ذكر واحد يساوي أنثى واحدة فقط لا غير



رياض الحبيّب
2009 / 3 / 28

تأتي هذه المقالة استجابة للدعوة الكريمة التي تلقيت من أسرة الحوار المتمدّن لكتابة رأيي- المسيحيّ النظرة والأبعاد- في موضوع حقوق المرأة والمساواة في جميع المجالات. وقد كانت الدعوة الأولى في مناسبة يوم المرأة العالمي التي تجاوبت معها بمقالتي [إنصاف النصف الآخر] المنشورة على صفحات الموقع وعبر الرابط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=165220
والتي أتمنى على القارئ الكريم أن يتفضّل بالإطّلاع عليها.

أمّا بعد فيهدف موضوعي اليوم إلى التأكيد على احترام مشاعر المرأة وضرورة صون كرامتها من جهة وجوب تحريم قيام الرجل بالزواج من أزيد من امرأة؛ خلافاً لما ورد من فواحش وموبقات في الديانة الإسلاميّة التي لا يزال بعض أتباعها يظنّون بأن التعدد مباح إنسانيّاً وأخلاقيّاً بأربع وبما ملكت يمين الرجل، وفق الرسالة المحمدية المتخلّفة عن جميع الرسائل التي سبقتها وعن دساتير حقوق الإنسان في الدول المتحضرة- غير الإسلامية- التي تلتها وتفوّقت عليها بدرجة عالية.

سأنتقي أمثلة من الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد ابتداءاً ببدء الخليقة ما قبل طوفان نوح ثمّ البدء بتجديد الخليقة بعد الطوفان إذ خصّ الله نوحَ بميثاق عهْد فأمره ببناء الفلك (أي السفينة) لاٌستبقاء امرأته- أي امرأة واحدة- ونساء بنيه بالإضافة إلى استبقاء ذكر وأنثى- أي ذكر واحد وأنثى واحدة- من كلّ حيّ ذي جسد.

أوّلاً ما قبل الطوفان:
هنا- عن ترجمة فاندايك- الآيات 15-24 في الأصحاح أي (الفصل) الثاني من سِفْر التكوين وهو أوّل كتب التوراة الخمسة بل أوّل الكتاب المقدّس عند أهل الكتاب- اليهود والمسيحيّين:

وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا.
وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: ((مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً
وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ))
وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: ((لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ))
وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا.
فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِيناً نَظِيرَهُ.
فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْماً.
وَبَنَى الرَّبُّ الإِلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ.
فَقَالَ آدَمُ: ((هَذِهِ الْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ))
لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً.

ثانياً: ما بعد الطوفان
وهنا-عن الترجمة المذكورة- الآيات11-20 في الفصل 6 من سِفْر التكوين
وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ وَامْتَلَأَتِ الأَرْضُ ظُلْماً.
وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ.
: فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: ((نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلَأَتْ ظُلْماً مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.
اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ.
وَهَكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً عَرْضُهُ وَثَلاَثِينَ ذِرَاعاً ارْتِفَاعُهُ.
وَتَصْنَعُ كَوّاً لِلْفُلْكِ وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ.
فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لِأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ.
وَلَكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ.
وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لِاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَراً وَأُنْثَى.
مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا وَمِنَ الْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا وَمِنْ كُلِّ دَباَّبَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهِ. اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لِاسْتِبْقَائِهَا.
وَأَنْتَ فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَاجْمَعْهُ عِنْدَكَ فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَاماً)).
فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هَكَذَا فَعَلَ

ومن الجدير ذكره هو أنّ بعض الناس ومنهم الأنبياء قد أساؤوا إلى شريعة الله وقد أخطأوا بتعدد الزوجات ولكنّ الله قد حاسبهم ووبّخهم على أفعالهم الدنيئة وإن أسق مثالاً فالنبي داود الذي كان نبيّاً وملكاً وقاضياً وله ما في سِفْر المزامير (الزبور إسلاميّاً) من روائع الأسفار المقدسة ولا ينفي الكتاب المقدّس بأنه قد أخطأ ثمّ اعترف بخطيئته وتوسّل إلى الله طالباً الرحمة والمغفرة. ويؤكد ما ورد في العهد الجديد- أي الإنجيل- ومن خلال رسالة بولس الرسول إلى أهل رومة- الفصل الثالث والآيتين 23 و24
إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ
مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بيَسُوعَ الْمَسِيحِ
أي أنّ الكتاب المقدّس يورد أخطاء الأنبياء ولا يقول بعصمتهم إطلاقاً وأنّ موقف الله ثابت من الخطيئة بجميع أنواعها وواضح. وتالياً كان العهد القديم عهد الشريعة بما فيها من ثواب وعقاب حتّى جاء السيّد المسيح بعهد النعمة مُصالحاً الناس مع الله إن آمنوا به فادياً لهم ومخلّصاً

