أرأيت من ينصب العداء لنفسه؟



رابحة الزيرة
2009 / 6 / 3

أبدعت – كدأبها – جمعية البحرين النسائية في عرضها الافتتاحي لأولى حلقاتها النقاشية بعنوان (المرأة .. نظرة تجديدية) حين تحدّثت بتوازن واتّزان عن أدوار المرأة والرجل ودورهما الاستخلافي في الأرض، وابتعدت عن التهويش والتحريض التي تتّسم بها عادة الفعاليات التي تسعى للمطالبة بحقوق النساء لتجعل من الرجل عدّواً مناكفاً، لا شريكاً ومعيناً على حمل مسئولية الخلاقة الربّانية، فتُشحن الأجواء والنفوس عاطفياً وتنحرف الدفّة إلى كيل التهم، وإلى حرب مفتعلة مع النصف الآخر المكمّل والمساند عوضاً عن كسب مؤآزرته في المطالبة بحقوقها الإنسانية وتحصيلها.

كنت آمل أن يكون الحضور لهذه الحلقة النقاشية، التي كانت الدعوة لها عامة، شعبياً وكثيفاً لعلمي بأن ثمة مئات بل آلاف النساء يعانين من سوء معاملة أزواجهن وظلمهم لهن، وثمة مئات من النساء الموظفات والناشطات السياسيات المتضرّرات من الفهم الخاطئ المتداول عن معنى القوامة، فتوقّعت حضور هذه الشرائح للاستماع إلى آراء جديدة في قضايا تهمّهن بصورة مباشرة لعلّهن يستمعن إلى رأي أكثر اتزاناً وإنصافاً لهن فيحتموا ويحتجّوا به على من يحاول تعنيفهن أو تغليفهنّ وتحجيم أدوارهن باسم القرآن والدين، ولكن اتّسم الحضور بنخبويته واقتصر على المهتمّين بهذا الشأن، مع تمثيل أصحاب رأي من الفريقين السلفي التقليدي والتجدّيدي، وتلك حسنة تُحسب للقائمات على الحلقة النقاشية بعدم تهميش المخالف لهنّ في الرأي، لتتحقق جدلية الحوار بين الرأي والرأي الآخر عوضاً عن الاكتفاء بأن يتحدّث كل طرف مع نفسه ومع من يؤيّده فقط.

هذه الملتقيات والفعاليات تكشف أنّ جذور المشكلة ثقافية أوّلاً، وتبيّن أن أعراف المجتمع عُلّبت في مجموعة من المفاهيم والتفسيرات الخاطئة لكمّ هائل من الآيات القرآنية الكريمة وخُتم عليها ثم حُرّم مناقشتها أو مراجعتها، ففيما يخص قضايا المرأة، ما من شاب أو شابة إلاّ ويعرف أنّ هناك آية (قوامة) في القرآن والكثير يحفظها عن ظهر قلب، ويعتقدون أنّ معناها (أفضلية الرجال على النساء)، كما أنّ الجميع يعرف آية نشوز المرأة وضربها، ولكن قليل منّا من يعرف أنّ هناك آية تتحدّث عن نشوز الرجل "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً ..."، فغُيّبت عن وعينا وذاكرتنا، مع أنها موجودة في نفس سورة النساء التي فيها آية القوامة ونشوز المرأة! وربما لم يلتفت أكثرنا إلى قوله تعالى بشأن المرأة المطلّقة "وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ" حيث ينسب بيت الزوجية إليهن لا إلى الرجال، بينما المتعارف عليه في مجتمعاتنا أنّ المرأة وأطفالها يُلقى بهم على قارعة الطريق إذا قرّر الزوج (القوّام!) أن يطلّقها في لحظة غضب وانفعال، ولن تجد من يأخذ لها بحقها في محاكمنا الموقرة استناداً إلى هذه الآية أو غيرها من حلول حكيمة ورحمانية فُرضت لمنع وقوع الظلم على أي من الأطراف في مؤسسة الشراكة الأسرية، ولتضييق مساحة الأذى الذي يصيب الأبناء جرّاء عدم توافق الزوجين ورغبتهما في الانفصال، كقوله تعالى: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ".

