المرأة ... الشعوذة أية علاقة؟؟! - الجزء الثالث -



فاطمة الزهراء المرابط
2009 / 4 / 13

عندما خرجت من بيت "الفقيه"، وأنا أحاول تذكر كل ما جاء في الحوار الذي دار بيننا، تفاجأت من كم الأسئلة التي لازالت تدور في دماغي، فكان من الطبيعي طرق باب آخر وإجراء حوار آخر، بعد اللف والدوران اكتشفت أنني لم ألتق بعد الشخص المناسب الذي سيلبي فضولي حول هذا الموضوع، ولم أكن أتوقع أن من أبحث عنها توجد على بعد ثلاث كلمترات فقط من مقر إقامتي، كانت تعيش هناك وراء الأسوار البرتغالية "الزيلاشية"، سيدة في أواسط الخمسينات تقضي نصف نهارها في المنزل، والنصف الآخر بين أحضان ضريح "سيدي العربي غيلان"، ساعات طويلة من الانتظار عله يحالفك الحظ في المثول بين يديها...

من هي الشريفة " الحومارية"؟

امرأة، أم لخمس بنات، وجدة لثلاث أحفاد، قدمت من مدشر"الحومر" قبل سنوات طويلة لم أعد أذكر عددها، عندما تزوجت بالمرحوم، الذي سهر على راحة الأسرة، فلم أتكبد عناء الذهاب إلى السوق أو غيره من الأماكن لتلبية حاجة الأسرة، لكن فجأة وجدت نفسي بدون معين أو مساعد، بعد وفاة زوجي، كنت صغيرة السن عندها، وفي عنقي 5 بنات صغيرات، لم تكن هناك فرص للشغل، وأنا غير مْرَا عْرُوبيَةْ مَا كَنْعْرْفْ لا مِنْ نْدْخُلْ ولا مِنْ نْخْرْج، عْطانِي رْبي هَاذ البَرَكَة كَنَكُولْ بهَا طريْفْ دْيَالْ خبْزْ، وبها تمكنت من تربية بناتي الخمسة.

كيف تحولت من "ربة بيت" إلى "شوافة"؟

عندما كنت صغيرة، كنت أرى بعض الأشياء وأتوقع بعض الأمور عن0 المستقبل، عندها كانت والدتي تطلب مني أن أكتم هذا السر عن الجميع، خوفا علي من العين والحسد، ولاحقا كنت أقرأ الكف لرفيقاتي وأتنبأ بأحداث يومهم ومستقبلهم أيضا، لكني أقلعت عن هذه العادة منذ زمن طويل، لكن قلة الحيلة جعلتني أستغل هذه البركة التي أنعم الله علي بها.

هل هناك إقبال كبير على خدماتك؟

حسب الظروف والزمن، أحيانا أنتظر كل الصباح في غرفتي ولا يطرق بابي أحد خصوصا في فصل الشتاء، في حين يزورني عدد كبير من الزوار في فصل الصيف خاصة مع تواجد الجالية المغربية بالخارج والوافدين على المدينة للاستجمام والسياحة من مدن مغربية أخرى، وعنواني سهل لا يستعصي على أحد أبدا، وشهرتي تسبقني إلى كل مكان.

ما موقفك من المنافسات الأخريات، خاصة مع تواجد الكثير من الفقهاء بالمدينة؟

أكيد أن المدينة تعج بالكثير من الفقهاء والمشعوذين، وكل واحد منهم له مكانته واختصاصه، هناك من يخدم الناس بكل ما يملك من قوة وصدق، وهناك من يراوغ من أجل ربح المال لا غير، لذلك تجدين تفاوتا بين المشعوذين المتواجدين هنا، هناك دائما مساحة للاختيار، فتجد المرأة الواحدة تزور كل الفقهاء الموجودين وتتنقل بينهم إلى أن تجد ضالتها، وأحيانا تشتم هذا أو ذاك لأنه أخذ أموالها دون أن يقضي غرضها، لكن بالنسبة لي لا أهتم بهذا التعدد، فلكل واحد نصيبه من الدنيا.

يقال عنك، إنك "عفريتة السحر" ما رأيك في هذه الشهادة؟

لا أدري، لا أستطيع الجزم أني "عفريتة السحر" كما جاء على لسانك، أعتقد أنها مجرد مبالغة من إحدى الزبونات، والتي ربما قضي غرضها على يدي، فتناسلت هذه الإشاعة إلى أن أصبحت حقيقة يتناولها الجميع.

كيف تحافظين على عملك؟

مازلت لحد الساعة أزور الشريفة "الوزانية" بطنجة والتي أعتبرها رمزا من رموز السحر، أقضي لديها يوما في الشهر وأحيانا يومين لأنهل من علمها وبركتها.

