عراقياات .... مسعود العمارتلي ..... ثورة انثى



الاء الجبوري
2009 / 5 / 26

اعتدنا ان تكون داعية حقوق المراة او حقوق الانسان بمواصفات معينة ولكن قد يشذ عن هذه القاعدة الناشطة والفنانة والثائرة على الظلم مسعودة العمارتلي التي لم يخطر في ذهنها او حتى تعرف معنى كلمة ناشطة ,هذه المرأة التي ولدت في بيت فقير جدا لاب شاء الله ان يكون ابناءه من االاناث وكان مولدها اما تنطبق عليه الاية الكريمة (اذا بشر احدهم بأنثى اسود وجهه وهو كظيم )او البشارة لمن يبشر بالولد فكانت انثى ولكن التقاليد جعلت الاب يكذب على نفسه وعلى الناس ليقول انها ولد واسمه مسعود , هكذا ولدت مسعودة مسلوبة حق الاعلان عن انوثتها فكبرت مع الاولاد تلعب لعبهم وتعمل عملهم وصارت تكد على عائلتها بعد موت ابيها لتواجه ظلم الاقطاعي وتعسفه على الفلاح , هذه الظروف التي عاشتها كونت داخلها شلال من الانوثة المكبوته والعاطفة الجياشة والثورة على ظلم التقاليد الذي احاط بها فكانت ثورتها صوتا جميلا يصدح باحلى الكلمات واعذب الالحان , ورغم انها عاشت بمظهر وحياة الرجل إلا ان قلبها استجاب الى نداء الحب فأحبت بعنف حتى علم الناس بهذا الحب الذي خلق لها العديد من المشاكل ورغم ذالك تحدت المجتمع وانطلقت الى سماء الطرب محتفظة بمظهر الرجال الذي عرفت به ولكنها لم تستطيع اخفاء انوثتها في كلمات اغانيها التي كانت تكتبها رغم انها لاتعرف القرأة والكتابة اذ كانت الكلمات تنطلق من وجدان أمرأة وليس رجل , وما يميز هذه العراقية المبدعة انها كانت تلحن اغانيها رغم انها لم تعرف دراسة المباديء الاولية للموسيقى , هذه المطربة تركت خلفا اغاني اصبحت جزء مهما من التراث العراقي ان لم نقل اساسيا مثل اغنية (خدري الشاي خدري) و(فوق النخل فوق) و (محمد بوية محمد) و(على الهودلك) و (وسودة شلهاني يايمة) اضافة الى انها كانت مجددة في اغانيها لحنا وكلمات فهي اول من غنت للام ( حس خالك يناديك يالولد يبني ) مستوحيتا ايها من واقعة حقيقة واغنية (الولد نام يايمة) وهي اول من استخدم موال الابوذية (بسته) واغاني اخرى وكثيرة اصبحت فيما بعد درر التراث العراقي الغنائي , كانت نهاية هذه المطربة التي تحدت التقاليد والاقطاع مأساوية فقد قتلت مسمومة بسبب ولع فتاة بحب المطرب الذي لم تعرف انه امرأة مثلها ولكن اهلها عثروا عليها وقتلت الاثنتين غسلا للعار . هذه الفنانة وعطائها الكبير وتحديها للمجتمع الذكوري لم يجعل ساحة الفن في العراق ان تخلدها في عملا فنيا كما يفعل المصريون في تخليد فنانيهم مثل ام كلثوم وسيد درويش واسمهان برغم ان المقارنة بهم تظلم مسعودة العمارتلي التي لم تحظ بربع ماحظي به هؤلاء ولكنها قدمت تراث بلد واطلقت صرخة انثى ترفض القهر الذي يلحق بالمراة وهنا لابد من الاشارة الى ان الفنان سعدون جابر انتج مسلسلا عن مسعود العمارتلي بامكانيات بسيطة ولكنه استطاع ان يكسب اعجاب الجمهور الذي تعاطف بشدة مع مسعودة العمارتلي في مواجهة الظلم الذي لحق بها واوضح ما تعانيه المرأة العراقية في بدايات القرن العشرين . اما الاعلام العراقي فهو لم يعطي هذه العراقية المبدعة حقها كنموذج نعتز به بل ان اعلامنا يستذكر في احيان كثيرة ميلاد هذا الفنان او ذاك من الفنانين العرب ولا يذكر العمارتلي او غيرها من الفنانين العراقيين , لكن مسعودة العمارتلي من المبدعات العراقيات ليس في مجال الطرب الذي اسست من خلاله اغلب التراث العراقي الغنائي ولكن ناشطة في حقوق المراة جسدت نشاطها عملا وفعلا فكانت صرخة انثى في الزمن الصعب مازلنا نسمع صداها طرب .