هل حقق الإحتجاج مكاسب لنساء المغرب؟



خالد ديمال
2009 / 5 / 27

لنلزم الحذر في إصدار الأحكام، فالجمعيات الحقوقية اتخذت من قضايا النساء مناولات اشتغال، خاصة و أن طرف العملية هو رأسمال مرتبط بالجسد. بالفعل استطاعت أن تجهر بالمكشوف عن أوضاع فئة من نساء المغرب، هي مكاسب تحققت في حضرة النساء، بدءا من تغيير قانون الأسرة، مرورا بتحويل الإتجاه إلى المزيد من حضانة الأبناء، وتمكين الأبناء من لباس رداء جنسية الأم المغربية، إلى الإعتراف بالأبناء الذين يولدون أثناء فترة الخطوبة وقبل عقد القران. لكن لماذا كرامة النساء؟ و ماذا عن مظاهر العنف الإجتماعي و الإقتصادي بالنسبة للمرأة العاملة، حيث تتقوى تجارة الجسد ضدا في قوانين الشغل على علاتها، أليست الدعارة مظهرا من مظاهر العنف بل العبودية المتعددة الواجهات؟ ..
الأعراس الإنتخابية تخرج القضايا النسائية من حسابات برامج الأحزاب ومعها الجمعيات التي تستجدي الدعم المالي، المحلي والدولي، باسم النساء و لا تولي لمشاكل النساء(خاصة الشرائح المقهورة) أي اهتمام. أليس هناك تناقض في الخطاب؟. مستويات عدة يمكن رصدها في هذا الجانب، وفيها يمكن أن نرصد الفرق بين الخطاب والممارسة.
المستوى الأول: الملاحظة التي يمكن رصدها في هذا الصدد هي التناقض الصارخ الموجود بين نصوص الدستور المتضمنة لمبدأ المساواة، وتلك الأخرى التي تدوس هذا المبدأ دون اكتراث. فالحياة الإجتماعية، وفي قراءة مبسطة، تكرس الدونية النسائية، ثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وتمعن فيها، ورغم بعض التعديلات التي همت مدونة الأسرة، إلا أن الملاحظ هو تكريس التمييز بين الجنسين، وتوسيع الفروقات بينهما، ما عادا الولاية التي تم رفعها من طرف المشرع، والرفع من سن زواج المرأة إلى 18سنة.

المستوى الثاني، والمرتبط بالجانب التنظيمي: ما يلاحظ في هذا الباب هو هزالة تمثيلية النساء، ربما بسبب الإقصاء والتهميش المتعمدين من مواقع المسؤولية داخل الهيئات السياسية(أو إبداله بنظام الكوطا) تحت ضغط العقلية الذكورية المهيمنة، ليس في التركيبة الحزبية وحدها، بل الإجتماعية أيضا، ولكن هذا لا ينفي مسؤولية المرأة نفسها في تكريس هذا الوضع والسكوت عنه، من خلال العزوف الواضح عن خوض الفعل السياسي، والإندماج فيه.

أما المستوى الثالث، والمحدد في نسب التمثيلية ودرجاتها: فالملاحظ هو التناقض الواضح بين التنظير كمستوى اجتهادي في الإدماج، وبين الواقع السياسي كميدان يتوضح فيه غياب المرأة عن مراكز القرار، سواء في الأجهزة العليا للدولة، أو فيما يتعلق بالمجالس المحلية. والسبب هو انعدام التناسب بين المؤسسة السياسية المتمثلة في الحزب، حيث ضعف التمثيلية النسائية، وتلك الأخرى النقابية، وبين الهياكل المدنية المدافعة عن حقوق المرأة، كالجمعيات النسائية، والمنظمات الحقوقية، والإتحادات الثقافية، والفعاليات المهتمة بشؤون المرأة، وغيرها، فالملاحظ هو هزالة المكاسب رغم المجهودات الجبارة في هذا الجانب.

بعض مظاهر الحركة الإحتجاجية المغربية:
خطة إدماج المرأة في التنمية نموذجا.

