بين الانتصارات الحقيقية للمرأة في الكويت ... وزيف التمثيل النسوي في البرلمان العراقي .



حامد حمودي عباس
2009 / 5 / 19


هكذا هي صور النضال الحقيقي للمرأة حينما تصر على متابعة مسيرتها من أجل نيل حقوقها المشروعة ، معتمدة في بناء مراحل نضالها على حركتها الذاتية ، دون الاعتماد على نظام معد لها من قبل تيارات سياسية معينه يكبلها ضمن قوائم مغلقة تكون هي فيها مجرد أداة للتصويت ليس الا .
فالصورة المشرقة للمرأة الكويتية المكافحة والمتصديه لقوى التخلف والرجعية ، رغم محاصرتها طويلا من قبل هذه القوى ، تجعلنا أمام تجربة فذة تستحق التأمل .. فالمرأة الكويتية رفضت منذ البداية أن تكون حصة ضمن نظام الكوتا وغامرت في دخول معركتها استنادا على ثقتها بأن عنصر المطاولة في عملية النضال ستأتي بالنتائج المبتغاة لا محاله ، وكان لها أن تنتصر أخيرا على انقاض تراجع واضح لقوى الرجعية والسلفية المعشعشه في حياة المجتمع الكويتي منذ زمن طويل .
لقد حارب الرجعيون ودعاة الالتزام الديني ضد حقوق المرأة في الكويت وبشتى الطرق ، وهاجموها عندما اسفرت ونفضت عنها الحجاب ، وأهانوها في المحافل العامة واثناء عقد الندوات الاعلامية ، ورموها بشتى صنوف الصفات غير الاخلاقية بهدف ابعادها عن صناديق الاقتراع وكذلك عن مراكز القرار في الدولة ، ورغم تحقق بعض الانجازات لهم والتي عكست صور تبجح الاسلاميون بابرازها حينما فشلت التجارب المتتاليه لمحاولة المرأة دخول البرلمان ، فان اصرار النساء الواعيات بحقوقهن المستلبه والحريصات على الاستمرار بخوض غمار المعركة ، جعل من الناخب الكويتي يستثمر تراجع قوى الردة والرجعية وعجزها عن تحقيق ما أطلقته من وعود كاذبه ، لينتخب المرأة بثقة تامه ، وبهذا ارتقت أسيل العوضي وبقية زميلاتها الثلاثه ليدخلن الحياة البرلمانية وهن يحملن رايات النصر المؤزر وتغمرهن ثقة عالية بالنفس .
وبقدر فرحي الغامر بهذا النصر للمرأة عموما ، فانني وجدتني مرغما لمحاكاة واقع المرأة العراقية ممن قدر لهن دخول البرلمان ليحملن أمانة تمثيل الشعب ، وسوف لن أكون مغاليا في ذهابي للاعتقاد بأن ثمة فارق كبير يجعل من معاني دخول المرأة العراقية للبرلمان ضمن القوائم المغلقه وبين انتصار المرأة في الكويت عبر نضال طويل والفوز في الانتخابات العامه ، وقد انعكس هذا الفرق وبدا واضحا وجليا من خلال نوع النشاط الذي تقوم به البرلمانيات العراقيات خلال انعقاد جلسات البرلمان وخوضه في شتى المواضيع المتعلقة بحياة الجماهير ، اذ ليس من الصعب أبدا ان يثبت المرء بان الحركة النسوية في البرلمان العراقي تبدو شبه ميته ، بل ظهرت في بعض صورها مهينة للمرأة بدلا أن تكون علامة من علامات تحررها كما يشاع ..
الاصوات المنبثقة عن النساء في البرلمان العراقي تقتصر في جل تأثيراتها على مناصرة رأي الرجل والمتميز في تبوء المراكز المتقدمة ضمن كتلة حزبية ما ، وتظهر المرأة البرلمانية وبشكل يدعو للشفقة وكأنها مسخرة لان تكون عدد يدعم فوز القرارات المنبثقة عن كتلتها والتي أتت بها عمياء للبرلمان ، متفضلة عليها براتب مجزي وامتيازات كبيرة لم تكن تحلم بها وهي على هذا المستوى الضحل من الوعي والثقافة ، ناهيكم عن الدور المخزي لهذا الصنف من النساء حين وقفن على الدوام ضد الاصوات النسوية القليلة والحاملة لسمات الوعي التقدمي المناصر لحقوق المرأه .
