مطالب المرآة بين الإستراتيجية والتكتيك



أحمد فؤاد جهاد
2009 / 3 / 12

أن المطالبة بحقوق المرآة خطأ استراتيجي وتكتيكي في آن معا ، المفروض المطالبة بحقوق الرجل والمرآة معاً ، أي بحقوق الإنسان المسحوق ، الذي تشكل المرآة فئة كبيرة منه بعبارة أخرى من الخطأ أن تطرح المرآة مطالبها على الرجل ، فالرجل ليس عدو المرآة أنه شريكها في العذاب ...
ولكن لنقف الآن ولنرى ما هي المطالب النسائية التي دائماً ما يجري الاستفتاء حولها ، منها الاعتراف بالمساواة في الحقوق الاجتماعية داخل العائلة ومن هنا تقع مسؤولية الدولة بالنسبة لراحة العائلة وتطويرها عن طريق إيجاد السكن الصحي ، رياض الأطفال ، المدرسة ، وغيرها ، وأيضاً من مطالب النساء استحداث قانون مدني تتساوى فيه الرجل بالمرآة والمساواة في العمل بوضع المرآة من حيث الأجر المتساوي في العمل والتكافؤ في الفرص للتأهيل المهني ، تطبيق الضمانات الاجتماعية وفتح المجالات أمام المرآة لاستلام كافة الوظائف والمساواة في فرص الترقية ، إلزامية ومجانية التعليم وتعزيزه بعناصر متخصصة ، إزالة كافة مظاهر التمييز بين الجنسين وإلغاء الطائفية السياسية والحفاظ على الحريات الديمقراطية وتطويرها ...
لتطبيق هذه المطالب تحتاج إلى دقة وإحاطة شاملة بكل مظالم المرآة ، وهي مطالب عادلة ، ولكن من هو المطلوب منه تحقيقها ؟ الرجل ؟ ومن قال الرجل قادر على ذلك ، هو نفسه يفتقر إلى تحقيق أكثرها ؟ الدولة ؟ الجهات الرسمية ؟ حتى لو فرضنا جدلاً أن الدولة مقتنعة بهذه المطالب وغيرها وأنها تترك مسؤولياتها كلها وتتفرغ لها فليس بوسعها تحقيقها لمجرد إصدار مرسوم رسمي مثلاً ، القضية أعمق من ذلك وأشد تعقيداً وجذورها ترجع إلى الآلف السنين ولا يمكن حلها بمؤتمر صحافي ناجح ودولة عادلة .. فأكثر المطالب المطروحة مثلا يفتقر الرجل إليها .
أي أنا ضد الطرح النسائي لمشكلة المرآة لأن جذور هذه المشكلة ، مرتبطة عضوياً بمشكلة الإنسان ككل ، الصورة في نظري ، ليست امرأة مظلومة ورجل ظالم الصورة في نظري ، عالم من التخلف تنعكس مآسيه على المرآة والرجل معاً ، وترتسم نتائجه على شاشة حياتنا اليومية ..
من هنا أرى أن منطلق الحل ليس نسائياً بحتاً ، وان التحام المرآة مع بقية الأفراد المسحوقين هو السبيل العملي إلى تحقيق العدالة ، أني أؤمن بأن ثورة المرآة من أجل تحقيق وجودها وإنسانيتها هي جزء لا يتجزأ من ثورة الفرد ضد قوى الأستيلاب التي تشوه إنسانيته وتسطو على حقوقه السياسية والفكرية والاجتماعية ..
هكذا فإن عزل قضية المرآة المضطهدة عن قضية الرجل المضطهد يجعل كفاحها كفاحاً أحادي البعد مفتقراً إلى الشمولية الإنسانية ..
أني لا أنكر أن المرآة هي مظلومة المظلومين ، فالعامل مثلاً يعاني من اضطهاد رب العمل ،لكن المرآة تعاني من اضطهادهما معا ، أي أنها تعاني من اضطهاد مركب ولكن الحل لا يمكن أن يأتي بمرسوم أستشراعي ( خيري ) في لحظة يقظة ضمير ( رجالية ) ، فالحل لا يمكن أن يأتي للمرآة وحدها ، الخلاص الفردي غير ممكن ، وخلاص المرآة مرتبط بخلاص جميع الفئات المضطهدة ومن هنا ، فأن التحاقها بها وسائر الطبقات التي تريد أن تضع حداً لعذابها أمر لا مفر فيه ، لقد وعد رئيس جمهورية الولايات المتحدة جيمي كارتر سابقاً نساء أمريكا وعوداً كثيرة على صعيد منحهن المزيد من الحقوق .. وهكذا أقبلت النساء على الاقتراع لصالحهُ ، وبعدها جاءت ساعة ( تسديد الفواتير ) واستعلى الدفع على كارتر ، لذا فقد تعرض لهجوم شرس من قبل رئيسات المنظمات النسائية لأنه خدعهن بمعسول البرامج الانتخابية ولم يبر بعهده ...
والسؤال : هل كن حقاً يعتقدن أن كارتر يستطيع أصلاً أن يحقق وعودهُ ؟ أن مشكلة المرآة التي ترجع بتاريخها إلى الآلف السنين لا يمكن حلها عن طريق الأساليب العادية ولا الرجال الرسميين العاديين ، فقد كرست التشريعات القديمة تبعية المرآة وخصتها بمهنة الأنسال فقط ، وإذا تابعت تاريخ المرآة’ مع اضطهاد التخلف لها – لا الرجل – إلا كأداة – فأننا سنكون بحاجة إلى إصدار ملحق عن ( المرآة المعذبة ) لذلك نحن لا نستطيع أن نغسل الآلف السنين من الدماغ الاجتماعي العدواني بالوسائل العادية ، ولا حتى بديمقراطية المجتمعات الاستهلاكية ...
أن الحل الوحيد للمرأة الذي يمكنه أن يتفهم مشكلتها هي ( الكلمة ) بالمعنى الإنساني ، لا بالضرورة الحزبية أو السياسية السائدة حالياً ، وهكذا فأنا أرى أن انفتاح التجمعات النسائية على نضال بقية المظلومين هو أمر بديهي ، وأن تكشف نضالها بدمجه مع نضال الرجل المضطهد ، هو السبيل الوحيد لتبديل البشاعة التي تغمر عالمنا المعاصر ...