المرأة عدوّة نفسها، وستبقى كذلك إذا لم تأخذ بزمام المبادرة لإعادة برمجة لاوعيها وتصحيح النظرة الخاطئة عن نفسها لنفسها وبنفسها، فتبدأ بغربلة كل ما يصل إليها من معلومات وتفسيرات ومقترحات ترمي لإبقائها في كهف جهلها وقلّة وعيها بأصل مشكلة شعورها بدونيتها، فطالما أنّ المرأة تعتقد اعتقاداً راسخاً بأنها هي التي أغوت آدم وأخرجته من الجنة رغم أنها تقرأ صريح قوله تعالى: "وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى"، ومادامت تُعمّم بمحض إرادتها، وتتهم نفسها، وتردّد بلاوعي "إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ" وتقبل أن يكرّرها الآخرون على مسامعها وكأنها شهادة أبدية ضدّها دون أن تلتفت إلى أن هذه العبارة ليست حكمَ الله بل مقولة عزيز مصر عندما رأى أنّ قميص يوسف (ع) قُدّ من دُبر كبرهان على تورّط زوجته في الكيد ليوسف، ولا علاقة له بخصال النساء لكي توصم به أبد الدهر.

المحاولات مستمرّة في العبث بوعي المجتمع بالضرب على أوتار المرأة العاطفية، فيحاول المتفلسفون تزيين الباطل بلباس مزخرف ناعم الملمس، ليقنعوا المرأة بأهمية خلقها من ضلع آدم الأعوج ثم يفسّروه علمياً، فقيل أنها خلقت من الضلع الذي يحمي القلب، لأنها ستتعامل مع القلب (!) بينما الرجل خلق من تراب لأنه سيتعامل مع الأرض بنّاء أو مزارعاً، وادّعوا أنّ "الطب" أثبت حكمة خلقها من ضلع أعوج، فلولا ذاك الضلع لكانت أقل ضربة على القلب تسبّب له نزيفاً فكان أعوجاً لحماية القلب، ليختموا أحدوثتهم الطريفة بنصيحة ذهبية للمرأة بأن تفتخر لأنها خلقت من ضلع أعوج، وعلى الرجل أن لا يحاول إصلاح ذاك الاعوجاج كما أمر النبي (ص) - بحسب ادّعائهم - لأنه إذا حاول ذلك كسرها!! مع أنه لا علاقة لهذا الكلام بتاتاً بحقيقة خلق آدم الذي "خُلق من نفس واحدة مخلّقة بمواصفات خاصة لينتهض لدوره (الذكر الآدمي) وجعل منْ نفس النسخة تماماً زوجها (الأنثى الآدميّة "حوّاء")، فصارت النفس الإنسانية (ذكراً وأنثى)، لتنبثق الإنسانية وتنسل منهما، ويكون دائماً أبٌ وأمّ، أيْ إنسانان معاً، ليقوما شراكةً بتعاهد المشروع الإنسانيّ الإلهيّ المتولّد، جُعلا من نفس الشفرة وذات المكوّن ليسكن الزوج إلى زوجه، الواحد إلى الآخر، من جميع الجهات فكرياً ونفسياً وروحيّاً فيقع الانسجام، لتأتي الذرّية صالحةً في هذا الجوّ الطيّب المنبت المُتناغم السويّ" .. كما جاء في بحث "الخلق الأول" من سلسلة عندما نطق السراة لجمعيّة التجديد.

فهل تملك المرأة الشجاعة لتقبل هذه الآراء التي تنسف أسّ الثقافة المغلوطة التي غُرست فيها أم تكون هي أوّل الناصبين العداء لنفسها؟
[email protected]