المرأة ... الشعوذة أية علاقة؟؟! - الجزء الثاني -



فاطمة الزهراء المرابط
2009 / 4 / 10


حاولت من خلال الجزء الأول من موضوع: « المرأة... الشعوذة أية علاقة؟؟!» إثارة بعض الأسباب الكامنة وراء لجوء المرأة إلى الشعوذة وكلها إيمان وثقة بأن موادها وطقوسها الغريبة هي الحل الوحيد لمختلف المشاكل التي تعانيها في حياتها اليومية، نفس الإيمان و الاعتقاد الساذج بفعالية المشعوذين، يدفعها إلى الارتماء بين أحضان الأضرحة التي تتنوع اختصاصاتها من ضريح لآخر، بحيث تلجأ المرأة لهذه الفضاءات بهدف التخلص من بعض المشاكل الاجتماعية والضغوط النفسية مثل: العقم، العنوسة، اضطراب العلاقة الزوجية، المرض،.... ورغم الأضرار السلبية الناتجة عن ممارسة الشعوذة وتأثيرها الخطير على مختلف مكونات المجتمع من الناحية النفسية، الصحية، الاجتماعية، الاقتصادية والفكرية و.... إلا انه ليس هناك أي تدخل من طرف السلطات المسؤولة لمحاربة هذه الظاهرة التي تعتبر آفة اجتماعية خطيرة، وكلي أمل في أن يحظى هذا الموضوع بالاهتمام الكافي من طرف القراء...

مشعوذون في دائرة السؤال؟؟

على هامش هذا البحث، فكرت في إجراء حوار بسيط، مع "فقيه" لتدعيم هذا الموضوع المطروح للنقاش، ورغم الصعوبة التي تكبدتها في إجراء هذا الحوار الذي كلفني مبلغا من المال، تعويضا عن ساعة من الزمن قضيتها في حوار هذا الفقيه، الذي منعني من التسجيل أو التصوير أو ذكر اسمه أو أي معلومات عنه، ولأن بوحه كان ضروريا بالنسبة إلي، لم يكن أمامي أي خيار سوى الموافقة من أجل اقتناص الدردشة التالية:

من تكون؟

مجرد إنسان، أبحث عن لقمة عيش لأطفالي الثمانية، وأسرة أخي المتوفي.

لماذا اخترت الشعوذة دون غيرها من المهن؟

لم أختر هذه المهنة، وإنما فرضت نفسها علي، في البداية كنت طالب دين أتنقل بين المساجد القائمة ببعض القرى المجاورة لمدينتي، ثم تحولت إلى إمام أحد المساجد، إلا أن ضيق الحياة وارتفاع الأسعار والغلاء في المعيشة، اضطرتني إلى استغلال موهبتي في قراءة الطالع والحظ، لكسب المزيد من المال، كنت أستقبل الناس في منزلي خارج أوقات الصلاة، ورويدا اتخذت الشعوذة أو الكْتابَة بمفهوم آخر مهنة لي، لو كنت أتقن مهنة أخرى مناسبة لي، لتركت مهنة المتاعب والمخاطر هذه بلا تردد.

هل تعترف بأنك غير راض على هذه الممارسة؟

في البداية ، كانت هذه المهنة تحقق لي ربحا لا بأس به، تمكنت من خلاله من تلبية مختلف طلبات الأسرة، لكنها مهنة متعبة جدا، إذ أنني لا أستطيع ممارسة حياتي بشكل طبيعي مثل باقي البشر، لذلك أضطر أحيانا إلى النهوض على السابعة أو الثامنة صباحا، تحت ضغظ الطرق المتواصل على باب منزلي، لا أستطيع تناول الفطور أو الغذاء في راحتي، لا أستطيع تحقيق متعة حقيقية رفقة أسرتي أو الجلوس مع الأهل والأصدقاء بالبيت أو المقهى، أو السفر لزيارة الأهل والأحباب، هذا الضغط اضطرني إلى اتخاذ حجرة صغيرة في الجهة الخلفية من البيت حرصا على راحة أسرتي الصغيرة، انطلاقا من هذه الوضعية بدون شك أنا لست راضيا عن وضعيتي أو مهنتي.

لو كان بإمكانك اختيار مهنة أخرى، ماذا كنت ستختار؟

أن أكون فلاحا لأني أعشق الخضرة والماء...

سمعت أن عملك متقن جدا فما قولك؟

كله بإذن الله وقدرته، العبد مجرد ساع في هذه الدنيا ومسبب للأشياء، والكمال من عند الله سبحانه وتعالى.