أربع نساء كويتيات انتصرن في معركتهن الانتخابية ليحملن شرف تمثيل المرأه ، وحلاوة هذا النصر لا تقترب أبدا من زيف تمثيل المرأة في البرلمان العراقي وان كان هذا التمثيل قد بلغ أضعاف أضعاف نسبة الكويتيات المنتخبات ، وسوف تدخل أسيل العوضي لتجلس تحت قبة البرلمان في الكويت ومعها زميلاتها الاخريات وهن يحملن رايات النصر اعتمادا على قدراتهن الذاتية في المطاولة ، فلم تأتي بهن كتلة ولم تحقق لهن أحزاب بعينها نجاحا لتفرض عليهن تصويتا ولا نشاطا بعينه ، وسوف يشكلن حتما عنصر معارضة حقيقي لا يأبه بشيء عدا عن كونه ممثلا للنساء في مجتمع لا زال يصارع الفكر السلفي والديني الرجعي وبقوة لا يستهان بها .
يقينا بأن الحركات النسوية التقدمية في العراق والتي انجبت شخصيات نسوية رائدة في حركة النضال من أجل حقوق المرأة ، كانت ولا تزال تحرث في أرض الواقع الاجتماعي والسياسي لكسب فرص الوصول الى نجاحات بعينها في قضية المرأه ، وقد احرزت هذه الحركات والمدعومة من قبل احزاب عرفت بطبيعتها النضالية النقية والوفية لقضايا الشعب عموما والمرأة على وجه الخصوص، مكاسب مشهودة في جعل المرأة في العراق تقفز الى مواقع متقدمة ، وتحمل شرف الريادة وكسب ثقة زميلها الرجل عندما نجحت في ادارة مواقعها الرسمية والاجتماعية وبنجاح ملفت للنظر ، غير أن عملية الارتداد العنيف في حركة المجتمع العراقي بسبب التأثير القوي لقوى الردة والرجعية والسلفية الدينية ، والمعتمدة على آثار ظروف مأساوية مر بها العراق جعلت من أمر التردي في الوعي العام وانتشار البطالة وسيادة الشعور باليأس لدا شرائح واسعة من الشعب العراقي جراء سيطرة القمع وانتشار الفقر ، مراكز اعتمدت عليها في نشر تعاليمها الداعية لنبذ كلما هو تقدمي وينتمي لفكر الحداثة ، الامر الذي كسبت من خلاله هذه القوى المتخلفة انتصارات بائنه في الكثير من المعارك ، وجعلتها تغتصب مراكز القرار وتساهم منفردة في سن القوانين المعاديه لحقوق المرأة .
ومهما يكن من الامر .. فان الدور الان في عملية النضال النسوي في العراق اصبح منوطا كليا بتلك الحركات النسوية التقدمية المعروفة بصلابة مواقفها وعدم مهادنتها لتيار التخلف ، وتحمل الاصوات المنفردة داخل البرلمان لنساء ظهرن وهن خارج السرب العام يحاولن عكس الحقائق الاجتماعية الفاضحة بشأن النساء ويطالبن بتحقيق العدالة الاجتماعية عموما ، هذه الاصوات المنفردة ستبقى وفية مهما كانت ضعيفة التأثير لقضية النساء في بلاد الرافدين ، ولابد من أن تتوحد جميع المنظمات النسوية الحريصة على تحقيق الانتصار لقضية المرأة في العراق من أجل نجاح الحركة النسوية باتجاه احتلال مواقع اكثر تقدما وسط هذا النشاط المحموم لاعداء التحرر وقضايا الانسان .
تحية يملؤها الاعجاب ويؤطرها التقدير العالي للنساء الكويتيات المناضلات ، ويبقى امامهن شوط آخر سوف لن يقل خطورة لتحقيق انتصارات اخرى تحت قبة البرلمان وفي الحياة العامه ، ولابد من أن تبدي كافة قوى التحرر في المنطقه مساندتها للتجربة المتميزة للمرأة الكويتية ودعمها ومساندتها من أجل أن لا تتمكن منها قوى لا زالت تتربص بها شرا ، وتحاول الانقضاض عليها في كل حين .