أمّا في العهد الجديد فقد ورد التأكيد في إنجيل متّى- الفصل 19 والآية 5- وكذلك في إنجيل مرقس- الفصل 10 والآية 7- بلسان السيّد المسيح له المجد- عن الترجمة المذكورة
((وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ ، وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً.))

ويؤكّد القدّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس التي أقتطف منها الآيات 28-33 في الفصل 5
وكذلِكَ يَجبُ على الرِّجالِ أنْ يُحِبُّوا نِساءَهُم مِثلَما يُحبُّونَ أجسادَهُم. مَنْ أحَبَّ امرأتَهُ أحَبَّ نَفسَهُ.
فما مِنْ أحدٍ يُبغِضُ جَسَدَهُ، بَلْ يُغذِّيهِ ويَعتَني بِه اعتِناءَ المَسيحِ بالكنيسَةِ.
ونَحنُ أعضاءُ جَسَدِ المَسيحِ.
((ولذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويتَّحِدُ بامرَأتِهِ فيَصيرُ الاثنانِ جَسَدًا واحدًا))
هذا السِّرُّ عَظيمٌ، وأعني بِه سِرَّ المَسيحِ والكنيسَةِ.
فليُحِبَّ كُلُّ واحدٍ مِنكُمُ امرأتَهُ مِثلَما يُحِبُّ نَفسَهُ، ولِتَحتَرِمِ المَرأةُ زَوجَها.
**************

أمّا إسلاميّاً فلن آتي بشيء ما من عندي بل من كتب التراث الإسلامي. فقد قرأت في كتاب الشخصيّة المحمّديّة أو حلّ اللغز المقدّس- تأليف: معرف الرصافي موضوعاً لافتاً عن هذا المحور الحسّاس والذي أترك للرجُل المسلم الحكم فيه باستخدام المفاهيم العقلانيّة والمتمدّنة

ففي الصفحة 523 من الكتاب يبيّن الرصافي وضع الرّجُل في الجاهلية ويصفه (متغلباً على المرأة وبأنها متاع للرجل يستمتع بها كيفما يشاء ويطلقها متى أراد. وكان الرجل الواحد منهم يتزوج عدّة زوجات، فقد تكون عنده عشر نسوة أو أكثر أو أقل، فأراد محمد أن يصلح حالتهم في الزواج فمنعهم أن يتزوجوا أكثر من أربع زوجات، واشترط لتزويجهم أكثر من واحدة أن يعدلوا بين أزواجهم وقال لهم: إنْ خفتم أن لا تعدلوا فلا تزيدوا على الواحدة)

ويضيف الرصافي: ونحن إذا ما تأملنا ما جاء في القرآن من جواز تعدد الزوجات، وجدناه صريحاً في عدم الجواز، لأنه علّق جواز التعدد بالمحال، والمعلق بالمحال محال أيضاً. فإنه قال لهم: إن تعدد الزوجات جائز لكم ولكنه محال ممتنع الوقوع عادة. وإيضاح ذلك أنه قال في سورة النساء: 3 فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانك. فهو في هذه الآية اشترط العدل بين النساء إذ قال: فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة. وقال في موضع آخر في سورة النساء أيضاً (الآية 29): (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فهو هنا نفى استطاعة العدل بين النساء نفياً مؤكداً ب{لن} وهذه الآية لا تخرج في الحكم عن ارتباطها بتلك، لأن القرآن يفسّر بعضه بعضاً. فإذا ركّبنا من هاتين الآيتين قياساً شرطيّاً هكذا: (إذا استطعتم أن تعدلوا بين النساء فتزوّجوا غير واحدة، ولكنكم لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فكانت النتيجة: (فلا تتزوّجوا إلّا واحدة) أو قلنا في تركيب القياس الشرطي هكذا: لو كان العدل بين النساء في استطاعتكم لجاز لكم أن تتزوجوا أكثر من واحدة، لكنّ العدل بين النساء ليس في استطاعتكم فكانت النتيجة: فليس لكم أن تتزوجوا أكثر من واحدة