ما هي طبيعة الزبائن المتوافدين عليك؟

أغلبية زبائني من النساء، أشتغل مع النساء بشكل يومي، ونادرا ما يزورني أحد الرجال، لأنهم يرفضون الاختلاط بالنساء، وأنا لا أستطيع توفير حجرة لكل منهما، لذلك أحيانا أستقبل الرجال خلال الليل أو أقضي غرضهم بوساطة الهاتف.

على ذكر الهاتف، قبل لحظات، تلقيت مكالمة هاتفية، فهمت من خلالها أنها من زبونة، فهل تمارس مهنتك بوساطة الهاتف أيضا؟

نعم، إنها زبونة قديمة مقيمة حاليا بألمانيا، وهي تتصل بي كثيرا لأقضي حاجتها، من هنا لأنها لا تستطيع المجيء إلى المغرب في كل لحظة، وهي تستشيرني في كل خطوة تقوم بها في عملها أو حياتها اليومية.

وهل هذه الخدمة مجانية؟

بالطبع هناك مقابل، إن هذه السيدة التي أشرت إليها، سبق لها أن قدمت لي خدمة مميزة جدا مقابل مساعدتي لها على تخطي بعض المشاكل الاجتماعية، حصلت لي على تأشيرة السفر إلى فرنسا، حيث تمكنت من خلالها العمل هناك في هذا المجال لمدة سنة ونصف، حققت من ورائها ربحا مادِّيا لم أكن أحلم بجنيه هنا بالمغرب ولو في مدة سبع سنوات، ولولا أسرتي التي تركتها ورائي، لما فكرت في العودة أبدا لأن الزبائن هناك يدفعون بسخاء كبير مقارنة مع زبائني في المغرب.

لماذا تعتبر المرأة أكثر تعاطيا للشعوذة؟

لأن المرأة لا شغل لها سوى الحلم، لهذا فهي الأكثر إيمانا، من غيرها بالشعوذة، وأحيانا بعض الفقهاء الله يْجَازيهُمْ بخِيرْ غِيرْ كَيْتفلاوْ عْلى العْيَالاتْ وكَيْعْطِيوْهُمْ أيْ حَاجَة بَاشْ يْعَاوْدُوا يْرْجْعُوا عَندْهُمْ، وهذا بدافع تحقيق أكبر ربح مالي من ورائهم.

ما هي الأسباب التي تدفع المرأة للجوء إليك؟

هناك من تبحث عن زوج مناسب لها، بعد أن تزوجت كل بنات العائلة والجيران، وهي الوحيدة التي لم يطرق بابها أي رجل، وهناك من تقصدني لمجرد الشك في أن زوجها يخونها، لأنه دخل متأخرا إلى المنزل أو لأنه رفض تناول العشاء، أو اتجه إلى الفراش مباشرة دون أن يهتم بها، أو لأنها شمت رائحة عطر نسائي في يديه، قد يكون ناجما عن مجرد تحية بينه وبين زميلته في العمل، وبعد أن تفشل محاولاتها في ضبطه في حالة تلبس، تلجأ إلي لأكشف لها المستور، فأجد نفسي في ورطة حقيقية بين خيارين: بين أن أطمئن فؤاد هذه المرأة وبين أن أحذرها من شبح امرأة تحوم حول زوجها، وبالتالي بسط الحقيقة أمامها لأن المرأة تحس من خلال تصرفات زوجها إن كان وفيا أم خائنا، لذلك تصبح زبونة دائمة لي بهدف إعادة المياه إلى مجاريها، والحفاظ على زوجها، وهناك بعض النساء يقصدنني بغرض الحصول على الأولاد وهذا أمر مستعص علي، رغم أن هناك بعض الفقهاء يوهمون النساء بأن لديهم هذه القدرة.

هل هذا يعني أنك تعمل بشفافية ومصداقية؟

أنا لست ملاكا، لكني أحاول أن أراعي ظروف الآخرين، وأن أنصحهم حسب مقدرتي، لكن لدي هفواتي وأخطائي كغيري.

ما هي الأخطار التي تواجهك أثناء ممارسة مهنتك؟

هناك أخطار كثيرة، بدون شك، تهديد بعض الزبائن، واتهامات بالنصب والاحتيال والسرقة أحيانا، هذا هو السبب الذي دفعني إلى الابتعاد عن المدخل الرئيسي للبيت حتى لا أعرض أسرتي للخطر والمقالب.

