أعمالنا وذواتنا تقيمها خبابيرالحريم



عفراء الحريري
2009 / 6 / 18

بعلو حسي، أريد أن أصرخ..
بكل الغضب، أن ألعن..
فأحتج وأعلن ثورة، لأقتل تاريخا من نميمة النساء
وما أنا بقاتل.
أريد أن أصرخ في وجه القهر ووجه الظلم
في وجه تاريخ الإماء والسبايا
أريد أن أهرب من الزمن القبيح، حيث تضيع النضالات النسائية
في رطوبة ألسن الحريم،
فتتهم وتظلم باطلا، زورا، بحسن النوايا
أريد أن أهرب منهن إذ حللوا دمايا.
لأول مرة سأكتب خفايا عمل النساء وأنشطتهن. وليسمح لي القارئ أن أتناول موضوعا ربما لا يكون بتلك الأهمية العالية للقراءة، لكن من وجهة نظر خاصة وربما يتفق/ تتفق معي البعض والبعض الآخر يختلف، إذ إن هذا النشاط حجم كل تطور للمرأة، وجعل الفجوة بينهن وبين أي تقدم أو فرصة للحصول على الحقوق تتسع، رغم النضال الطويل، فالأمر لا يتعلق فقط بالمجتمع الذكوري الذي تعيش فيه هؤلاء النساء، بل إن المرأة تطمس غيرها وتعتبر ذلك حقا شرعيا لها، دون أن تنتبه إلى أنها كانت ومازالت الأضعف تاريخيا، بمنأى عن بعض الاستثناءات. وقد أشرت في العديد من المقالات إلى ذلك الصراع بين النساء بعضهن والبعض، وعدم اتفاقهن واتحادهن لمصلحة الآخر. سأتعرض لشيء تميزت به معظم النساء، ألا وهو النميمة، "خبابير الحريم"، وتعتبر مصدرا للاتهامات والإشاعات، فإن أرادت إحداهن أن تدمر الأخرى أو تفرق بين علاقات حميمة قائمة على الود والاحترام، عليها أن تلجأ إلى "الخبابير". المحزن في الأمر أن الكثيرات يصدقنها دون دليل أو مواجهة ودون أن يكلفن أنفسهن قبل الاتهام وسوء الظن وفقدان الثقة أن يسألن "المتهمة" التي جاءت "الخبارة" على لسانها: "هل ما نقل بلسانك صحيح؟"، ليتحن لها الدفاع عن حقها في زمن لا يستطيع أن يعيش فيه سوى الكذابين/ الكاذبات، المنافقين/ المنافقات. الأسوأ أن تتراكم تلك "الخبابير" في نفوس البعض منهن إلى مستوى يجعل منها مرجعية مطلقة دون مبادر للسؤال لتقوم بعملية تنقية وفرز الحق من الكذب، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، فهذه القاعدة لا تنطبق حين يرتبط الموضوع بالخبابير، ترى هل تعرفون/ تعرفن أن من يظلم بهذه الخبابير والاتهامات ماذا يحدث له/ لها؟ إنه/ إنها كثيرا ما يفقد/ تفقد احترامه/ احترامها للآخرين/ الأخريات. إن الحكم المطلق في إصدار الأحكام دون دليل مأساة! فإذا وضعنا فرضية مسبقة أن "الخبارة" صحيحة، هل يستدعي هذا الإطلاق لفقدان الثقة وبقاء التهمة مع وجود الاعتذار والاعتراف بالخطأ؟ أليس الاعتراف بالخطأ بمعناه العميق فضيلة!؟ أم أن النكران هو الأفضل!؟ وهل الرسالة التي انتقلت بواسطة الخبابير من "س" إلى "ص" إلى... الخ ستنقل بمحتواها نفسه ومضمونها وصيغتها ووضعيتها وظروفها؟ لا يمكن، والمستحيل أن يحدث، خاصة الرسائل التي تنقل شفاهة، فلا بد أن تضاف بعض البهارات. كم من الظلم يقع بسبب الخبابير! أين نحن من درء الحدود بالشبهات؟ أين نحن من "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"؟ أين نحن من التمعن بالأسباب ومراجعة الأدلة ومعرفة مصدر الخبابير من هو وما هي صفاته وطباعه؟ فالإنسان يخطئ ويصيب، ليس ملاكا لتصبح "خبارته" سليمة وخالية من الشوائب والأوبئة؟ سيقول البعض إنه لا دخان من غير نار. ربما! لكن العديد من الحرائق تحدث بفعل فاعل! خاصة في مجتمع يملؤه الفراغ ويعشش فيه الجهل ولا هم له سوى نقل الخبابير. وحين يبلغ السيل الزبى، فنصدق الخبابير، نحطم علاقاتنا وأهداف نشاطاتنا ونبدد طاقاتنا فيه. وحين نحاول مرة إثبات براءتنا نجد الآخر بعد أن أقام تهمة وأصدر حكمه وأطلقه ونطق به، ببساطة يقول: "إن الله موجود". نعم، الله موجود خالدا أبدا، فلماذا لم نتذكر قدرة الله قبل أن نصدر أحكامنا، ونطلقها استنادا إلى الخبابير التي تشكل على أساسها سوء الظن وإنعدام الثقة، لنفسد كل علاقاتنا الإنسانية ونفتقد عطف الكبير على الصغير واحترام الصغير للكبير؟ للأسف جميعنا نعيش في هذا الوضع، مرافق العمل (الخاص والعام)، منظمات المجتمع المدني، دواوين لقاء النساء في جلسات القات، منتديات لقاء الرجال... وغيرها. والأخطر أن الخبابير لها توأمة في مجتمع الرجال، حتى الشباب منهم. هذا هو المجتمع المدني الذي نفاخر به في اليمن، مع بعض الاستثناءات من مكان لآخر، ومن نساء لنساء ومن رجال لرجال. كل ما أخشاه أن تندرج هذه الآفة الاجتماعية، التي تميزت بها النساء وانتقلت عدواها للرجال، ضمن أدلة إثبات النيابة العامة في إسناد تهمة ما على إنسان اتهم ظلما! أن تقوم عليها تقارير الأمن العام والأمن السياسي! وأن تكون مصدرا رئيسيا لخبراء الأمن القومي في تقاريرهم المرفوعة للقيادة، نكاية بأي إنسان وفقا لإفصاحه عن رأيه بالوضع، دون انتمائه لأحد! وأن تعتمد عليها استمارات التقييم للدرجة الوظيفية والترقية والترفيع للرتب العسكرية والأمنية، وما تبقى في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص، والطرد من الوظيفة والإحالة إلى البيت والتقاعد والحبس الاحتياطي والسجن المركزي والسجون المخفية، وأن تجعل منها الأحزاب السياسية أسسا في برامج العضوية من عضو عادي إلى العضوية التي أرفع منها، كما يحدث في منظمات المجتمع المدني حين أصبحت الخبابير مصدرا من مصادر تعطيل العلاقات، ليس العملية وإنما الإنسانية، فالأولى (العملية) أمرها سهل وهين، لكن الإنسانية هي الأصعب والأشد خطرا، فمعظم النشاط المدني المتعلق بالحقوق والتمكين يعتمد على علاقتنا الإنسانية التي تنبع منها قوة الإبداع والتميز والنجاح لتسيير مجمل الأنشطة الإنسانية. ولا تقتصر على الأنشطة المتميزة فحسب، بل تتعداها للتألق، لكونها تطوعية أساسا، والتطوع قناعة وإرادة وإيمان، وهذا مجملا إطار للعلاقات الإنسانية التي تخلو من التمييز بين شخص وآخر، وتسمو على الخبابير التي تجعل من التهم مطلقة وليست نسبية، لأنه وحده هذا النشاط يرتبط ارتباطا مباشرا مع المجتمع، بمختلف فئاته وشرائحه وطبقاته ومشاربه، ولا أعني بذلك أننا ملائكة، لا، فجميعنا نخطئ، مخطئون/ مخطئات، وليس منا أحد معصوم من الخطأ مرة ومرتين وثلاث، نتعلم من أخطائنا. لكن أن يظل الخطأ وشما على جبين المرء منا حتى مماته –رغم الاعتراف والاعتذار والوعد القاطع، وقد يصل الأمر إلى قسم اليمين على مصحف كريم ومن تم تنفيذ الوعود، ثم فجأة يبزغ التأويل وسوء الظن الذي سبق وإن كان موجودا وقائما ومزق ما مزق وقطع ما قطع من أعمدة الثقة وأواصر المحبة نتيجة للخبابير السابقة- فذلك ماذا يعني؟ أفتوني! فمن منا الذي خلق خارقا/ خارقة، ليعلم/ تعلم النوايا وخفايا الأنفس مهما بلغ/ بلغت درجات حاسته/ حاستها السادسة فهو/ هي لن يبلغ/ تبلغ علم خفايا الخلجات وحشاشات الأرواح ومكامن الأنفس.
إننا نتبنى صفة سيئة دون إدراك أو تحليل لمخاطرها على نضالات كبيرة تحققت، إذ إن التحدي الأكبر الذي يظهر من خلال العمل الاجتماعي المدني ظل تحديا نظريا، معرفيا، لأنه لم يغير الواقع، فمخاطره تكمن في استمرار الخبابير المتنفذة، وتبني بعض المجموعات النسائية لها دون تحليل وتفكير، مثلما تتبنى البعض الخطاب الذكوري لشق صفوف النساء. وفي الحالتين نجد الهيمنة المعرفية داخل هذه المنظمات النسائية، خاصة وقد طغى عليها جانب كبير من الاكليشات والشعارات لا غيرها. ولأنني ضمن هؤلاء النساء، ولا أستثني نفسي، فإنني أدعو النساء جميعا إلى تجاوز الخبابير، والبحث عن مفردات وأفكار تستجيب لتغيير الواقع المؤلم. فعلى رغم بروز أسماء البعض منا وتحقيق حفنة من المكتسبات، لكننا مازلنا نجد ثقافة الخبابير هي السائدة، وهي التي جعلتنا نحصر في عنق الزجاجة التي لن نستطيع –نحن المثقفات- في داخلها أن نتعاطى مع قضايا النساء الأخريات، حتى وإن توسع العنق إلى أقصى حد، إذ إننا سنجد الخبابير هي التي تحدد من التي... وما الذي يصبح حقيقيا وقانونيا وشرعيا ومقبولا... الخ في المجتمع. إن "الخبابير" هي القاسم المشترك في جميع المنظمات النسائية. وللأسف أن تصبح منظمات المجتمع المدني هي المكان الوحيد الذي تتهم فيه النساء بلفظة واحدة: "قالت فلانة"، ودون دليل، دون بينة، دون سؤال مباشر للمتهمة، دون مواجهة، دون منحها حق الدفاع عن نفسها، دون أي مستند شرعي أو قانوني أو أخلاقي أو إنساني، ثم نقول بعلو حسّنا: "هذه حقيقتها لا تحترم الكبار". قال عز وجل في كتابه الكريم: "يأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".