ويؤكد الأديب العراقي الكبير الرصافي ورائد الشعر في عصره قائلاً: إنّ هذا- كما ترى- صريح في القرآن، ولم ينتبه إليه المسلمون لا في عهد محمد ولا بعده، ولم يعارضه من الشريعة إلا ما وقع فعلاً في زمن حياة محمد وبعد وفاته، فإنّ الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا قد عملوا بتعدد الزوجات وتزوّجوا أكثر من واحدة إلى الأربع، ولولا ذلك لما جاز القول بتعدد الزوجات بالنظر إلى القرآن.
أمّا محمد نفسه فلم يكن تابعاً لهذا الحكم ولم يتقيّد به حتى أنه تزوّج اثنتي عشرة امرأة، وقد ذكروا أنه خطب ثلاثين، وعقد على ثلاث وعشرين منهن، ودخل باثنتي عشرة امرأة، وتوفي عن تسع زوجات. ولو فرضنا أن تعدد أزواجه إلى أكثر من أربع كان قبل نزول آية التحديد بالأربع لما جاز أيضاً أن يُبقيهنّ بعد نزولها، بل كان عليه أن يُمسك منهن أربعاً ويترك الباقيات؛ كما أمر بذلك غيلان، فإنه لمّا أسلم كان له عشر نسوة فأمره النبي أن يختار منهن أربعاً ويترك سائرهنّ- أنظر القرطبي، تفسير الآية: 3 من سورة النساء- ولا نعلم أحداً من الصحابة اعترض بذلك على محمد ولا سأله عنه، ولكنّ علماء المسلمين تكلموا فيه وقالوا بأنه من خصائصه أي من الأمور التي تجوز له ولا تجوز لغيره، فهم يعنون بالخصائص ما تسميه الناس اليوم بالإمتيازات.
ويردف الرصافي قائلاً: لا شكّ في أنّ عدم تقيّده بهذا الحكم الشرعي الذي شرّعه لأمتّه غريب، وأغرب منه الحديث الذي ورد عن أنس: فضلت على الناس بأربع، بالسخاء والشجاعة وقوة البطش وكثرة الجماع- انظر زاد العماد 147:3

ومن الواضح أنّ الرصافي- من وجهة نظري- يرمي إلى المساواة في الحقوق ما بين الرجل والمرأة والسعي بأمّة الإسلام إلى الرقيّ بالتفكير وبالحضارة بعد التخلّف الذي سببه نبي الإسلام المريض نفسيّاً وعقليّاً وهذا التعبير ليس افتراءاً بل حقيقة توصّل إليها الرصافي وغيره؛ ففي الصفحة 174 من كتابه يجمل الرصافي أحوال محمّد الخاصّة من السيرة الحلبية ومن ضمنها-باختصار شديد- أوّلاً: حمرة عينيه من زمن الطفولة إلى انتهاء العمر والتي كانت تشتد إذا غضب وإذا خطب فاشتدادها عرض من أعراض حالته العصبيّة. ثانياً: كان شديد التأثر والإنفعال إذا سمع أو رأى ما يغبطه أو يزعجه. ثالثاً: حالات الصرع التي كانت تنتابه منذ الطفولة أي قبل النبوّة والتي كان الناس يظنّون بها من علامات نزول الوحي وملخصها:
الإغماء وتربّد الوجه والغطيط وتحدّر العرق من الجبين في البرد الشديد وحصول دوي عند وجهه كدوي النحل. ثم ان هذه الحالة المتكررة الوقوع لم تكن تقع له على نمط واحد بل كانت مختلفة في الشدة واللين، فمرة كانت تقع له شديدة بحيث تكون جامعة الأعراض المذكورة كلها وهي التي كان يسمع فيها صوتاً كصلصلة الجرس والتي يذكرها المؤلف في بيان صور الوحي، ومرّة يكون فيها كهيئة السكران وهذه هي التي كان يرى فيها جبريل كأنه يراه من وراء غربال كما جاء في رواية عنه في السيرة الحلبية 253:1 (إن جبريل كان يأتيني فيكلمني وكنت أراه أحياناً كما يرى الرجل صاحبه من وراء غربال) ومعلوم أن الرجل إذا رأى صاحبه من وراء غربال فإنما يراه شبحاً لا يميّزه كلّ التمييز.
غير أنّ محمداً كان على حال من هذه الحالة مالكاً لوعيه لا ينقطع عن الحس الخارجي ولا يغيب عنه غيبوبة تامة، وهذه ميزة لمحمد خاصة به وهي المراد من قوله عن نفسه- كما في السيرة الحلبية 234:1 بصفة حديث متواتر: (تنام عيني ولا ينام قلبي) يريد بالنوم هذه الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، وإلا فهو قد نام عن صلاة الصبح ولم يستيقظ حتى ضربته الشمس كما وقع له ذلك في غزوة تبوك أو في غزوة خيبر أو في كلتيهما على ما يقول بعض الرواة- السيرة الحلبية 137:3.