إذا كان المغرب، منذ2002، قد عرف العديد من المشاريع في مجال محاربة التمييز في حق النساء، وكذا في العلاقات الأسرية(المصادقة في سنة2004 على قانون الأسرة الجديد- مدونة الأسرة-، وكذا في مجال حماية النساء ضد العنف( القانون الجنائي الذي تمت مراجعته، وقانون الشغل الجديد في سنة2003)، كذلك مشاركة المرأة في صنع القرار، والذي تعزز بشكل ملموس بعد دخول35 امرأة إلى مجلس النواب(10.8بالمائة من عدد المقاعد، في مقابل 0.66في المائة في الولاية التشريعية لسنة2002). فإن هاته المكاسب لم تأتي من فراغ، بل هي نتيجة نضالات مستمرة، جسدتها الحركات الإحتجاجية المؤمنة بالتغيير المساواتي بين الرجل والمرأة، بالرغم من أن السياسات الرسمية لم تشكل قطائع مع المقاربات القديمة، القطاعية والإجتماعية. فالمرأة الخادمة مازالت تعاني، والعاملة في الموقف، والعاملات الفلاحيات، حيث الإستغلال المزدوج مازال قائما، المادي والجسدي،عبودية العمل المنزلي، من تربية الأطفال والعجزة، وهو وضع يمكن القول عنه بأنه مرتبط بالنزعات الإضطهادية والإستغلالية المتجذرة في صلب العلاقات والهياكل السائدة.
إذن المكتسبات التي تحققت من خلال الإحتجاج، بقيت محصورة في طابعها الجزئي فقط، لكن هذا لا يمنع من وضع قراءة تحليلية لبعض مظاهر النجاح المحقق في صلب العلاقات الإجتماعية الأسرية خاصة، ومنها مدونة الأسرة الجديدة)، كجزء من النسق العام المتعلق بإدماج المرأة في التنمية.

الخطة فصلت المجتمع إلى قطبين متناحرين.

لقد كان الإعلان عن الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية من طرف كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة مثار جدال ساخن داخل الجهاز الحكومي أولا، ظهرت ملامحه بوضوح في لعبة شد الحبل بين وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية(اللجنة العلمية)، وكتابة سعيد السعدي المتبنية للخطة، هذا المعطى الذي كشف آنذاك عن وجود أزمة الإنسجام الحكومي (مع وضد في نفس الوقت).
في الواجهة الأخرى، كان الوضع أكثر تفجرا، حيث بادرت المنظمات النسائية وفعاليات المجتمع المدني إلى تجميع إطارات وتحالفات في اتجاه تشكيل قطبين، أحدهما يلح، و باستماتة أيضا على تطبيق الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ولا استعداد له على التنازل عن أي جزء منها، أما الثاني فيمكن نعته بجبهة الرفض، أطلق عليها" الهيئة الوطنية لحماية الأسرة"، وحجة رفضها كانت هي عدم ارتكان الخطة إلى المرجعية الدينية كقاعدة لحماية المجتمع المغربي من أي انحراف. وكانت نتيجة هذا الأخذ والرد، طلب التدخل الملكي في شكل تحكيم فاصل في النزاع،(بسبب فشل الحكومة في تذويب التوتر، بل وتملصها من ذلك)، انتهى لصالح الموافقة على الخطة، شرط عدم خروجها عن المرجعية الدينية.
ما أعطى الخطة شرعية الوجود هو طابعها الإحتجاجي.
إن ما أعطى خطة إدماج المرأة في التنمية شرعية الوجود، هو طابعها الإحتجاجي،حيث خرج الحداثيون إلى الشارع ، ومعهم المحافظون كل فريق في مواجهة الآخر. فالحداثيون خرجوا إلى الشارع للإحتجاج على النظام القيمي السائد، في محتواه الثقافي، وكذا ضد الدولة باعتبارها راعية هذه القيم ومكرسة للموروث الثقافي الذي يراه الحداثيون تقليديا يجب تجاوزه، أو على الأقل الحد من هيمنته. في المقابل خرج المحافظون إلى الشارع في تعبير عددي ضخم(مليوني متظاهر تقريبا) رافضين للخطة، متهمين واضعيها بمحاولة سلخ المجتمع عن هويته الإسلامية، ومساندين في نفس الوقت الطابع التقليدي للدولة، حتى في جانبها السياسي، المتعلق أساسا بالملكية الدستورية. إذن، ليس الإحتجاج دائما حركة تطورية، بل قد يأخذ منحى تراجعيا، كالدعوة إلى المحافظة على ما هو قائم والتمسك به وتكريسه، كمسيرة الدار البيضاء المليونية.

