حرية المرأة في المفهوم العربي



ياسمين يحيى
2009 / 4 / 1

إن المفهوم الأصلي لحرية المرأة هو أن تملك المرأة روحها وجسدها وكل مايتعلق بها مثل اختيار نمط حياتها واتخاذ قراراتها وتحديد مصيرها وهدفها في هذه الحياة وتكون هي المسؤولة الوحيدة عن نفسها بدون وصاية
أو ولاية أحد .
أي أن تكون إنسانة حرة بإنسانيتها مع مراعاة القيم والأخلاق الإنسانية.
أما المفهوم العربي لحرية المرأة فهو مفهوم سطحي جدا. حريتها في عقليتهم مرتبطة بالاباحية والفساد وهذه العقلية متوارثة لديهم منذ قرون
ويعمل رجال الدين في كل بلد عربي على ترسيخها في عقولهم ليل نهار من خلال السموم التي يبثونها في آذانهم عن طريق وسائلهم المختلفة .

منذ أيام كنت قد علقت بانفعال شديد على مقالة للكاتبة المحترمة (صبيحة شبر) بعنوان (حقوق المرأة متى يحين أوانها) نشرت في الحوار المتمدن في الخامس عشر من الشهر الجاري
فقامت احد الأخوات في الرد على تعليقي باعطائي درس عن حقوق المرأة في الاسلام وكأنني ولدت وعشت في الدانمارك وليس في بلدي العربي الاسلامي وكان كلامها عبارة عن أسطوانة مكررة أحفظها عن ظهر قلب ولا شيئ جديد فيها. وفي نهاية كلامها سألتني هذه الأخت المحافظة عن مفهومي للحرية وقالت لي
بالحرف الواحد هل الحرية في مفهوك هو التسكع و (الزنا) ( لا أحب هذه الكلمة ولكني أضطررت لكتابتها) وهدم كيان الأسرة ألخ..
سؤالها هذا يوضح بجلاء المفهوم العربي لحرية المرأة شبابا وشيوخا .. ‏

لم تسأل نفسها هذه الأخت هل الرجل العربي الذي يمتلك حريته الشخصية يفعل هذه الأشياء ؟ فإن أجابت بأن بعضهم يفعلها وهذا صحيح. .فلماذا إذن لا نصادر من الرجال حريتهم ؟ في حين نفعل ذلك مع النساء فقط لأن بعضهن يسيء استخدامها مثلا؟ .

والأخطاء الأخلاقية يقع فيها الجميع . فهل من الانصاف والعدل أن نحرم النساء من حريتهن لأن البعض قد يمارسها بشكل خاطئ ونمنح الرجال كامل حريتهم حتى وإن استخدموها جميعهم أسوأ استخدام ؟ هذا هو الظلم بعينه وهو إن دل على شيئ فهو عظمة قيمة وقدر الرجل واعتباره انسان من الطبيعي وقوعه في الخطأ فلايضر . وأما المرأة فلا يقبل منها الخطأ لأنها في اعتقادهم شيئا لا يجوز عليه الخطأ!. هي في أعتقادهم مثل ماقلت في البداية ليست أكثر من (جسد) ومن خلال هذا التصور نشأ منظورهم لحرية المرأة.فهل ننتظر بعد هذا الفهم العقيم لقيمة المرأة مفهوم آخر لحريتها أرقى من هكذا مفهوم ؟
ولكن أحب أن أوضح لها ولجميع أصحاب هذه العقلية إن عدم الحرية لايمنع المرأة أو الرجل من إرتكاب الأفعال المشينة بل قد يكون هو الدافع لهذه الأفعال .
وهي تتصور أن كلامها هذا نابع من رؤيئتها الشخصية وبعد جهد فكري قامت به هي بنفسها.

إنها لاتعرف أن كلامها هذا ليس سوى برمجة خضعت لها واسطوانة سمعتها ولاتزال تسمعها من محيطها. وهكذا بلا وعي حفظتها وصارت تردها بدون أدنى تفكير في مدى صحتها ومطابقتها للواقع . فهي ترى أن المرأة الحرة هي المرأة الساقطة وبمجرد أن تأخذ المرأة حقوقها وحريتها تبدأ بالتسكع والفجور هذا هدفها الوحيد في الحياة في تصورها.
وهذا يعود للنظرة الدونية للمرأة في المجتمعات العربية والاسلامية وهي نظرة ترى المرأة من خلال جسدها فقط وتنسى روحها وعقلها لذلك يسود الاعتقاد أن انفلاتها من قبضتهم يعني انفلات جسدها منهم ومن رقابتهم . وبما أنها تحمل نصف عقل وبدون ولي أمر يمنعها عن ابتذال جسدها بعدما أصبحت حرة فإنها من المؤكد ستصبح امرأة فاسدة .

هذا هو فهم العرب لحرية المرأة بعدما اختزلت في بعدها الجسدي فقط. لأنها لا شيئ في الوعي وفي اللاوعي سوى أنها عورة وفتنة يجب تغطيتها ومراقبتها وابعادها عن الرجال حتى لا تثير غرائزهم .