فشكراً للرصافي إلى هذا الحدّ ولكنّي لم أتوقف عن البحث في المراجع الإسلاميّة لتفسير الآية 129 من سورة النساء:
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا؛
فاقتطفت من تفسير إبن كثير ما يأتي:
نزلت هذه الآية "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" في عائشة يعني أن النبي كان يحبها أكثر من غيرها كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن... عن عائشة قالت:
كان رسول الله يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب [أو الحب والجماع في تفسيرَي الطبري والقرطبي] هذا لفظ أبي داود وهذا إسناد صحيح. وقوله (فلا تميلوا كل الميل) أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية (فتذروها كالمعلقة) أي فتبقى هذه الأخرى معلقة ومعناه لا ذات زوج ولا مطلقة.

وقد قرأت في تفسير الجلالين الفكرة ذاتها وهذا نصّها: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا) تسووا (بين النساء) في المحبة (ولو حرصتم) على ذلك (فلا تميلوا كل الميل) إلى التي تحبونها في القسم والنفقة (فتذروها) أي تتركوا المُمال عنها (كالمعلّقة) التي لا هي أَيِّم ولا هي ذات بعل (وإن تصلحوا) بالعدل بالقسم (وتتقوا) الجور (فإن الله كان غفورا) لما في قلبكم من الميل (رحيما) بكم في ذلك

ويورد الرصافي كلمة أخيرة في الصفحة 637 (وهي المرقمة 422 على صفحات بي دي أف) قائلاً:
أننا نعلم مما مر ذكره أن الله كان من جانب محمد في كل ما حدث من الأمور المتعلقة بحياته الزوجية، كما يتبين لنا ذلك من الآيات القرآنية النازلة في هذا الباب؛
إذ نرى الله تارة يضرب الحجاب على أزواجه، وتارة يجعلهن للمؤمنين أمهات ويحرم عليهم نكاحهن من بعده،
وتارة يهددهن بالطلاق وأنه إن طلقهنّ يبدله أزواجاً خيراً منهن، وتارة يزوّجه من السماء ويجعل جبريل شاهداً،
وتارة يحرم عليه النساء فيقول له: لا يحلّ لك النساء من بعدُ...- الأحزاب:52 ثم يحلّها له بقوله: إنا أحللنا لك...- الأحزاب: 50 [ولا أدري غرض الرصافي من تقديم مثال الآية 52 على نقيضه في الآية 50 فربما لغاية ما في نفس يعقوب]
وتارة يُطلق له القيود ويجعله مختاراً يُرجئ من يشاء ويؤوي إليه من يشاء.
وكان ذلك كله وفق رغبته فيهن وطبق مراده منهن، حتى أن عائشة قالت له مرة:
يا رسول الله، إني أرى ربك يسارع في هواك. فدلت بقولها هذا على بساطتها وصفاء قلبها، لأنها لم ترد بقولها هذا طعناً فيه ولا اعتراضاً عليه، وإنما نطقت بما شاهدت من دون تروٍّ ولا تفكير...
وأيضاً نرى بعض المتجددين في عصرنا هذا يريدون أن يعتذروا لمحمد عن كثرة أزواجه بأنه إنما تزوجهن لأسباب مجبرة منها سياسية ومنها غير سياسية، ونحن قد ذكرنا لك [والكلام للرصافي] كيف تزوج كل واحدة منهن،
فإن رأيت في ذلك شيئاً من الأسباب المجبرة مهما كانت فاذكره لنا فنحن نقبله على علاته-
ويسرّني بهذه المناسبة أن أنوب عن المرحوم الرصافي بالردّ على القارئ الكريم فيما لديه من اعتراض.

