إزدواجية الشخصية للفرد العربي



ناهده محمد علي
2009 / 3 / 19

هناك الكثير ممن يتهم الرجل العربي بإزدواجية الشخصية والتي قد تصل الى الفصام في الحالات المرضية .
إن الفرد العربي بشكل عام رجلاً كان أو إمرأة مصاب بالإزدواجية , كيف لا وكل ما يقرأه لا يمارسه على أرض الواقع وإن مارسه فلن يؤمن به بل قد يتصادم معه
إن الفرد العربي يتعلم السير ضمن خطوط الطول والعرض المرسومة له , لكي يوافق العُرف الإجتماعي , ونجد أن منابع هذا العُرف تنحدر من مصادر عديدة منها التقاليد القديمة والجديدة والإرث الإجتماعي والذوق العام والتعاليم الدينية وهو يحاول جاهداً التوفيق بين هذه كلها ويُرتب تفكيره وفقاً لهذه الخطوط الحمراء الغير مُجتازة , إلا أنه حينما يغلق باب غرفته يجد عقله ومزاجه وذوقه الخاص متنفساً , فقد يتعدى حدود العُرف والتقاليد والقيَّم الدينية ويحاول أن يقرأ الممنوع أو يتفرج أو يدخل بحوار ممنوع عن طريق الإنترنيت , وقد لا يشعر بإحترام حقيقي نحو والدته أو مشاركة وجدانية مع زوجته إلا أنه يرسم خطواته بدقة شديدة حينما يخرج خارج جلده وأحاسيسه الى الخارج , خارج غرفته وبيته , فيدخل الشارع والمجتمع بجلد كثيف يمنع أي تماس لأحاسيسه الحقيقية بالعالم الخارجي , ولو إستفسرنا عن السبب لوجدنا أنه مراعاة المزاج والذوق العام ولأن هذا الفرد لا يستطيع الحياة بدون معايشة هذا الذوق العام , فبين ذوقه الخاص والذوق العام مصالح متشابكة ومشاعر مزدوجة يحاول بها إرضاء الجميع منعاً للمشاكل . وتدخل هذه المشاعر المزدوجة في صراع أبدي لا ينتهي أحياناً وقد ينتهي بنقطة توفز ترفض سيطرة الذوق العام عليه فيتخذ الفرد سبيله الى الخلف ويبدأ بداية جديدة هادفاً الى إرضاء ذوقه وعُرفه الخاص به , فهو قد يسرق من الخزينة العامة أو يطلق زوجته التي كسبت إحترام الجميع أو قد يُبدل اسلوب لبسه وتصفيف شعره , وقد يأخذ أحياناً رفضه للعُرف والمزاج العام شكل إنفجارات تبدأ عادة بوجوم أو إنغلاق تام عن المجتمع وحركته قد تطول أو تقصر ثم تبدأ فترة إنفجارات أُخرى قد تكون عنيفة كأن يدخل في إنقلابات إجتماعية ونفسية خطيرة , وكأن يتحول الى الإدمان على السكر أو المخدرات أو يتجه الى العُنف الإجتماعي والتخريب متصادماً بهذا مع كل ما تقَبله في السابق شكلياً , ولُقن من أُصول وأعراف ومفاهيم دينية . وقد يستمع ممارس الإدمان والعُنف الى المحاضرات الدينية والإجتماعية وقد يرتاح لها , لكن هذا لا يمنع من أنه يميل ميلاً شديداً نحو خلافها , والفرق هو ما يطغى هل هو تظاهره بموافقة الأعراف الإجتماعية أو ميله نحو ذوقه الخاص , وفي الحالتين هو مصاب بالإزدواجية ولا يعني هذا إن نسب الإصابة متشابهة بل تتفاوت بين كم القبول والتعايش مع المفاهيم الإجتماعية وكم الرفض لها , فكلما زادت نسبة الرفض كلما إقترب من السلوك الإجتماعي المُغاير , وتتمايز خطورة هذا السلوك ايضاً .
إن من أشد المفاهيم التي تعاني من الإزدواجية هي المفاهيم المتعلقة بالمرأة والسلوك الإجتماعي نحوها والتعامل معها ومع حقوقها ومنحها حرياتها الإجتماعية في الدراسة والعمل وإختيار الزوج وإختيار المظهر الخارجي الملائم أو المغاير للعُرف الإجتماعي .
وتتأزم في كثير من الأحيان شخصية الرجل العربي في تعامله الحقيقي مع المرأة المحيطة به في البيت والعمل , ويتأثر هذا بالمستوى الثقافي والعلمي والإجتماعي , وقد يُعاني هذا الرجل من تناقض تام بين الجانب الإيجابي والسلبي في التعامل مع المرأة ومن تناقض بين كل المعلومات النظرية والتعايش مع الثقافات الأخرى وبين الجانب العملي المُعاش في المجتمع العربي , حيث يفرض الواقع المتخلف نفسه في مجال حقوق المرأة , ويفرض العُرف الإجتماعي نفسه في التعامل ما بين الرجل والمرأة , وقد تتغلب المعلومات النظرية والتعايش الثقافي مع الثقافة الغربية , لكن هذا الأخير هو الأقل كماً ونوعاً في تقلبات نفسية الفرد العربي سواء أكان المثقف والمتعلم أو الأقل تعليم .
وهكذا يعيش المجتمع العربي رجلاً كان أو إمرأة حالة من الصراع الدائم بين ما هو محسوس ومطلوب بإلحاح في بناء الذوق الخاص وبين ما هو شائع ومشروع في بناء الذوق العام , ما عدا قضية المرأة حيث كان المنتصر في الغالب هو الذوق والعُرف العام لا المزاج والذوق الخاص والدليل على ذلك ما تعاني منه المراة العربية من حرمان لجميع الحقوق الإجتماعية .