هل هذا يعني أن هناك عدة مشاكل لا يمكنك الاهتمام بها أو حلها؟

أكيد، فأنا لست إلها أو ملاكا، لأمتلك الخبايا والحقيقة المطلقة، وأحيانا أعجز عن النصح والإفادة، فأضطر إلى تلهية زبنائي حتى لا أفقد مكانتي بين الفقهاء والمشعوذين الآخرين، وقد أوهم الزبائن بعدة أشياء فأضللهم عن الحقيقة.

ألم يسبق لأي زبون أو زبونة أن اتهمتك بالنصب والاحتيال، لأنك لم تلبي حاجتها؟

أكيد أن سنوات من العمل في هذا المجال، جعلتني أتفادى الوقوع في هذا المأزق، أكيد أني سأجد حلا لأي موقف، فأتهم الزبونة بعدم تنفيذ كل الطقوس التي وصفتها لها، وأحيانا فعلا يكون هناك خلل، فأصف لها طقوسا ووصفات أخرى تداركا لهذا التقصير.

ماهي طريقتك في قراءة الحظ والمستقبل ؟

أنا أمتهن لعبة الورق، إذ أقرأ الورق ومن خلاله أتتبع خط ومسار حياة أي زبون.

هل من الممكن أن توضحي أكثر لو سمحت؟

ما قلته يعني أني أستعمل ورق اللعب أي "الكارطة" حسب المفهوم الشعبي، فأقسمها إلى 3 أجزاء متساوية، وأطلب من الزبونة أن تردد على كل جزء وهي تمس الورق: "هذا سَعْدِي هَذا مَيْمُونِي هَذا تخْمَامِي هَذا لِي طلع في بالي"، وتكرر الكلمات 10 مرات والجزء الذي ينتهي فيه العدد، أقلبه لأقراه، ومن خلاله أعرف خبايا ومستقبل الزبونة، انطلاقا من الرَايْ والكَباَلْ والصُوطة ( ورقات اللعب)، هذه الأخيرة (الصُوطة) التي تعني المرأة والكَبَالْ يعني الرجل والراي يعني الجاه والسلطة، وبما أن المرأة تحب الكذب والمراوغة فهي تصدق كل كلمة أخبرها إياها.

هل هناك وسيلة أخرى غير "الكارطة" تعرفين من خلالها خبايا كل زبونة؟

هناك طرق متعدد للكشف عن المستور، أستعمل الصخور البحرية الصغيرة، أقرأ الكف، هناك وسائل كثيرة، المهم هو النتيجة ولا يهم الطريقة.

ماهي الحالات التي ترد عليك؟

بما أن الزواج هو أهم شيء في حياة المرأة، فغالبا ما يكون هذا هو الغرض من اللجوء إلي، أيضا بسبب البرود العاطفي وغياب الحميمية في العلاقات الزوجية والتي تؤدي إلى عدة مشاكل أخرى في حياة المرأة والرجل معا، مثل: الخيانة أو الزواج، ونادرا ما تزروني المرأة بهدف العلاج من مرض ما، لأن مع تطور الطب أغلبية النساء يتوجهن إلى العيادات والمستشفيات، وأحيانا تزورني الراغبة في الحصول على الأطفال وهذا الأمر خارج طاقتي، لكن دائما لدي دواء لكل واحدة.

ماهي نوعية النساء التي ترد عليك؟

نساء مختلفات، ربات بيوت، موظفات، معلمات، غنيات، فقيرات، ليست هناك شريحة معينة لنوعية الزبائن التي ترد علي لأن هناك مشاكل ومعاناة مشتركة بين أغلب النساء.

انطلاقا من نوعية زبائنك، يتبين غياب الوعي بشكل كبير في المجتمع؟

عندما تجتمع عليك المشاكل من كل حدة، فلن تفكر لا في الوعي ولا في المكانة الاجتماعية ولا في الوضعية الثقافية، فالهدف الوحيد هو الخلاص من المأزق والمشكلة التي تواجهك، عندما تكتشفين أن سعادتك وحياتك مهددتان بسبب شخص ما، فلن تترددي في خوض المستحيل حتى لو كان الحل وهما.

ماهي الطقوس التي تتضمنها وصفاتك؟

أشياء كثيرة، وبما أن المدينة لا تتوفر على دكاكين الأعشاب والعطارة، أضطر إلى جلب الأعشاب وكل مستلزمات عملي من مدن أخرى، وذلك لتسهيل المهمة على الزبائن بدل اللف والدوران من أجل الحصول على الأعشاب وغيرها من المواد النادرة، وهي التي تشكل مكونات وصفاتي :الأعشاب وقطع من بعض الحيوانات والطيور والحشرات، وأيضا بعض البخور.

لاحظت أن هناك حجرة تتوفر على عدة مواد غريبة ومثيرة للاهتمام، ما نوعيتها؟

ما يوجد في تلك الغرفة عبارة عن مواد أجلبها من مدن أخرى، مثل : ( سرغينة، احصلبان، ريش النعام، شوك القنفد، أنف الهدهد، بيض النعام، الفسوخ، اللدون، جلود الأفاعي، النمور، القرود، أسنان القرش، سحالي، جلود التمساح، مخ الضبع، مخ القنفد....) وهي مواد تكلفني ثمنا باهظا، إلى جانب تكلفة النقل والشحن، وأحيانا أبيعها بالخسارة.

