تعدد الزوجات هو عدوان علي الله



محمد البدري
2009 / 3 / 23

تعدد الزوجات مشكلة بكل المعايير. وهو يثار دوما ، وعندها نجد المشايخ يعودون إلى المربع الأول ولا يضيفون جديدا. بينما الدين والايمان وبصريح العبارة والعقل والنقل وكل وسائل الفهم يحرمها. ومع ذلك فان مشايخ الحيض والنفاس في الاسلام لم يقولوا كلمة فصل ليرتقوا ولو لمرة واحده الي مصاف العالم المتحضر. الكاتب هنا يدلف الي النص مؤقتا كغير عادته ليتعامل معه من زاوية ايمان هؤلاء المسلمين او مدعي الايمان الذين علت اصواتهم جريا وراء اللذه الجنسية وليس وراء الحياه السوية.

هم يحاجون مرة بسبب قتلي الحروب ووجود فائض من النساء، ومرة اخري بان العبرة بعموم النص وليس بخصوص السبب. كما لو أن الأمر هو توزيع سلع لا مشتر لها تتكدس في مخازن الشركة العامة للنكاح. ورغم أن الحروب هي حالة استثنائية في حياة البشر إلا أنهم يستدعون الحرب وتبعاتها كلما أثير الموضوع لتبرير المزاج الجنسي الذكري. ويجددونه ويبررونه في اوقات اخري لا حرب فيها ولا ايتام. وقبل الغوص في مسالة التعدد فلنعترف انها قضية سابقة علي الاديان ومارستها كل المجتمعات البشرية المتخلفة سلما وحربا في كل العصور وفي ظل كل الاديان

فالنص الاسلامي الذي يعرض للقضية لم يذكر الحرب او الزواج صراحة ولكنه تعرض للأيتام. سورة النساء الوارد فيها موضوع المثني والثلاث والرباع اي التعدد هي مدنية قيلت في زمن حرب وقتال وعنف ويتامي انتجتها تلك الحروب. وبشكل عام فالنص الذي هم به متدلهون ينص صراحة علي شرط العدل حيث تقول الايه الثالثة: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ .

يصدر الفقهاء لنا علم اللغة كاول ما يجب اجادته لفهم نصوص القرآن وهو ذاته اول ما ينكروه عندما تأتي التفاسير علي غير ما تمليه عليهم الغريزة الذكورية او ما تعودوا علي قوله بتكاسل وملل ملحوظ علي العامة من الناس. فالايه هي جملة شرطية تبدا بفعل الشرط "إن" ويلزمها جواب الشرط الحتمي لها. فالخوف في عدم القسط في اليتامي هو الشرط. ولنقف قليلا لنفهم المقدمة قبل ان ناتي الي نتائج الفعل الشرطي.

شرط وجود اليتامي ضرورة اولية وبدونهم تختفي القضية من اساسها. وياتي الخوف من عدم مراعاتهم تحت مسمي القسط فيهم كشرط ثاني داخل ذات المقدمة. ووجود اليتامي في تلك الايام وحسب ورود النص في تاريخ القول به كان بسبب الحروب والغزوات ونتائجها كما اسلفنا حيث يقع المغلوب في نصيب الغالب سبيا ورقا. فحياه البشر الطبيعية، إذا كان لهذا النص ان يحكمها، ليست علي هذا المنوال من الغزو والقتل المتبادل وانتاج يتامي وارامل من النساء. فالحياه الطبيعية مختلفة تماما. فالايه الثالثة بسورة النساء المذكورة تنطبق علي الحالة الغير طبيعية حيث كان علي الغزاه ان يقوموا بدور الكافل لمن يتمته الحروب فهي مسؤوليته الاجتماعية والسياسية في المقام الاول بسبب الحرب لا لشئ آخر. وهو ذاته اعتراف يقصور مؤسسات تلك المجتمعات في يفية تولي امر من فقد اهله وزويه من الاطفال بعكس مؤسسات الدولة الحديثة. اليتامي هم عبئ ثقيل اما النساء المحظيات او السبايا فهي ملذات ومتع. وهو بلا جدال مكاسب غرائزية وشهوانية ستسعي اليه النفس المنتصرة علي وجه السرعة مع تفادي الاعباء المترتبة لو اخذ في الاعتبار باقي الافراد كاليتامي. فالجانب الشهواني هو ما انحازت اليه اراء الفقهاء وسعت للتاكيد عليه في كل الازمنة والظروف وذلك بتفكيك الايه وبتر مقدمتها فاغفلوا تماما وجود يتامي او تحقيق قسط ومراعاه بعكس ما ورد في النص. لهذا شرعت الايه المراعاه بالقسط كشرط اولي، حتي في اثناء الحرب، كقيمة اولية ولها الاسبقية علي أي اعتبار آخر. فالايه تبدأ بالتخوف من عدم مراعاة اليتامي بالقسط ولم تقل بحق الاستمتاع الجنسي. انه فعل الشرط في اول الجملة. فالعدل هو الله فمن اسماءه العدل. ويصف نفسه بالعادل باعتباره ممثلا للقيم العليا التي علي الانسان الالتزام بها حتي ولو كانت الظروف غير عادلة للبعض. في التعدد ومعه مجافاه وتهميش وعدم المبالاه باليتامي يستوي الكافر والمؤمن في فكرة الكفر بالعدل اي الكفر بالله لو انهم انحازوا للمكافأة الجنسية في نكاح النساء في النصف الثاني من الايه. ولا يبقي امامنا سوي البحث لتحقيق العدل في كل ظرف مختلف او مشابه.

