لقد صدقت الغجرية يا امي ... من مات في الغربة هو شهيد !



شه مال عادل سليم
2009 / 6 / 20

في اربعينية والدتي ﴿ فتحية محمد مصطفى ﴾٭...

من بين جفوننا وخواطرنا واحلامنا وامنياتنا رحلت بطلة من بطلات بلاد الشمس , لتستقر اخيرا في احدى المحطات المليئة بالمسافرين الغرباء في السويد , مخلفة لنا كتابا زاخرا بايات الكفاح والمواصلة والتمسك بقيم النضال والقيم الانسانية الرفيعة
استعدت هذه الليلة ذكرياتي التي تطحنني وانا ارتب ذكريات هذه الانسانة المتواضعة وصورها التي لاتفارقني ابدا . . أميّ !! ومن بين كل الذكريات , ذكرى اثارت شجوني حين روت لي قبل اسبوع من رحيلها الابدي , كيف انها كانت طفلة في العاشرة من عمرها حين كانت واقفة امام باب دار اهلها في محلة خانقا في مدينة اربيل العتيقة عندما قالت لها احدى الغجريات وهي تنظر الى عينيها العسليتين الجميلتين :
" عيناك تقولان . . انكِ ستموتين شهيدة يا بنت !!... "
فمع سماعي لهذه الحكاية ادرت وجهي الى الحائط وبكيت . . لقد بكيت طول الليل من الالم والغضب الشديد الذي انتابني من الغجرية وكلامها ...لااعرف لماذا ... لقد بكيت كالاطفال ...وكنت اقول في نفسي ..لا ... لا اصدق ان هذا يحدث لها بهذه السرعة ... ! و فجاة اشاع صدى صوت والدتي وهي تحكي لي تفاصيل الحكاية الدفء في قلبي ونسّاني ان اروي لها حكايتي عن مقبرة الغرباء . . التي اصبحت قدري ومكان التقائي بوالدتي الشهيدة ....
نعم يا امي ...
لقد صدقت الغجرية ...
من مات في الغربة فهو شهيد ....
نامي شهيدة اممية يا امي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٭ فتحية محمد مصطفى , مواليد اربيل 1933 , قيادية في رابطة المرأة العراقية وعضو مؤتمرها الاول ... وهي من النصيرات الطليعيات اللاتي شاركن في ثورة ايلول مع فصائل حزبها في منطقة ﴿ دركلة﴾ , كان لها دورا بارزا في نقل السلاح والعتاد والمواد الطبية والمنشورات والبريد الحزبي في سنوات العمل السري , عرفتها البيوت الحزبية في بغداد والموصل وكركوك ومناطق العراق الاخرى ... تحول بيتها في بداية الثمانينات الى بيت حزبي , فهي التي كانت تخطط وتوفر مستلزمات استقبال وتسفير عشرات المناضلين ... وانقذتهم بذالك من الوقوع بيد العدو... ومنهم المناضلون ؛ ابو لهيب ، ام سعد ، سلمى زوجة الشهيد ازاد ، حسن كاكة ، خوشكة فريشتة وبنات الراحل ملا حسن ، الشهيدتان فاتن وام ذكرى ...والخ ... وكان بيتها ايضاً مكانا امنا لكوادر انصارية معروفة ، منهم الشهيد الخالد كوجر والشهيد سفر والشهيد يوسف والبطلة ام سيفان بنت القائد الانصاري الخالد توما توماس وبطلات من الموصل وعينكاوة . . كما ضمت عوائل مشردة ، منها , عائلة نجم الدين مامو وعائلة ابو جنان وعوائل كثيرة اخرى ... ومن بيتها تم التخطيط لعمليات عسكرية نفذت بنجاح داخل مدينة اربيل ... وعبرها تم ايصال عدد ليس قليل من الرفاق الملتحقين الى القواعد وبالاخص رفاق عرب القومية من عموم مناطق العراق .. التحقت بقوات الانصار البيشمركة مع ابنائها في اواسط الثمانينات ... بعد ان صار الوضع لا يتحمل بقائها في مدينة اربيل ..
رحلت في 8 من ايار المنصرم في السويد , و دفنت فيها غريبة عن وطنها ....