاً .. ونظرة المجتمع ؟!!



إبتهال بليبل
2009 / 3 / 10

يسير العالم اليوم على سننٍ يجعل من الحياة مراحل فيها ننمو ونشب ، ثم نسعى في سبيل تحقيق الرزق وبلوغ الاستقرار ، وبعد ذلك فقط نبدأ لنعيش ، مستفادين من سنوات الكدح والتقتير والتنظيم الأولى ، فنحن نجدُ ونثابر في سبيل بناء مركزنا الاجتماعي ، ولكن حلم الإنسانية الذي نسعى إلى تحقيقهُ في التنعم بالنجاح الذي يعدو الحدود ، ويحطم القيود يخضع لقوانين صارمة وآليات ترمي بنا إلى الضعف ، فالنساء نادراً ما يستطعن إيجاد العمل الصالح الذي يتلاءم وظروف المجتمع وعاداتهُ وتقاليدهُ ، فهناك مهن أن جاز التعبير عنها تكاد تكون للرجال من دون النساء فساعة بدايتها تدور بالعكس مقارنة مع باقي المهن ، وإذا دخلنا في عمق مفهوم أنظمة العمل نجد أن عمل المرآة في الليل ليس بجريمة أو شذوذاً كما يعتبره البعض ، فهو حالة استثنائية فرضتها ظروف معينة ، كما وهي ليست بهذه السهولة مقارنة مع الرجل سواء على الصعيد النفسي أو الجسدي ، ففي الكثير من دول العالم أعطيت للمرآة العاملة ليلاً حقوقاً وضمانات كانت كفيلة بمساواتها مع الرجل ، أما في العالم العربي فنجد المرآة العاملة ليلاً سواء أكانت ( ممرضة ، مذيعة ، عاملة خدمات ، وغيرها ) فأن ما تعانيه من خوف ومراقبة وضغط ألسنة ( القيل والقال ) يفوق الحدود وقد يضعها في إطار مشبوه وتحوم حولها علامات الاستفهام ، ولكن أي ذنب تكون قد ارتكبتهُ امرأة إذا حكمت عليها ظروف الحياة أن تعمل بصفة ممرضة في أحد المستشفيات ؟؟؟ المرأة مع وظيفة الليل قصتها قصة لنحاول اليوم الولوج إلى ذلك العالم ونستطلع على ما يحمله من إيجابيات وسلبيات ...

حماتي وعدم ثقة زوجي

تقول فتحية كاطع الفتلاوي " أن عملي كقابلة مأذونه كان منذ خمسة عشر عاماً وأذكر في بدايته أصر زوجي على مرافقتي عندما يكون دوامي ليلاً في المستشفى وبقى على هذا الحال أكثر من شهر ، إلى أن تعرف على المكان والعاملين معي وبعد ذلك أخلى سبيلي ، وعلى الرغم من أنه كان يمر بين وقت وآخر إلى مقر عملي عندما أكون ( خفر ) أي دوامي ليلي ، وكان يفعل ذلك من دون أعلامي برغبته لزيارتي ، حقيقة كنت أشعر بحزن عندما يتصرف هكذا ، وأشعر بأنه لا يثق بي ، وعندما مرت السنوات تيقنت أن أمهُ ( حماتي ) كانت تزج به وتدفعه للحاق بي ومتابعتي كوني أبيت خارج المنزل أو أعود في وقت متأخر "

القيل والقال

أما ثورة جاسم علي فتقول " والدي عاطل عن العمل واضطررت للعمل كممرضة في أحد المستشفيات وبعد أيام تغيرت معاملة أهلي معي وكانت نظرات والدتي مفعمة بالشكوك فعندما أعود في وقت متأخر تبدأ أمي بطرح الأسئلة عليه وتسألني عن هوية الأشخاص الذين أصادفهم ؟؟ ومن الذي أوصلني اليوم ؟؟ ومن تحدث معي ؟؟ وكم من مرة تأخرت فشاهدتها تقف أمام بوابة المنزل وأحيانا تنهال عليه بالصراخ والكلام الجارح رغم معرفتها بظروف عملي ، حتى علمت في النهاية وعن طريق شقيقي الذي كان يحاول باستمرار إيصالي إلى مقر عملي أن الجيران يلفقون الأخبار والقصص التي تتعلق بسمعتي وظروف عملي وعودتي ليلاً أو مبيتي خارج البيت " ..
أضحي بعائلتي مقابل الراتب
تقول ( أم علي ) من سنين وأنا لم أتعود نظام دوامي الليلي فأنا أعيش في حالة توتر دائم وأشعر بضغوط نفسية وجسدية عندما أدخل المستشفى وقد تسبب هذا الأمر لي بالكثير من المشاكل وخوصاً مع زوجي بسبب رجوعي صباحاً إلى البيت وأبنائي في المدرسة لا أراهم ولا أتابعهم ، فأنا أشعر بالإرهاق ومضطرة دائماً إلى أن أنام صباحاً كي أصحو ليلاً حتى أستطيع ممارسة عملي ، فكانت المشكلة أما أن أضحي بعملي أو بعائلتي فكان الخيار أن أضحي بعائلتي مقابل الراتب الذي أحصل عليه فزوجي يعمل كاسب ومدخولاته المادية لا تكفينا ...