والجن، هل لك علاقة بإخراجه من جسم الإنسان؟

لا، يبدو أن لدي صداقة جميلة مع الجن، فهو لا يطيع أمري بالخروج، لذلك غالبا ما أبعثهم لضريح "سيدي العربي غيلان"، هناك أشخاص آخرون إلى الميدان نفسه يمارسون هذه الأمور، ثم أشْمْنْ جْنْ بَاقِي الجْنْ هُو بْنادْمْ.

ألا تفكرين في تغيير هذه المهنة؟

ليس هناك أي بديل، الحياة مرة، والزمن غادر جدا.

لماذا اخترت الجلوس في هذا الضريح بالضبط؟

لم يكن الأمر بيدي، كان دائما يأتيني في المنام، ففكرت في البقاء بقربه، عله يمدني بالقوة والبركة، لأمارس مهنتي.

كيف توفقين بين مهنتك ومسؤوليتك في البيت؟

ابنتي الكبرى تقيم معي بعد وفاة زوجها، وهي تهتم بالمنزل أثناء عملي، أقضي الصباح في البيت وبعد الظهر أتناول الغذاء وأتوجه إلى "سيدي العربي غيلان" لأجد بعض الزبائن الوافدين علي أو على الضريح لأخذ البركة وإشعال الشموع لروح الولي الجليل.

ألا تعتقدين أن هذه الممارسات محرمة من طرف الإسلام؟

إن بدأنا الحديث عن الحلال والحرام فإننا لن ننتهي أبدا، أشياء كثيرة محرمة وتمارس بشكل يومي، " وَاشْ وْقفتْ غِيرْ عَنْدْناَ ".

وماذا بخصوص التفرقة بين الزوجين؟

أنا مجرد وسيلة، لاذنب علي، هي أسهل الحالات الواردة علي، إذ يكفي أن تجلب لي المرأة شيئا من آثره: قطعة من ملابس داخلية أو قطعة ملوثة بمنيه أو صورته، أيضا هناك مواد تستعمل في الطعام أو الشراب، لإحداث الكراهية بين زوجين أو حبيبين إلى درجة أنه لن يقوم بالنظر إليها مرة أخرى أو الإحساس بأي شيء اتجاهها وكأنه لم يعرفها يوما.

كيف ذلك، شوقتني لمعرفة الأمر؟

حسنا، إن تعلق الأمر بالصورة فإني أجمع بين الصورتين أقصد صورة المرأة وصورة الرجل وأكتب في ظهرهما بعض الطلاسيم والتي تتعلق بالكراهية والهجران، ثم تدفن الصور في قبر منسي أو طريق خالية أو في البيت تحت رجلي خزانة أو صخرة ثقيلة، وإن تعلق الأمر بملابس داخلية فإني أقرأ عليها بعد التعاويذ وأكتب عليها بعض الكلمات بماء الاسمنت، وعلى القطعة أن تظل لمدة ليلة كاملة معرضة للهواء، ثم يلبسها الرجل، أما القطعة الملوثة بالمني أضعها فوق الشمع إلى أن يجف كل المني الموجودة على القطعة ثم أدفنها في مكان بعيد حتى لا يشعر الرجل بأي حرارة اتجاه زوجته أو حبيبته....

من الذي يلجأ إلى هذه الممارسة؟

إما الأم (أم الزوجة أو الزوج) التي لا ترغب في هذا الزواج، وأحيانا أخت الزوج العانس، أو صديقة حميمة، أو أي شخص مقرب جدا من الزوجين ليتمكن من الحصول على هذه المواد.

وماذا عن الجمع بين القلوب؟

هي أيضا من اختصاصي، وكثيرا ما جمعت بين الكثير من الأشخاص، وقد تكلل هذا الجمع بالزواج والذرية الصالحة أيضا.

أليست هناك نتائج سلبية خاصة وأن هذا الزواج تم بالسحر والشعوذة؟

دائما، هناك مستفيد ومتضرر، ولا نستطيع أن نقلب القاعدة مهما كانت الأسباب والدوافع، أنا مجرد وسيلة كما سبقت وأخبرتك، أنفذ ما يطلب مني مقابل مقدار من المال، في بعض الأحيان يكون ذلك على حساب نساء أخريات أو رجال آخرين لكن هذه هي الحياة إما أن تعطيك أو تأخذ منك.

ماذا تمثل لك الكلمات التالية؟

الحب: حلم ضائع.
الزواج: سنة الحياة.
الأمل: موجود إن بحث عنه.
الوطن: مكان.
الصداقة: كنز كبير.
الطفولة: ليتها تعود.
الزمن: غادر جدا.
المرأة: ظالمة ومظلومة في كل الحالات.

كلمة أخيرة

أرجو أن تفهم المرأة أننا بشر مثلها فلا تأمل الكثير من ورائنا.