لأنها ليست أكثر من دمية جميلة وضعيفة يجب حجبها عن الناس حتى لايطمع بها الآخرون .
وأيضا لأنها تفتقد الفكر والقيم والأخلاق التي تمنعها من الأعمال السيئة بدون الوصي عليها لذالك يحب مراقبتها وتوجيهها لأنها عديمة الفهم وغير قادرة على صيانة نفسها وحمايتها .
فهل بعد هذه الفكرة السطحية واللاانسانية حول المرأة وقيمتها باستطاعتهم فهم شيء آخر عن حرية المرأة غير انفلاتها وتسكعها؟ كلا بالتأكيد. ‏


إن حرية المرأة هي جوهر انسانيتها وكرامتها. وقيمتها الحقيقية التي لا تتحقق الا بامتلاكها لذاتها وكيانها .

الحرة هي من تمارس حياتها بمفردها بانطلاق وبدون موانع . أما الحرة التي تكون محاطة بشروط وحدود معينة لايمكنها تخطيها فهذه امرأة حرة بحدود غرفة نومها فقط لاغير . وبهذه الحالة تستطيع أن تمارس ماتشاء في هذه الدنيا ولكن عليها أن لا تنسى أن تكون بين جدران غرفتها الأربعة فقط لأنها (عورة). أما الحرة الحقيقة فهي كالفراشة تحلق في أرجاء الدنيا بكل فخر واعتزاز .

أما إذا أردت أن تعرف إن كانت المرأة كاملة الانسانية ومكرمة في مجتمع أو ثقافة ما فما عليك الا المقارنة بينها وبين الرجل فإذا تساويا في الحقوق والحريات في قوانينهم الاجتماعية والدينية والقضائية وأن لها ماله وعليها ماعليه. فهي حرة في هذا المجتمع وتلك الثقافة. أما إذا كان العكس فتكون حينها ليست سوى شيئا تابعا للرجل مثلها مثل منزله وسيارته ومكتبه .
فحرية المرأة بالمفهوم الحقيقي للحرية هو أن تملك المرأة ذاتها وأن تختار نوع حياتها وممارساتها اليومية بدون حارس شخصي كالرجل تماما وليس مفهوم الجسد السطحي .

فأين حريتها هنا ؟
ومن المستحيل تخيل امرأة حرة وهي تحت الوصاية والولاية وقابعة وراء غطاء مقرف يحجبها من رأسها الى قدميها يخنقها ويقيد حركتها. وهي الممنوعة من ممارسة أبسط حقوقها الانسانية . فكيف لها أن تكون حرة وهي مثلا لاتستطيع أن تطلق نفسها إذا كرهت العيش مع زوجها ؟ سيقول أعداء حرية المرأة أن لها الحق بأن تطلق زوجها ويسردوا لنا قصة حديث ردي عليه حديقته وتطلق بسهوله بعد ردها مهرهها له . فلماذا بعض النساء يراجعن المحاكم شهورا وسنوات من أجل التفضل بمنحهن هذا الحق؟السبب هو أن الزوج يرفض الطلاق .

أما إذا وافق على هذا العرض حينها فقط سيطبق حديث ردي عليه حديقته . هذا يعني أن الخلع لايعني أن المرأة حرة في أن تفارق زوجها متى أرادت بل العكس تماما ولا يختلف الخلع عن الطلاق الا في اضافة واحدة فقط وهي حصول الزوج على عوض مادي من المرأة إذا ارادت هي الطلاق حتى وإن كان هو سببه. إذن في كل الأحوال تبقى المرأة أسيرة بعصمة زوجها ولاتستطيع التحرر منه لا في الطلاق ولا في الخلع الا برغبته ورضاه .

لماذا الرجل يطلق بكلمة والمرأة لا يجوز لها ذلك ؟
هل تضبح بعد هذا حرة ومعزرة ومكرمة مثل حسب زعمهم؟

*هل تصبح حرة في عرفهم وهي لاتملك حق انفصالها عن زوجها اذا كرهته لأي سبب كان مثل ماهو يفعل ؟

*هل الحرة لايجوز لها أن تخرج من منزلها الا بإذن الوصي عليها أو مرافقته؟

*هل الحرة لاتسطيع أن تتزوج من تحب وتهوى إذا لم يعجب وليها ؟

*هل الحرة لاتستطيع أن تسافر وتتنقل لوحدها ؟

*هل الحرة تمنع من قيادة سيارتها ؟

*هل الحرة تجبر على تغطية وجهها وشعرها ؟

*هل الحرة تحدد لها أعمال ووظائف خاصة بها ويحظر عليها بقية الوظائف والأعمال التي قد تكون حلمها الجميل الذي تجد نفسها فيه؟

*هل الحرة يتزوج عليها زوجها متى أراد ويضرب بمشاعرها وانسانيتها عرض الحائط؟

*هل الحرة هي المقيدة بنظرهم ؟
من تعيش محتوى سؤال واحد من هذه الأسئلة فهي ليست بحرة بل محبوسة بسجن يطلق عليه: (سجن الوصاية) للنساء فقط .

ولمن تقول أنها تشعر بحرية كبيرة وهي بهذا الحال .. أقول: أي حرية هذه ! هذا مفهومك أنت للحرية وهو يخص رؤيتك الدونية لقيمتك الانسانية. هذا ان كانت هذه الرؤية نابعة من فهمك أنت وليس تلقين لقنت أياه من بيئتك وثقافتك وارتضيتيه على نفسك بكل خضوع واستكانة..