-الزنا- بين العرف والقانون



سليم محسن نجم العبوده
2009 / 6 / 7

"الزنا" بين العرف والقانون
لم اعتد الكتابة في المواضيع القانونية كونها مواضيع "الاختصاص المحض" . خصوصا واني أتجنب دائما الكتابة في مواضيع بمهمة قد توقعني في الخطأ دون ان اعلم فأكون بين أمرين محرجين أما ان لا أ ُكتشف وبذلك قد أكون أرسلت رسالة خاطئة او ان أقع في الخطأ فافقد بعض الامتيازات عند من يهتمون لأمري .
لكن أحيانا تفرض الضر وف النفسية و الإنسانية ضرورات على الإنسان بحيث لا يستطيع ان يتجاهلها او ان لا يجد بد من الخوض فيما لا يحب . او كما يقول "تيودور روزفلت " ( ان الدولة المقتدرة هي التي تستطيع تحويل الطوارئ الى ضرورات ) ، و لا ادعي في ذلك أني قادر الا ان "طارئ الموضوع" تحول في عمق تفكيري الى "ضرورة ملحة" .
كنا في اخر يوم جمعة من شهر حزيران من عام 2009م وقد عقدة منظمة "الحوار المتمدن لنبذ العنف ضد المرأة" ورشتها والتي تستمر ثلاثة أيام في "البيت الثقافي" في محافظة ذي قار، وكنت انا من حاضر في اليوم الثاني للورشة فبعد ان تطرقنا الى اتفاقية "السيداو" ومن ثم " الاتفاقية الدولية لحقوق المرأة السياسية " افرز النقاش والذي كان يضم ما يقارب الثلاثون شخص من كلا الجنسين الى تساؤل في الحقيقة ان هذا التساؤل قد تكرر على مسامعي على مدى الو رشات السابقة خلال العام والتي كانت تربو الى التسع ورشات موزعة على أقضية ونواحي ذي قار . وكان السؤال (( اذا كان الرجل يقتل الزوجة بداعي غسل العار فيحكم بعقوبة مخففة فما هي عقوبة المرأة اذا ما قتلت زوجها او احد محارمها غسلا للعار .. ؟ ) .
غالبا ما كنت اعتمد على الحضور في ان يجيبوا عن هذا السؤال بسبب كوني لم أكن اعرف الإجابة الصحيحة او المنطقية قانونيا بعد كوني لست مختصا بالقانون ، ولذلك بدأت رحلتي مع قانون العقوبات العراقي والاستئناس بأرزاء ذوي الخبرة من ذوي الاختصاص الجنائي . حتى أهداني أخرهم كتاب تحت عنوان " قانون العقوبات القسم الخاص " بعد ان فسر لي بعض المواد القانونية والتي سأوردها لكم في هذا المقال المتواضع واني لأسف على الإطالة .
ان كل من قتل نفسا يقع ابتداء تحت طائلة المادة 405 قانون العقوبات رقم 11لسنة 1969م (القتل العمد)، ما لم يثبت عكس ذلك . فإذا ما اثبت قاتل زوجته او إحدى محارمه انه قد قتلها بدعوى الدفاع عن الشرف فان المادة 405ق . ع أنفة الذكر تكيف الى المادة 409 (غسل العار) فان القاتل يحكم حكما مشددا أقصاه " سنة واحدة " الا ان هذا القانون عدل في عام 1990م تحت قرار رقم 111 والذي اجاز قتل المرأة دون عقاب غسلا للعار .
لكن يبقى السؤال " ماذا لو ان المرأة قتلت زوجها او احد محارمها غسلا للعار .. ؟ " بعد المراجعة والاستفسار وجد انة ليس من حق المرأة غسل العار وان هذه المسالة منوطة بالرجل فقط ولذلك فان المرأة اذا ما قتلت زوجها او احد محارمها من الذكور او الإناث بداعي غسل العار فان المحكمة غير ملزمة بالأخذ بحجتها للقتل ، وان مفاجئة زوجها مثلا وهوا شارع يعاشر غيرها على فراش الزوجية او انه يقوم بفعل لوطي سلبي او ايجابي او ان يكون في خلوة مريبة تدعوا للشك المطلق . ولذلك فأنها في حالة القتل لهذا السبب تقع تحت طائلة المادة 405 ق.ع قتل عمد و التي تتراوح مدة عقوبتها من المؤبد الى الإعدام .