كان للنص ان يعطي حافزا للطرف الغالب للارتقاء بذاتها ولو علي حساب مكتسبات ومغانم الحروب التزاما منها بالقيم العليا، وان يشجعها علي اقامة العدل قبل ان ينفذ رغباته الشبقية مع النساء من المحظيات والسبايا. لهذا تقدمت المراعاه بالقسط في اول الايه. وحتي لا تتراكم مشاكل باكثر مما راكمته نتائج الحروب والغزوات علي طريقة العرب في حكم بعضهم البعض، هنا ياتي جواب الشرط بان اعطي للغالب مغنما بان يضاجع اي عدد من النساء اللائي وقعن في السبي، مثني وثلاث ورباع كدافع من اجل العناية باليتامي الذين انتجهم الغزاه بغزوهم. لهذا اتي لفظ نكاح وليس زواج. وهو امر طبيعي ويتماشي مع ما كان يمارسه اهل تلك البلاد بل وكل من جعل الحرب وسيلة للحصول علي سبايا من النساء. فاشتراط القسط بين اليتامي هو المطلب الالهي وليس المضاجعة. لكن فقهاء الشبق الجنسي جعلوا من جواب الشرط مقدمة حتي ولو جرت الامور زمن السلم الاجتماعي من استقرار وامان وعقود واتفاقات. فاستباحة النساء في الحرب والتي هي من مسلمات المجتمعات البدائية والوثنية رافقها دائما وضع ظالم للاطفال واليتامي. هكذا عكس فقهاء الاسلام الامر وعادوا بنا الي الجاهلية العربية.

من المؤكد ان حالة التعدد هذه ليست قضية زواج بهدف اقامة اسر وعائلات انما هي حل مؤقت لقضية لا نجد لها مثيلا الا في مثل هذه المجتمعات البدوية القبلية المعتمده للغزو لاي سبب معاشيا او عقائديا او استيطانيا. فالتوراه ايضا تعج بكل هذا النوع حيث يقول سفر التثنية في الاصحاح العشرون: " حين تقترب من مدينة كي تحاربها استدعها للصلح فان اجابتك وفتحت لك فكل الشعب فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وان لم تسالك بل عملت معك حربا فحاصرها واضرب جميع ذكورها بحد السيف واما النساء والاطفال والبهائم وكل ما في المدينة تغنمها لنفسك وتاكل غنيمة اعدائك التي اعطاها الرب الهك"