وأضاف الرصافي: قد يُقال لا غرابة في كثرة جماعه لأنه كان يُحبّ النساء حبّاً شديداً كما جاء عنه في الحديث المشهور، حُبِّبَ إليّّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرّة عيني في الصلاة- انظر سنن النسائي، كتاب عِشرة النساء، باب حبّ النساء، الحديث: 3878 ومسند أحمد، باب مسند مالك بن أنس، الحديث: 11845 و11846

فيعلّل الرصافي حبّ محمّد الشديد للنساء ناتجاً عن التهيّج المستمر في أعصابه وأنّ تمشيره ونشاطه في الجماع عارضان من أعراض ذلك التهيّج فلا شكّ في أنّ الجماع يكون خير مسكّن لأعصابه وهو في تلك الحالة
[والتمشير في قاموس لسان العرب والقاموس المحيط هو النشاط للجماع؛ عن إبن الأعرابي. وفي الحديث: إِنّي إِذا أَكَلْتُ اللحمَ وجدت في نفسي تَمْشِيراً أَي نَشاطاً للجماع، وجعله الزمخشري حديثاً مرفوعاً]
أمّا اللجوء إلى الصلاة فناتج لما اعتراه من همّ وغمّ وحزن لأن الصلاة خير سلوى وأنّ نفسه بالصلاة تتجه إلى الله فتشغلها العبادة عن الهموم والأحزان.

ولم يعلّق الرصافي في كتابه على قضيّة (ما ملكت أيمانكم) ولكنّه يذكر لمحمد ثلاثاً من السراري (جمع سُرِيّة وهي الأمَة يُنزلها سيّدها بيتاً ويطؤها بملك اليمين لا بعقد النكاح) وهنّ:
ماريّة القبطيّة التي أهداها إليه المقوقس ملك القبط في مصر وهي أم ولده إبراهيم،
وجارية أخرى وهبتها له زينب بنت جحش،
وأخرى اسمها زليخة القرظيّة- أنظر السيرة الحلبية 325:3 وهذا من جهة-
وقد لوحظ من جهة أخرى تهرّب شيخين أزهريّين من موضوع ملكات اليمين عبر قناة (إقرأ) الفضائيّة طوال ساعة كاملة من الحوار مع الإعلاميّة بسمة وهبة ويمكن تنزيل الرابط من صفحات الإنترنت.

ولعلّ خير ما أختم به هذه المقالة ثلاث مسائل:
الأولى: لو كان محمد مؤمناً بالسيد المسيح لآمن بالآيات التي أشار إليها السيّد المسيح في خصوص الأنبياء الكذبة الذين يأتون من بعده، بما أنّ المسيح هو الألف والياء، البداية والنهاية، الأوّل والآخر.

والثانية: هل كانت السيرة المحمدية وحالته العصبيّة لائقتين برسول مبعوث من عند الله؟

وأمّا الثالثة فهي: إن سلّم الأخ المُسْلم بأن محمداً (مُرسل من الله) فهل من واجب الرسول أن يصحّح أغلاط قومه أم يزيد عليها لمصلحته الشخصيّة ومصلحة رجاله وتالياً قبيلته مضيفاً عليها تشريعات؟ بحجّة أن التشريعات المذكورة في القرآن منسوبة إلى السماء، علماً أنّ في السماء ملكوت الله المعروف- قبل القرآن- بمحبته البشر وقداسته وكرهه الخطيئة وسائر أعمال الشرّ التي هي في الحقيقة من أعمال إبليس.

مع المحبّة والتقدير
رياض الحبيّب
Friday, March 27, 2009