وان هذا التفسير لهذا التناقض التشريعي والذي يدعي البعض انه من وحي الشريعة الإسلامية يؤكد حالة مهمة الا وهي ان قانون العقوبات يتخذ من العرف القبلي السائد و التمييز ألذكوري مصدرا للتشريع . . انه في اعتقادنا المتواضع انه من الخطأ الفادح ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين حيث ان العالم يعيش تبدلات سريعة ومريعة لا يمكن الاعتماد بها كليا على الدين كمصدر من مصادر التشريع كون ان الدين قاصر عن مسايرة العصر وان ادعى البعض مجاملة غير ذلك . فالدين هوا أسلوب عبادات وطريقة سلوك ليس الا ..
أما كيف يمكن معالجة جريمة الزنا قانونا من وجهة نظرنا المتواضعة بالاعتماد على مبداء المساواة بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بينهما بأي شكل من الإشكال هي بالشكل الأتي :
1. يجب ان يجرم أي شخص قاتل لشخص أخر بأي دعوى او نية بدون تمييز الجرم الواقع على أساس السبب وليكلا الجنسين ’ تحت طائلة المادة 405ق.ع (القتل العمد ) و يستثنى من ذلك من قتل نفسا بدعوى الدفاع عن النفس .
2. إلغاء المادة 409ق.ع بأصولها وفروعها كونها تعد انتهاكا وتمييزا واضحا تجاه حقوق المرأة .
3. يجب ان يصد ر قانون تحت عنوان "الخيانة الزوجية بالزنا" و يؤكد التالي :
• لا يحق للزوج او الزوجة ان يقتل احدهما الأخر بداعي غسل العار .
• اذا ما وقع القتل للسبب أعلاه فان القاتل يقع تحت طائلة المادة 405ق.ع (القتل العمد) .
• يحق للطرف الذي تعرض للخيانة و تضرر منها ماديا ومعنويا ان يطلب التفريق وان يحصل على كافة حقوقه مع إسقاط الحقوق الشرعية للطرف الأخر" الخائن " ومن حقه ان يطالب المحكمة بتعويض مادي مجزي يوازي الضرر الواقع عليه .
• يقع من شرع وتلبس بجرم" الخيانة الزوجية بالزنا " تحت طائلة المادة393-394-395لسنة 1969م بالرقم 111 ، بأصولها وفروعها.
و لا أريد الخوض أكثر في هذا المضمار او ان أضيف مواد قانونية و أناقشها او ان أضع البديل عنها . الا أني متأكد ان من يقراء المقال بعقلانية وحياد بعيدا ن الغطرسة الذكورية سيعرف و يتلمس مدى الظلم الذي يقع على عاتق المرأة في ظل طغيان العنف ألذكوري الذي يعيشه كل وطننا العربي و الشرق تقريبا . الا اني أود ان انوه ان إلغاء قانون الأحوال الشخصية من قبل "مجلس الحكم الانتقالي "بتاريخ 29/12 رقم القرار 137 والذي يقضي بإلغاء " قانون الأحوال الشخصية "رقم 188 واستبداله بتطبيق الشريعة الإسلامية والمذهب المختلفة . قد كرس الطائفية المقيتة و خلق وسيخلق إرباكا لدى القضاة العراقيين .
لذلك فاني أعيد دعاوي وأضم صوتي للأصوات التي ترفض رفضا قاطعا من ان مصدر التشريع يجب ان يكون الدين كون الدين غير قادر على مسايرة تغيرات العصر وتبدلاته . يجب ان يكون مصدر التشريع هي الحاجة الملحة للمجتمع بإيجاد الحلول من رحم المشكلة لا ان أقيس على حوادث جرت قبل 1500سنة تختلف فيها كل المعايير والمقاييس الاجتماعية والثقافية والأخلاقية .

بقلم : سليم محسن نجم العبوده