القاعدة العامة ان اي تشريع هو تعبير عن توافق اجتماعي لما يمكن فعله بشروط الواقع وليس بالقفز فوقها. وهو بالضبط ما اقرته الايه الثالثة من سورة النساء، فلم يكن للنص ان ياتي بشئ شاذ عما تجري الامور عند هؤلاء الناس. نفس الامر نجده في المجتمعات العلمانية، اي ان المجتمع السوي الخالي من العنف ويقف علي قاعده إنسانية حضارية كالتي نراها الان خارج بلاد الشرق الاوسط العربية او الاسلامية تكون تشريعاته نابعة من حالته السياسية والاجتماعية والاقصادية المتوازنه له حسب واقعه. لهذا يتم فيه تجريم تعدد الزوجات واعتباره خرقا لقواعد المجتمع وتشويها لتركيبته. ولو تعرضنا لفكرة التعدد هنا فان حيازة عدد من النساء في ذمة رجل واحد هو حرمان لعدد مماثل من الرجال من اخذ فرصة تكوين اسر او اقامة حياه اجتماعية سليمة مما يدفع الي احتباس فائض من الطاقة الجنسية لدي ذكورها سوف تجد مسارب لها باستخدام الفقيرات او المحتاجات الي التحول للدعارة علي سبيل المثال وليس الحصر. فغياب شروط التعدد التي جاءت في القرآن ويصعب وجودها في مجتمعات السلم والامان هو الاساس الذي جعل التعدد مجرما. بل ان تشريعات الحرب طبقا لاتفاقيات جنيف الحديثة وغيرها جعلت في نصوص تشريعات الحرب الحديثة اكثر تحضرا ولو نظريا باكثر مما كانت تفرضه ازمنة كتابة التوراه وما بعدها من النصوص الدينية. فالعدل في المعاملة بين المتقاتلين ارتقت كثيرا عما يلقيه علينا التاريخ من مخلفات الحضارات السابقة

واضاف النص القرآني في قضية التعدد آيات اخري "وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيما" 129 النساء

من اسماء الله ايضا انه العليم. فهو العالم بخافية الانفس وما تخفي الصدور وكل عنده في لوح محفوظ. وهذا ما يمليه الاسلام علي اتباعه وما لا يقدر احد من فقهاء الاسلام علي انكاره. غياب العدل بتعدد الزوجات قدر لا يمكن الفكاك منه وهو الشئ الوحيد الذي سربه الله الي عباده من عالم الغيب الذي طالما تمني الناس معرفته بفتح المندل وممارسة الشعوذة وقراءة الطالع والمستقبل وما هو مقدر سلفا لهم. فاذا كان علم الله الذي لا راد له بان العدل بين النساء مستحيل بنص الاية 129 السابقة وحتي مع الحرص في اقامته، اخذا في الاعتبار ان متطلبات المثني والثلاث هو المراعاه بلقسط في اليتامي وليس مضاجعة النساء في حد الذات لانهن جعلن كمكافآه للقسط باليتامي بقدر الامكان، فالعدل بينهن مستحيل ، فلماذا يصر الرجل المسلم ومعه جيش جرار من فقهاء التيسير علي شهواته بمعانده اراده الله وعلمه بما سيحدث لو انه عدد زوجاته في وجود او عدم وجود يتامي. ثم التنطع بالاجتهاد او الحرص علي تحقيق ما قرر الله انه مستحيل!! فهو لن يعدل ولو حرص حسب علم الله. وبالتالي فالتعدد معناه بصريح العبارة معاندة ما كتبه الله علي المسلمين بعلمه الغزير لمجرد ان شهوات الرجل قد وضعت لنفسها الاولوية حتي ولو لم يوجد يتامي او حروب كما هو جاري حاليا. معانده الله في الاسلام هو ظلم المسلم لنفسه وكذب عليه ايضا. فهل ادرك فقهاء الشهوات ما قدموه للناس من فتاوي؟ كذلك فالزواج بالصغيرات ولمن ليس لهن يتامي او ترملن نتيجة حرب يجري علي قدم وساق وهو ضرب بعرض التشريع في الحائط لانهن بدون يتامي.

انه ذات التحدي الذي قاله القرآن علي المشككين في صدقية النبوات بالاعتراض علي ما هو ات او قبوله ثم تحدي ومخالفة نصوصه. هنا يضع المعددين للزوجات انفسهم في موضع الكفر بعلم الله وتحديه وبالتالي عناد الله ذاته (لان الياسلام يقر بان الله هو العليم) او بضم انفسهم الي خانة المنافقين الذين يقولون آمنا ولا يقيمون حدود وشروط ما اتي به النص من مقدمات ونتائج اقرتها اللغة التي يقولون انها لغتهم الجميلة.