المرأة ... والإعوجاج الدائم



عبدالحكيم الفيتوري
2009 / 4 / 24

جاء في كتاب البخاري حديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة كالضلع؛ إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج. (البخاري، كتاب النكاح، باب المداراة مع النساء) و‏في حديث أخر عن ‏ ‏أبي هريرة،‏ عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا (صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء ‏) كذلك ذكر صحيح مسلم ذات الحديث عن أبي هريرة !!

أولا: المحدث يؤكد إعوجاج الأنثى:
قال الحافظ ابن حجر:قوله ( فإنهن خلقن من ضلع ) وكأن فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق في " المبتدأ " عن ابن عباس:إن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم.وكذا أخرجه ابن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد، وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو بعضهم فكان المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شيء معوج، وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع، بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه وأنها عوجاء مثله لكون أصلها منه، وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب بدء الخلق.

‏وقوله( وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه )‏ذكر ذلك تأكيدا لمعنى الكسر، لأن الإقامة أمرها أظهر في الجهة العليا، أو إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن، ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها، وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى، واستعمل " أعوج " وإن كان من العيوب لأنه أفعل للصفة وأنه شاذ، وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة فإذا تميز عنه بالقرينة جاز البناء.

‏وقوله ( فإن ذهبت تقيمه كسرته )الضمير للضلع لا لأعلى الضلع، وفي الرواية التي قبله " إن أقمتها كسرتها " والضمير أيضا للضلع وهو يذكر ويؤنث، ويحتمل أن يكون للمرأة، ويؤيده قوله بعده " وإن استمتعت بها " ويحتمل أن يكون المراد بكسره الطلاق، وقد وقع ذلك صريحا في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم " وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها " . قوله ( وإن تركته لم يزل أعوج )أي وإن لم تقمه، وقوله " فاستوصوا " أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها، قاله البيضاوي. والحامل على هذا التقدير أن الاستيصاء استفعال، وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد، وقد تقدم له توجيهات أخر في بدء الخلق. ‏

وأكد الحافظ النووي شارح كتاب مسلم ذات المنطق فقال:لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة خلقت من ضلع أعوج . ‏‏ثم قال: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى: خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها. وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع. وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم.

ثانيا: المفسر يتأول القرآن لإثبات إعوجاج الأنثى:
لا يخفى أن فن التفسير قد بدأ تدوينه وتصنيفه بعد تدوين السنن والأحاديث والأثار، لهذا لم يجد علماء التفسير من حرج في تأويل آيات القرآن المحكمة بما جاءت به تلك الاسانيد والروايات وما تم تدوينها في مصنفات كتب الاحاديث. فعلى سبيل المثال نجد ابن جرير الطبري يفسر قوله تعالى في سورة النساء( وخلق منها زوجها) بتلك الروايات والاحاديث التي صنعت من سرديات العهد القديم اسنادا إلى رسول الله، فقد ذكر ابن جرير: عن أسبـاط،عن السديّ، قال: أسكن آدم الـجنة، فكان يـمشي فـيها وَحِشاً لـيس له زوج يسكن إلـيها؛ فنام نومة، فـاستـيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خـلقها الله من ضلعه، فسألها ما أنت؟ قالت امرأة، قال: ولـم خـلقت؟ قالت: لتسكن إلـي.

ولا يجد حرجا بالتلميح والتصريح بأن هذه الأفكار مستقاة من كتب أهل الكتاب، حيث يقول حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ألقـي علـى آدم صلى الله عليه وسلم السَّنة فـيـما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلـم، عن عبد الله بن العبـاس وغيره، ثم أخذ ضِلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر، ولأم مكانه، وآدم نائم لـم يهبّ من نومته، حتـى خـلق الله تبـارك وتعالـى من ضلعه تلك زوجته حوّاء، فسوّاها امرأة لـيسكن إلـيها، فلـما كُشفت عنه السِّنة وهبّ من نومته رآها إلـى جنبه، فقال فـيـما يزعمون والله أعلـم: لـحمي ودمي وزوجتـي! فسكن إلـيها.ا.هـ

ولم يبعد الرازي في مفاتيح الغيب عن ذات التصور الذي أرساه الطبري في تفسيره إلا أن الرازي قد أضاف اشارة تشير إلى أن ثمة من ينزع إلى تحكيم منطق القرآن ويعتمد على مدركات العقل عوضا عن الرواية ومسارب الاسانيد،ولعل هذه المدرسة العقلانية كان يمثلها أبو مسلم الاصفهاني. كما قال الرازي في تفسيره لقوله تعالى:( وخلق مِنها زوجها)، فيه مسائل:المسألة الأولى: المراد من هذا الزوج هو حواء، وفي كون حواء مخلوقة من آدم قولان: الأول: وهو الذي عليه الأكثرون أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلما استيقط رآها ومال اليها وألفها، لأنها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه، واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم:إن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها .

والقول الثاني: وهو اختيار أبي مسلم الأصفهاني: أن المراد من قوله: ( وخلق مِنها زوجها) أي من جنسها وهو كقوله تعالى:(والله جعل لكم مّن أَنفسكم أَزواجا).(النحل) وكقوله:( إِذ بعث فيهم رسولا من أَنفسهم).(آل عمران) وقوله: ( لقد جاءكم رسول من أَنفسكم )(التوبة).ا.هـ

واختصر ابن عطية في تفسيره الوجيز ما قاله ابن جرير الطبري ولم يضف جديدا، حيث قال:وقوله( منها )، قال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة: إن الله تعالى خلق آدم وَحِشاً في الجنة وحده، ثم نام فانتزع الله أحد أضلاعه القصير من شماله، وقيل: من يمينه فخلق منه حواء، ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام: إن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمها كسرتها. وكسرها طلاقها. وقال بعضهم: معنى(منها) من جنسها، واللفظ يتناول المعنيين، أو يكون لحمها وجواهرها في ضلعه، ونفسها من جنس نفسه.ا.هـ

تلك إطلالة موجزة تصور لنا تشبث أهل الحديث بطرق الاسناد، وأهل التفسير بطرق التأويل لتصورات العهد القديم المترعة بالأساطير والخيالات عن قصة آدم وحواء وبدء الخليقة وغير ذلك مما يمكن تسميته بالاختراق الكبير المبكر للعقيدة والمفاهيم والتصورات الدينية من خلال روايات كعب الاحبار وابن المنبه وابن سلام ومن أخذ عنهم. جاء في العهد القديم:(تك 1: 31). وقد وضع آدم في جنة عدن ليي جنة عدن ليعملها ويحفظها. وقد أمره أن يعطي الحيوانات اسماء(تك 2: 19). وقد صنع الله له معيناً نظيره إذ أخذ ضلعاً من أضلاعه وبناها امرأة وأحضرها إليه(تك 2: 21-22).

وفي سفر التكوين(21 فَأوقع الرَّبُّ الإِلهُ سُباتا على آدم فنام، فَأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما.22 وبنى الرب الإِله الضلع التِي أخذها من آدم امرأَة وأحضرها إِلى آدم.23 فقال آدم: «هذه الآن عظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرء أخذت».24لذلك يَترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا.25 وكانا كلاهما عريانَين، آدم وامرأَتُه، وهما لا يخجلان).

يتبع (1-3)

www.a-znaqd.com