المرأة تحارب المرأة

أما الناشطة بحقوق المرآة سحر الألوسي علقت بالقول " نحن ننادي بالدفاع عن حقوق المرآة ، ولكن المسألة هي التصدي لذات المرآة والتي تتمحور في محاربتها لزميلتها الأخرى ، المفروض أعادة النظر في الكثير من العادات التي ترسخت فينا على الرغم من قسوتها ، والمفروض أن لا يكون العمل مرتبطاً بالأخلاق ، كما من المفروض علينا كمسلمين أن لا نتناسى سبحانه وتعالى في تحذيره لفئة الهمازين واللمازين والذين يغتابون الناس بغير حق ...قد تكون الحاجة إلى المال أساس دخول المرآة معترك العمل الليلي ، فقد تضرب المرآة التي تعمل ليلاً عرض الحائط بكل الشائعات التي تحاول النيل من سمعتها ، ولكن من يقنع زوجاً غيوراً فما يحاك على شرف الزوجة كفيلاً بأن يزعزع ما تبنته السنون من ثقة بينهما ، فالرجل الشرقي بطبعهُ يؤمن بالشائعات ويعاني من قصر نظر نحو نظرتهُ للمرآة العاملة ، فما بالك أن تكون عاملة ليلاً ؟؟؟

الجهالات الاجتماعية

وألتقنا بالباحثة الاجتماعية ( سميرة الخز علي ) والتي حدثتنا بالقول " من الملحوظ أن الجهل والخوف كثيراً ما يجتمعان ، وإنما يُقاس التقدم الفكري والحضاري بمقدار المخاوف التي يتم لنا السيطرة والغلبة عليها والجهالات التي نوفق إلى زحزحتها عن عروشها ، وما يصح على المخاوف والجهالات الاجتماعية ، يصح كذلك على المخاوف والجهالات الفردية ، والواقع أن الضرب الأول من هذه المخاوف والجهالات ليس إلا انعكاسا للضرب الثاني ، ذلك بأن وجود أحدهما يفسح أمام الأخر مجال الظهور ، أن في المجتمع نماذج وأناس ينزعون إلى أن يعكفوا على مواطن الضعف فيهم ، سواء أكانت حقيقة أم خيالية ، لذلك يبالغون في أهميتها ، لتصبح عوائق مهولة عسير تذليلها ، وقد كانت من قبل هينة ....

الرجل ليس له علاقة
وتتابع :
الإنسان صريع الماضي وأحكامهُ تنبع من تجاربهُ ، ولنكن أكثر شمولاً لماذا نقول المرآة العاملة ليلاً هي الملامة وهي من يحاك لها الشائعات ، فهناك الكثير من النساء العاملات غير هذا العمل تدور حولهن الشائعات والتهم على الرغم من براءتهن من ذلك ، إذن فالقضية ليست قضية عمل المرآة وتأخيرها ، أنها قضية المرآة ذاتها ، ولا علاقة للرجل في ذلك ، فلو حاولنا عمل دراسة لذلك سنجد أن من يحارب المرآة المرأة نفسها وأن من يلطخ سمعتها ويحيك الشائعات عليها هي المرأة المتمثلة بزميلتها وجارتها ..

الإصابة بسرطان الثدي والإجهاض

وأكد د. محمد علي يوسف أخصائي باطنية بالقول أن نظام العمل الليلي يفرض على صاحبهُ نمطاً معيناً من الحياة ونظاماً صحياً وغذائياً يختلف عن باقي الناس ، فهو يؤدي إلى استهلاك طاقات أضافية بسبب قوة التركيز والسهر ليلاً ، فالدراسات الأخيرة تؤكد على تعرض النساء للإصابة بسرطان الثدي والإجهاض بسبب العمل الليلي ، كما أنها تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والإحساس الدائم بالتعب والقلق من النوم والضغط النفسي والجسدي ... كما وينصح ( د. محمد ) في الاستعداد لتغيير أسلوب حياة المرأة التي تعمل ليلاً أبتداً من سن الأربعين واستشارة طبيب مختص بشكل دوري أو عند الشعور بأي عارض صحي .