المسألة النسائية وحدود الطرح السياسي الحزبي

احتل النضال النسائي مكانة متميزة بهدف النهوض بقضايا المرأة، والمساهمة في تشييد الصرح الديمقراطي، إضافة إلى الإصلاح المؤسساتي، و إدماج المرأة في دواليب الحياة العامة على ضوء التحولات الجديدة، و أيضا لترسخ الفكرة القائلة بأن مجتمعا لا يهتم بالمرأة، ولا يوليها حقها الكافي، لا يمكنه تحقيق نسب نمو كافية قادرة على إخراجه من حالة التخلف، والمضي به نحو التقدم. من هنا تأتي أهمية طرح أسئلة عميقة، من قبيل:
1- كيف نقيم إفرازات ضعف التواجد السياسي الحزبي، هل بتلمس الأسباب الذاتية، أم تلك الخارجية(الموضوعية)؟.
2- هل انتقال المرأة في دفاعها عن قضاياها من خلال القنوات المدنية المنظمة، كالجمعيات النسائية، هو عبارة عن انتقال فئة اجتماعية جنسانية (المتمثلة في جدل النوع) لها وجود في الواقع (فئة في ذاتها)، إلى فئة لذاتها، تشكلت من خلال الوعي بأهمية النضال كآلية احتجاجية لتجاوز واقع الإقصاء، أي تحولها إلى فئة لها تميز خاص في الواقع الإجتماعي بعلاقة تفارقية مع الرجل، كما لو تعلق الأمر بصراع طبقي؟..أم أن الأمر لا يعدو مجرد اصطفاف نظري لتحقيق مساواة جنسانية فعلية في الواقع الإجتماعي؟..
3- ما هو المنظور الحزبي في طروحاته المتعلقة بالمسألة النسائية؟..
بالرجوع إلى ماضي الحركات النسائية(المغربية خاصة)، وبالضبط في السنوات الأولى للإستقلال(كاتحاد نساء المغرب، والحركة النسوية لحزب الإستقلال)، يمكن القول، أنه بالرغم من محدودية المكتسبات، فإنها تبقى، في نهاية المطاف، تقدما. لماذا؟.. لأنها ساهمت في خلخلة البنى الإرتكازية للمجتمع التقليدي القائم أساسا على تحجيم دور المرأة بدرجات قصوى.
من هنا يأتي السؤال: هل لنا أن ننعت الإستمرارية بالإيجاب بمقارنتها بالبدايات الأولى لإنطلاق الحركات النسائية؟..
للإجابة عن هذا السؤال، يمكن استعراض تجربة عمل النساء داخل الأحزاب، والتي مرت بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: الملاحظة التي يمكن رصدها في هذه المرحلة هي ظهور البوادر أو الإرهاصات الأولى فيما يخص الوعي النسائي، وبالضبط داخل الأحزاب، والمتمثل بتكوين قطاعات عديدة، نسائية.
المرحلة الثانية: تتميز بظهور تنظيمات نسائية مستقلة خرجت من رحم الأحزاب ومقراتها، بتحويل موضوع المرأة إلى قضية.
المرحلة الثالثة: وتتميز في العمل المزدوج، بمعنى الجمع بين العمل السياسي الحزبي، وبموازاته داخل التنظيمات النسائية المستقلة، كواجهتين للنضال.
هذا الإتجاه الجديد كرس نخبوية العمل الجمعوي بناءا على هذه الثنائية، ذكر/أنثى، مقدس/مدنس، إلخ.. فهذا النمط المستعاد لطبيعة العلاقات الموجودة هو الذي يرسخ صعوبة الإستقطاب تجاه مختلف الفئات العمرية من النساء لتفعيل الحقل الجمعوي، مما يعطل آليات التغيير بموجه إيجابي، ومؤشرات تنموية حداثية. والنتيجة التقوقع إما في الهيكل الجمعوي النسائي، ومقابله الذكوري، كحقل مضاد ومناقض، مما يفيد تعطيل طبيعة العمل الجمعوي، كعمل وحدوي جماعي، وقد تساهم في هذا التجزيء المرأة نفسها، بتذويب نفسها ضمن حلقات التفكير التقليدي، رغم أنها ضحية له، مما يزكي التبعية (ككائن ضعيف) تجاه الكائن القوي(الرجل)، مما معناه تناقض الحضور، والأهداف، وبالتالي تكريس الأوضاع السائدة، كعامل مؤيد لحالات التبعية عوض المشاركة على أسس مساواتية، مما يحافظ على نخبوية العمل الجمعوي، ولو أخذ طابعا احتجاجيا رفضيا.