هل سبق وتعرضت لموقف طريف أثناء ممارسة هذه المهنة؟

قبل 3 سنوات زارتني سيدة وهي تدعي أني تقاضيت منها نصف مليون، مقابل أن أخلصها من زوجها الذي يرفض الطلاق، وكنت على يقين بأني لست الشخص الذي تتحدث عنه، لكنها أصرت على قولها رغم إنكاري الشديد، وأخرجت من حقيبة يدها بعض الحروز التي ادعت أني منحتها إياها، إضافة إلى بعض الأعشاب والبخور، وأنا لم يسبق لي أن استعملت الأعشاب أو البخور أو هذا النوع من الورق المستعمل في الحروز، إذ أستعمل بشكل دائم ورق الزبدة والصمغ في كتابة الحروز التي أمنحها لزبائني وهي عبارة عن آيات قرآنية وأحاديث شريفة وأدعية معروفة، لكنها ظلت مصرة على إدعائها، فاتصلت بالشرطة وبعد أخذ ورد تم اكتشاف أن المرأة مجرد محتالة معتادة على هذا النوع من الاحتيال والنصب.

كيف يتوصل إليك الزبائن؟

أحيانا من خلال الصدى الذي يتركه عملي في مجال الشعوذة، وأحيانا بتوصيات من طرف زبائني وأحيانا أخرى بالصدفة أثناء بحثهم عن فقيه أو شوافة يدلهم أحد الجيران إلى مكاني، وأحباب الله كثر...

ما هي الحالات التي ترد عليك وتردها خائبة؟

حالات السرقة والقتل، لا أستطيع الاهتمام بها، رغم إلحاح بعض الزبائن علي.

ما هي الوصفات التي تمنحها لزبائنك؟

ليست هناك وصفات بالمعنى الذي تقصدينه، فأنا أصف دائما مواد معروفة وغير ضارة مثل: (احصلبان، حلحال، الدفلى، الحرمل، الشبة، مروثة،...) وهي نبتات معروفة حميدة الرائحة، توجد عند كل العطارين، وهي مواد تستعمل في البخور حسب حالة أو مشكل كل زبونة، واستعمل الحروز بورق الزبدة وأكتب بالصمغ، ولا أستعمل أي مواد كريهة أو سامة.

ورق الزبدة والصمغ هي مواد اشتغالك ألا تعتقد معي أن مزيج هذه العناصر مع الماء قد تحدث تسمما في الأمعاء؟

لم يسبق أن تلقيت شكوى من أي شخص.

ما هي الأضرحة التي تنصح بها زبائنك؟

غالبا ما تكون أضرحة أصيلة أو نواحيها ( سيدي مسعود، أحمد بوقجة، لالة رحمة، سيدي منصور، سيدي ميمون...)، ونادرا ما أصف ضريح مولاي عبد السلام، وهي أضرحة معروفة بصداها الطبيب وكرامة أوليائها الذين لا يردون طالبا أو سائلا.

بدون شك أنك كونت ثروة كبيرة وراء مهنتك؟
كما سبق وأخبرتك، أني قضيت قرابة سنة في فرنسا، هي التي كونت فيها أساس ثروتي، لأن المهنة هناك مطلوبة جدا ونادرة جدا والزبائن يدفعون بسخاء مقارنة مع زبائن المغرب كما قلت لك سابقا.

هل يساهم التطور التكنولوجي في مهنتك (الانترنيت، القنوات الفضائية، الهواتف النقالة)؟

لا، باستثناء الهاتف النقال، الذي يسهل بشكل كبير عملي، بحيث أتمكن من خلاله التواصل مع مختلف زبنائي، و أحيانا منحهم مواعيد خاصة، أو زيارتهم في البيت إن تطلب الأمر ذلك، لا أوظف أي تقنية أخرى.

ما رأيك في الانتشار الكبير لممارسي الشعوذة؟

نعم، وأكثر ما تتصورين وكثيرا ما تجدين "فقيه" أو "شواف" لا يجيد حتى كتابة اسمه، ويدعي أنه قادر على ( القضاء على العكس، معرفة المستقبل، جلب الغائب، جلب الحظ والمال، علاج بعض الأمراض مثل: الكلاوي، القلب، المرارة، السرطان، تساقط الشعر،....) فكيف له أن يعالج كل هذه الأمراض؟؟! لكن، لكل واحد رزقه وزبائنه.

ماذا تعني لك الكلمات التالية؟

الحب: نعمة.
الزواج: ضرورة أساسية.
الأمل: ضعيف جدا.
الوطن: هوية كل إنسان.
الصداقة: نادرة جدا.
الطفولة: تاريخ حاضر.
الزمن: قاسي جدا.
المرأة: شر لابد منه.

كلمة أخيرة

أشكرك على الحوار، وأقول: ليس كل ممارسة هي شعوذة، فالشعوذة هي التي تهدف بها إيذاء الآخرين، في حين أن كل سعي في الخير وزرع المحبة بين الناس فهو خارج عن دائرة الشعوذة.